من قلب الأزمات خرج أقوى: الـ”فرانشايز” اللبناني يكتب فصلًا جديدًا من النجاح

قطاع الـ”فرانشايز” اللبناني يواجه تحدّيات لوجستية مستمرّة، أبرزها قيود السفر والتأشيرات التي تُعيق انتقال الفرق التدريبية اللبنانية، غير أنّ بعض الحلول الجزئية بدأت الظهور تدريجيًا، ما يُبشّر بالمزيد من النموّ في المرحلة المقبلة.
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
في وقتٍ يعيش فيه الاقتصاد اللبناني واحدةً من أكثر مراحله تعقيدًا منذ عقود، يبرز قطاع الـ”فرانشايز” كأحد الاستثناءات القليلة التي استطاعت أن تحافظ على ديناميكيتها وتؤكد قدرة لبنان على الابتكار والمنافسة. فعلى الرّغم من الأزمات المالية، والتحدّيات التمويلية، وانكماش الأسواق، ما زال هذا القطاع يثبت أنّه أحد الأعمدة الصلبة للاقتصاد الحديث في لبنان، ومصدّرًا رئيسيًا للعلامات التجارية اللبنانية نحو المنطقة والعالم.
رئيس الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز (LFA) يحيى قصعة، يضع الأمور في نصابها خلال حديثه إلى موقع “هنا لبنان”، موضحًا أنّ “الفرانشايز اللبناني لم يتراجع على الرغم من الأزمات، بل أعاد ابتكار نفسه وتوسّع خارج الحدود”، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنّ بيروت استعادت نبضها الاستثماري وأنّ العلامات اللبنانية باتت تُنافس العالمية بفضل سرعة الابتكار ومرونة بيئتها الاقتصادية.
ويؤكد قصعة أنّ قطاع الفرانشايز في لبنان يشهد حركةً نشطةً وعودةً قويةً بعد سنوات من التحدّيات الاقتصادية، مع تزايد عدد العلامات التجارية الجديدة، سواء تلك التي تُطلق محلّيًا أو تُستورد من الخارج.
ويشرح أنّ في السوق اللبنانية نوعَيْن من الامتيازات: الأول هو الفرانشايزور اللبناني الذي يبتكر المفهوم ويطوّره داخل لبنان ليمنح الامتياز لاحقًا، والثاني هو الفرانشايزي الذي يجلب علامات تجارية عالمية ويُدخلها إلى السوق المحلية. وفي الحالتَيْن، يشهد القطاع ارتفاعًا ملحوظًا في حجم الاستثمار وحركة افتتاح الفروع الجديدة، خصوصًا في مناطق الأشرفية ووسط بيروت.
حركة اقتصادية متجدّدة واستثمارات جديدة
ويبدو أن الانتعاش الاقتصادي في العاصمة انعكس مباشرةً على هذا القطاع، إذ يشير قصعة إلى أنّ الحركة في وسط بيروت ومحيطها تشهد زخمًا لافتًا نتيجة عودة الزوار واهتمام المستثمرين بضخّ رؤوس أموال في مفاهيم مبتكرة. هذا الواقع، برأيه، يدلّ على أنّ الطلب على العلامات اللبنانية والأجنبية في ازدياد، ما يعكس تحسّنًا في الثقة الاقتصادية على الرغم من غياب التمويل المصرفي التقليدي.
ويتابع: “العديد من المستثمرين يعتمدون اليوم على الشراكات وصناديق التمويل الخاصة، ما سمح باستمرار عجلة النموّ، في حين أثبت الفرانشايز اللبناني مرونةً عاليةً وقدرةً على الصمود حتى في ظلّ غياب القطاع المصرفي”.
تنافسية العلامات اللبنانية والإيكوسيستم المحلّي
من جهةٍ أخرى، يرى قصعة أنّ الأفكار اللبنانية لا تزال تحتفظ بتفوّقها التنافسي، إذ أثبتت قدرتها على مجاراة العلامات الأجنبية بل والتفوّق عليها في بعض الأحيان، معتبرًا أنّ لبنان يبقى الرائد الأول عربيًا في خلق المفاهيم الجديدة. ويعزو ذلك إلى سرعة الابتكار التي تُميّز رواد الأعمال اللبنانيين، وإلى مرونة البيئة القانونية والتنظيمية التي تسهّل إطلاق المفاهيم وتشغيلها بسرعة.
وفي موازاة ذلك، يشير إلى أنّ الإيكوسيستم اللبناني تطوّر بشكلٍ لافتٍ خلال السنوات الأخيرة، إذ بات يضمّ شبكةً متكاملةً من المستشارين والمحامين والشركات المتخصصة في ابتكار العلامات التجارية. كما ساهم دخول استثمارات أجنبية في بعض المشاريع اللبنانية في تعزيز حضورها الخارجي، وجعل من بعض العلامات التجارية أمثلةً ناجحةً على قدرة العلامة اللبنانية على المنافسة عالميًا.
