أنطوان حبيب يدقّ ناقوس الخطر: حلم السكن في لبنان مهدّد!

إنقاذ المؤسسة العامة للإسكان ليس ترفًا ولا خيارًا ثانويًا، بل هو خطوة أساسية في مسار التعافي الاقتصادي والاجتماعي. فالسكن ليس مجرّد مشروع مالي، بل حقّ إنساني يجب أن تصونه الدولة وتوفره لمواطنيها.
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
في خضم الانهيار المالي والاقتصادي الذي يرزح تحته لبنان منذ أكثر من خمس سنوات، تتآكل قدرة المواطنين يومًا بعد يوم على تأمين مُقوّمات العيش الأساسية، وعلى رأسها السكن. فالمنزل، الذي يُفترض أن يكون الملاذ الآمن لكلّ عائلة، بات حلمًا بعيد المنال في ظلّ انهيار العملة الوطنية وارتفاع أسعار العقارات أضعافًا مضاعفة، وتراجُع فرص الحصول على القروض السكنية. في هذا المشهد القاتم، يبرز القلق حيال مستقبل “المؤسسة العامة للإسكان”، التي شكّلت لعقودٍ بوابة الأمل أمام آلاف العائلات اللبنانية الباحثة عن سقفٍ يُؤويها.
أمام هذا الواقع، أطلق رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمصرف الإسكان، أنطوان حبيب، صرخةً واضحةً دعا فيها الحكومة إلى التحرّك الفوري لإنقاذ المؤسّسة العامّة للإسكان من التوقّف الكامل، معتبرًا أنّها صرح وطني أساسي لا يجوز إهماله أو تركه يتداعى تحت وطأة الأزمة.
وقال حبيب لـ”هنا لبنان” إنّ “هذه المؤسسة لم تكن يومًا مجرّد إدارة رسمية، بل ركيزة اجتماعية ساهمت في تحقيق حلم السكن لعشرات آلاف اللبنانيين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط”، مؤكدًا أن دعمها اليوم واجب وطني وإنساني في آن معًا.
وكشف حبيب أن “المؤسسة تواجه تحدّيًا حادًّا على الصعيد الإداري والبشري، إذ لم يبقَ في ملاكها سوى 16 في المئة من موظفيها الأصليين، بينما يُضطر هؤلاء القلائل إلى معالجة أكثر من 53 ألف ملف عالق لتصفية القروض السكنية”. ووفق الأرقام التي أعلنها المدير العام للمؤسسة روني لحود، فإنّ إنجاز هذه الملفات بالوتيرة الحالية يحتاج إلى نحو عشر سنوات، ما يعني عمليًا جمودًا طويلًا يهدّد مصالح آلاف المواطنين.
وشدّد حبيب على ضرورة إطلاق دورةٍ جديدةٍ في مجلس الخدمة المدنية لتوظيف كادرٍ جديدٍ يُعيد الحيوية إلى المؤسسة، موضحًا أن غياب الموظفين لا يعني فقط بطئًا في العمل، بل شللًا تامًا في متابعة المعاملات وإصدار القرارات، وهو ما ينعكس سلبا على حياة المواطنين الذين ينتظرون منذ سنوات تسوية ملفاتهم.
تداعيات اجتماعية واقتصادية
ولا تقتصر الأزمة على الجانب الإداري فحسب، بل تمتدّ إلى بُعدها الاجتماعي الأعمق، إذ إنّ تعطل عمل المؤسسة العامة للإسكان يعني عمليًا حرمان آلاف العائلات من حقّها في امتلاك مسكن لائق. هذا في وقتٍ تتجاوز فيه أسعار الشقق قدرة معظم اللبنانيين، وتتراجع فيه قدرة المصارف على تمويل القروض السكنية بعد الأزمة النقدية التي شلّت القطاع المصرفي.
ويحذّر الخبراء الاقتصاديون من أنّ استمرار الجمود في هذا القطاع يُفاقم أزمات اجتماعية جديدة، أبرزها ازدياد معدلات النزوح الداخلي من المدن إلى الأطراف، وتراجع الإيجارات الرسمية لصالح السوق السوداء، ما يضعف الدورة الاقتصادية ويعمّق الفوارق الطبقية بين المواطنين. ويؤكّد هؤلاء أنّ المؤسسة العامة للإسكان تمثّل اليوم صمام أمانٍ حقيقيًا يمكن أن يُخفّف من تداعيات الأزمة إذا ما أُعيد تفعيلها وتم دعمها ماليًا وإداريًا.
دعوة لإعادة بناء الثقة
وأشار حبيب إلى أنّ دعم المؤسسة لا يقتصر على ضخّ أموال أو تعيين موظفين، بل يتطلّب رؤيةً حكوميةً شاملةً تعيد الثقة بين المواطن والدولة. وقال: “المواطن الذي كان يطرق باب المؤسسة العامة للإسكان يومًا ليجد حلًا لمشكلته السكنية، بات اليوم عاجزًا حتى عن متابعة ملفه. المطلوب إعادة هذه الثقة عبر عمل مؤسساتي فعّال وشفّاف”.
وشدّد حبيب على أنّ “إنقاذ المؤسسة العامة للإسكان ليس ترفًا ولا خيارًا ثانويًا، بل هو خطوة أساسية في مسار التعافي الاقتصادي والاجتماعي. فالسكن، بحسب قوله، ليس مجرّد مشروع مالي، بل حقّ إنساني يجب أن تصونه الدولة وتوفره لمواطنيها”.
أولوية وطنية ملحة
وختم حبيب حديثه بالتأكيد على أنّ “إعادة تشغيل المؤسسة العامة للإسكان تمثل حاجة وطنية واجتماعية عاجلة، إنّ كل يوم تأخير يكلف المواطن سنوات من الانتظار والمعاناة”، داعيًا الحكومة إلى مقاربة الملف بروح المسؤولية والشراكة، وإلى وضع خطة واضحة تُعيد للمؤسسة دورها الطبيعي في خدمة الناس.
وفي ظلّ غياب الحلول المستدامة للأزمة السكنية في لبنان، يبدو أنّ إنقاذ المؤسسة العامة للإسكان لم يعد خيارًا مطروحًا للنقاش، بل واجبًا وطنيًا لا يحتمل التأجيل، لأنّ بقاء الناس من دون مأوى هو التهديد الأخطر لأي مجتمع يبحث عن البقاء والاستقرار.
مواضيع مماثلة للكاتب:
بيروت بين السمّ والحدائق: قاتل القطط ينشر الموت بصمت! | طوابير أمام محال الذهب: الأونصات ملاذ اللبنانيين الأخير | الضمان الاجتماعي يكشف 788 موظفًا وهميًا ويطلق الرقابة الإصلاحية الشاملة! |




