سباق بين تثبيت الهدنة وتصدّعها

في لبنان، هناك سلطة وهناك الحزب، وحين تتفاوض الولايات المتحدة الأميركية مع لبنان فإنّها تتفاوض مع السلطة، أي مع لبنان الرسمي الذي ليس بالضرورة أن يكون موقفه منسجمًا مع موقف الحزب، الذي أحيانًا يكون موقفه مُعاكسًا لموقف الدولة.
كتب جان الفغالي لـ”هنا لبنان”:
بعد ثلاثةٍ وثلاثين يومًا، تحلّ الذكرى السنوية الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه الحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي في السابع والعشرين من تشرين الثاني من العام الفائت 2024.
الاتفاق تمّت الموافقة عليه بإجماع الوزراء في جلسة مجلس الوزراء، وأثناء الجلسة حاول أحد الوزراء الاعتراض، فكان جواب الرئيس ميقاتي: “الاتفاق تتمّ الموافقة عليه بالإجماع، فإمّا يؤخذ كله وإمّا يُرفض كله”. لم يجرؤ أحد على الرفض لأن الثمن سيكون استمرار الحرب المدمّرة التي لم يعد أحد يتحمّلها، فتمّت الموافقة.
منذ ذلك التاريخ، والسؤال يُطرح بشكل يومي: هل الهدنة صلبة أم هي في طريق التصدّع؟
لا أحد يغامر بإعطاء جواب كافٍ ووافٍ، بين سردية التصدّع وسردية الهدنة الصلبة، فعلى مدى سنةٍ إلّا شهرًا كانت الضربات الإسرائيلية سيدة الموقف، وكانت “الذرائع” تسبق الضربات أو تعقبها.
اليوم، أين يستقرّ الوضع؟
الاتجاه العام، ووفق كل المعطيات، أنّ المخاوف تتصاعد، وهذه المخاوف مبنية على معطيات مفادها بأن إسرائيل التي لم تتهاون مع حركة “حماس” في قطاع غزّة، لماذا ستتساهل مع “حزب الله” في لبنان؟
الفارق بين غزّة ولبنان أن في غزّة ليست هناك سلطة، بل حركة حماس هي السلطة، والتفاوض كان معها مباشرة. في لبنان، هناك سلطة وهناك حزب الله، وحين تتفاوض الولايات المتحدة الأميركية مع لبنان فإنّها تتفاوض مع السلطة، أي مع لبنان الرسمي الذي ليس بالضرورة أن يكون موقفه منسجمًا مع موقف حزب الله، الذي أحيانًا يكون موقفه مُعاكسًا لموقف الدولة.
في هذه الحال، هناك مأزق في لبنان: السلطة تُفاوض لكنّها تعرف أن حزب الله غير منسجم مع موقفها، وثمة مَن يذهب أبعد من ذلك فيعتبر أن قرار حزب الله، في جانبٍ منه، ليس في حارة حريك، مقرّ قيادة حزب الله، بل في طهران أيضًا عند الحرس الثوري الإيراني، وربّما عند المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي الخامنئي.
في هذه الحال، ليس من السهل ترقّب ما سيحصل في لبنان، لأن هذا الترقّب يستدعي استشراف موقف الجمهورية الإيرانية، وهذا الموقف ما زال يكتنفه الغموض في ظلّ عدم وضوح أين أصبحت العلاقة بين طهران وواشنطن.
لكل هذه الاعتبارات مجتمعة، فإنّ الهدنة في لبنان هشّة، لأنّ عوامل تصليبها غير متوافرة، فيما عوامل تصدّعها تبدو أكبر بكثير.
مواضيع مماثلة للكاتب:
جنوب لبنان غزة ثانية… إلّا إذا؟! | ما بعد بعد غزّة! | لبنان أمام تحدّي سَدّ “الفجوة الأمنيَّة” |