دور الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز
وعن الدور الذي تؤديه الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز، يوضح قصعة أن الـ”LFA” تشكّل اليوم محورًا أساسيًا ومُحفّزًا رئيسيًا (Catalyst) داخل هذه المنظومة، حيث تجمع بين مانحي الامتياز (Franchisors) وحاملي الامتياز (Franchisees) والمستشارين والخبراء، إضافةً إلى الأعضاء المُنتسبين الجدد الذين يسعون لدخول القطاع.
وتسعى الجمعية من خلال مبادراتها إلى تسريع منحنى التعلم ومساعدة أصحاب المشاريع على تطوير مفاهيم ناضجة قابلة للتوسّع. كما تعمل على ربط السوق اللبنانية بالأسواق الخارجية عبر شبكات تعاون مع جمعيات فرانشايز عربية وعالمية، ما مكّن العلامات اللبنانية من الانتشار في أكثر من 3280 بلدًا حول العالم، من بينها السعودية، الإمارات، قطر، فرنسا، كندا، البرازيل، أستراليا، وهولندا.
التوظيف والكفاءات
وحول سوق العمل، يكشف قصعة أنّ قطاع الفرانشايز يوظّف حاليًا نحو 80 ألف شخص في لبنان، بعدما كان الرقم قد وصل قبل الأزمة إلى 110 آلاف موظف. ويرى أنّ كل علامة جديدة تفتح فروعًا توظّف ما بين 6 و10 أشخاص في كلّ موقع، ما يجعل القطاع من أكبر المشغّلين في الاقتصاد اللبناني.
ويُضيف أنّ هجرة الكفاءات خلال السنوات الماضية تسبّبت بفجوة واضحة في المهارات، لكنّ هذه الهجرة انعكست إيجابًا من زاوية أخرى، إذ ساهم المغتربون اللبنانيون في توسيع العلامات اللبنانية في الخارج. وللتعامل مع هذا التحدّي، تعمل الجمعية على سدّ الفجوة عبر برامج تدريب وورش عمل و”بوت كامبس” لبناء القدرات، من أبرزها برنامج “Maraton Franchise” الذي يعرّف رواد الأعمال على كيفية إنشاء منظومات الامتياز وتشغيلها وفق المعايير الدولية.
الجودة والمعايير الأخلاقية
وفي الإطار التنظيمي، يؤكد قصعة أنّ الجمعية تعتمد “مدوّنة أخلاق” (Code of Ethics) مُلزمة لكلّ عضو، تضمن احترام المعايير المهنية والجودة في إدارة العلامات. ويخضع الانضمام إلى الجمعية لموافقة مجلس مؤلف من 12 عضوًا يمثلون مانحي ومستوردي الامتيازات، ما يعزّز الثقة في العلامات المسجلة تحت مظلّتها.
كما تعتمد العلامات اللبنانية أنظمة تشغيل متقدّمة ومعايير صارمة في السلامة الغذائية والإجراءات التشغيلية (SOPs)، وتستعينبمفهوم “mystery shoppers” لمراقبة جودة الخدمات بشكل مستمر، في إطار سعيها الدائم للحفاظ على مستوى أداء عالمي.
التوسّع الخارجي والتحديات اللوجستية
وعند التطرّق إلى التوسّع الإقليمي، يكشف قصعة أنّ هناك مفاوضات قائمة لدخول السوق السورية، متوقعًا أن يشهد عام 2026 عودةً ملحوظةً للعلامات اللبنانية إلى دمشق بعد تخفيف القيود المصرفية والعقوبات. ويشير كذلك إلى أنّ الوجود اللبناني قوي في العراق، ويتنامى في أفريقيا، والخليج، وأوروبا، بدعمٍ واضحٍ من الجاليات اللبنانية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم.
ومع ذلك، لا يُخفي قصعة أنّ القطاع يواجه تحدّيات لوجستية مستمرّة، أبرزها قيود السفر والتأشيرات التي تُعيق انتقال الفرق التدريبية اللبنانية، غير أنّ بعض الحلول الجزئية بدأت الظهور تدريجيًا، ما يُبشّر بالمزيد من النموّ في المرحلة المقبلة.
وفي ختام حديثه، يجزم قصعة بأنّ الفرانشايز اللبناني جزء أساسي من الاقتصاد العصري في لبنان، ويمثّل قصة نجاح حقيقية على الرغم من الأزمات، مؤكدًا أنّ الإبداع المحلي والديناميكية العالية سيبقيان العاملَيْن الأساسيَيْن في استمرار ريادة لبنان إقليميًا في مجال تصدير المفاهيم والعلامات التجارية.




