المفاوضات آتية حتمًا

مع اقتراب مرور سنة على اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب، تزداد القناعة بأنّ الجلوس وجهًا لوجه بين الوَفدَيْن اللبناني والإسرائيلي لم يعد احتمالًا بعيدًا، بل استحقاقًا وشيكًا.
كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:
بزيارة مورغان أورتاغوس ومدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد إلى بيروت، تتقاطع المعطيات حول حتميّة الجلوس إلى طاولة المفاوضات. سواء كانت المفاوضات مباشرة أم غير مباشرة، فإنّ هذا التفصيل بات من باب التضليل، لأنّ الجوهر واحد: فتح مسار سياسي بعد سنوات من الاشتباك والجمود، وتبدّل المُعادلات الإقليمية مع نهاية حرب غزّة وقمّة شرم الشيخ التي أرست قواعد جديدة للمرحلة المقبلة.
لبنان لا يمكن أن يبقى خارج هذا المسار. فكلّ الدول المعنية بالصراع أو المُحيطة به دخلت في ترتيبات أمنية وسياسية متدرّجة، بينما بيروت ما زالت تراوح مكانها، تتقاذفها الضغوط والتهديدات والانقسامات الداخلية. اقتراح رئيس الجمهورية بالدعوة إلى مفاوضات ترسيم جديدة لا يمكن عرقلته أو تجاهله، لأنّ البديل الوحيد عنه هو الانزلاق إلى الحرب، في لحظة إقليمية لا تحتمل المغامرة.
رئيس مجلس النواب نبيه بري يدرك حساسيّة المرحلة، ويعتمد سياسة المناورة، متمسكًا بخيوط التواصل مع واشنطن عبر قنوات غير مباشرة، وبالعلاقة التاريخية مع القاهرة التي تعود لتلعب دور الوسيط النشط بين الأطراف. مصر، التي ساهمت في تثبيت وقف إطلاق النار في غزّة، تتّجه اليوم لتوسيع مبادرتها نحو لبنان، انطلاقًا من قناعةٍ بأنّ أي تفجير على الحدود الجنوبية سيُعيد خلط الأوراق ويهدّد كل ما تحقق من تهدئة.
في المقابل، المعلومات تشير إلى أنّ الاتفاقية الأمنية بين إسرائيل وسوريا تتقدم بخطواتٍ أسرع مما يُعلن. وإذا ما أُبرمت فعلًا، فسيجد لبنان نفسه في المزيد من العزلة، خارج أي تفاهم إقليمي، ومُعرّضًا لأن تُفرض عليه تسوية من موقع ضعف.
لذلك، فإنّ الأصوات التي تتحدّث عن حتميّة التفاوض لا تنطلق من ترف التحليل، بل من إدراكٍ واقعيّ بأن الطاولة باتت جاهزة. ومع اقتراب مرور سنة على اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب، تزداد القناعة بأنّ الجلوس وجهًا لوجه بين الوَفدَيْن اللبناني والإسرائيلي لم يعد احتمالًا بعيدًا، بل استحقاقًا وشيكًا تمهّد له التحرّكات الدولية والعربية على السواء.
المفاوضات آتية حتمًا، مهما تعدّدت العناوين والمبرّرات، لأنّ البديل عنها سيكون مواجهة مفتوحة لا يريدها أحد، لا في لبنان ولا في المنطقة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
أوهام الانتحار المستعاد | جوزاف عون وتحدّي الإنقاذ! | قاآني.. خطاب الإنكار واستغلال “الحزب” كأكياس رمل |




