قانون الحكومة لـ “الفجوة المالية”: وداعًا للودائع وانبطاحًا لصندوق النقد الدولي!

بالشكل، أراد وزير المال ياسين جابر أن يكون اجتماعه مع وفد جمعية المصارف في وزارة المال اجتماعًا جامعًا يخرج عنه صورة توافقية، ترافقت مع تصريحٍ للوزير أوحى فيه بأنّ طرفَيْ اللقاء، أي وزارة المال وجمعية المصارف، متفقان على مجموعة نقاط فيما يتعلّق بقانون الفجوة المالية وإعادة هيكلة المصارف.
ولكن في المضمون، الأمور مغايرة تمامًا.
فقد شهدت وزارة المال اجتماعًا جمع وزير المال مع وفدٍ من جمعية المصارف برئاسة سليم صفير، خُصّص للبحث في موضوع قانون الفجوة المالية الذي تعمل عليه اللجنة الوزارية ومصرف لبنان، وفي موضوع أموال المودعين وغيرها من الملفات المتصلة، ومنها إعادة هيكلة المصارف والتدقيق في حساباتها وغيرها.
بعد الاجتماع، خرج جابر بتصريحٍ مشيرًا إلى أنّ إعداد الحكومة لقانون الفجوة المالية يستوجب تنسيقًا مع مصرف لبنان ومع جمعية المصارف، مشيرًا إلى تقدّمٍ حصل بينه وبين جمعية المصارف حول المقاربات التي يتمّ بحثها فيما يتعلق بقانون الفجوة المالية. ولكن مصادر متابعة للاجتماع تؤكّد أن هذا الكلام بعيد عن واقع الحال، فالاجتماع لم يخرج بتوافقٍ، بل باستمرارٍ واضحٍ للتباين في وجهات النظر في كيفية مقاربة الأمور لناحية طرح قانون الفجوة المالية.
فالحكومة يبدو أنّها عادت إلى نقطة الصفر في موضوع وصف الأزمة الحالية، بعد أن أكّد حاكم مصرف لبنان كريم سعيد في مطالعاته القانونية أنّ هذه الأزمة “نظامية”، كما تؤكّد المصارف على هذا التوصيف للأزمة التي طالت القطاع ككل، وليس عددًا محدودًا من المصارف.
لكنّ الحكومة عادت في طرحها لقانون الفجوة المالية لتجنّب هذا التصنيف، لكي تتنصّل من مسؤولياتها في تحمّل أكلاف الأزمة والديون المترتّبة عليها، وهي ليست إلّا مستحقات مصرف لبنان للمصارف، وبالتالي هي ودائع المودعين.
غير أن العودة إلى الوراء في هذا التوصيف تأتي على الرغم من أن وزير المال ياسين جابر أكد بنفسه في المؤتمر الأخير لاتحاد المصارف العربية في بيروت أن الأزمة نظامية، عندما قال: “لبنان تعرّض على مرّ تاريخه لبعض الأزمات المالية والمصرفية، واستطاع الخروج منها ومن بعدها التعافي، وهذا مصدر رجائنا اليوم. لكنّ الأزمة الأخيرة اختلفت عن سابقاتها لتشمل كامل النظام المصرفي، من خلال انضمام المصرف المركزي إلى عناصر الأزمة، وأصبحت أيضًا أزمة نظامٍ ماليّ بعد أن اتخذت الحكومة اللبنانية في نيسان 2020 قرارًا بالتوقّف عن سداد ديونها المحرّرة بموجب سندات دولية متداولة بالعملة الأجنبية”.
ولكن يبدو أنّ الحكومة ووزير ماليّتها خضعا لضغوط صندوق النقد الدولي، الذي يبحث في خطة “تصفير الودائع” وتطيير رساميل المصارف بحجّة “المحافظة على قدرة الدولة على الاستدانة”.
وفي سياقٍ غير بعيد، شهد الاجتماع الذي عقد في وزارة المال نقاشًا مطوّلًا حول بدعةٍ جديدةٍ تطرحها الحكومة تحت عنوان “تدقيق جديد للمصارف” بمفعولٍ رجعيّ يعود للعام 2017، أي قبل عامَيْن من اندلاع الأزمة، بهدف تحديد نقاط الضعف والشوائب، من دون تحديد أي معايير، وبهدف تصنيف “إضافي” للودائع، وبحثًا عن حججٍ غير علمية ولا قانونية لتصنيف الودائع وشطب جزءٍ منها، حيث تسعى الحكومة بطلبٍ من صندوق النقد الدولي إلى العمل على تخفيض الفجوة المالية بأي ثمن، ما يعني حكمًا شطب المزيد من الودائع.
والعجيب الغريب هنا هو تناسي الحكومة ووزير ماليتها أنّ مصرف لبنان قد قام بالفعل بدوره الأساسي في هذا السياق، وأجرى تدقيقًا في حسابات المصارف بمفعول رجعي يحدّد استفادة الحسابات من الفوائد والهندسات المالية، ويقسّم الحسابات بتدرّجٍ علميّ وقانونيّ، وهي الدراسة التي يجب الأخذ بها في أي قانون للفجوة المالية.
ومن النقاط الخلافيّة الجوهرية أيضًا تغييب المصارف والمودعين عن أي نقاشات حول صياغة قانون الفجوة المالية وعدم إشراكهما، ما يطرح تساؤلات كبيرة، فهما أكثر الأطراف المعنية، إلّا أنّه لا يتم إشراكهما فعليًا في صياغة خطة الفجوة المالية، ما يثير تساؤلات فعلية حول قرار الحكومة بتبنّي توصيات صندوق النقد الدولي لتصفية المصارف ومعها المودعين.
التباين واضح بين وزير المال ياسين جابر وجمعية المصارف، لجهة ما يتعلّق بمشروع قانون الفجوة المالية واستعادة الودائع، وأيضًا لجهة التعديلات المتعلقة بقانون إعادة هيكلة المصارف، فيما يصرّ جابر في كل إطلالة له على التأكيد على ضرورة التنسيق مع صندوق النقد الدولي، إذ قال أمس: “من دونه لن نستطيع أن نعود كدولةٍ إلى الأسواق العالمية وإلى المجتمع الدولي، إضافةً إلى كلّ من يريد مساعدة لبنان، باعتبار أن هناك دائمًا شرطًا أساسيًا وهو أن يكون هناك تنسيق مع الصندوق”.
لكن السؤال يبقى: بأي ثمن؟ وعلى حساب من؟
والجواب: “المودعين وأموالهم”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
حملة فنية للدفاع عن افتتاح المتحف المصري الكبير | جينيفر لورنس تكشف معاناتها السرية بعد الولادة | مواعيد المباريات وقنوات نقلها الأربعاء في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا |




