آخر ابتكارات الثنائي: تدمير سمعة التعليم!

كتب Michel Touma لـ”Ici Beyrouth“:
في مشهد سياسي يختصر فلسفة المواجهة الدائمة، دعا زعيم حركة “فرنسا الأبيّة”، جان لوك ميلانشون، حشدًا من أنصاره في إحدى المقاطعات الفرنسية، إلى تبنّي العدوانيّة كخطة عمل، ووضع التصعيد اللفظي والاحتكاك الدائم بالشارع ضمن استراتيجية لا بدّ منها لإحداث التغيير المنشود.
هذه الدعوة لا تختزَل بمجرّد سجال عابر أو بحماسة انتخابية، بل تعكس استراتيجيةً متعمّدةً لإشعال الأزمات وإدامة التوتّر، لأن الأزمة – برأيه – هي الطريق نحو الثورة على النظام القائم.
هذه الرؤية للعمل السياسي مثّلت في الكثير من الأحيان إحدى السمات المميزة لبعض التيارات اليسارية (وليس جميعها…) في الدول التي تتمتع بحدٍّ أدنى من الحريات العامة.
لكنّ المفارقة تكمن في أن “النظام الجديد” الذي كان يفرض نفسه لم يثبت بالضرورة أنه أكثر نفعًا أو عدلًا للشعب مقارنة بالنظام السابق الذي وُصف بـ”الرجعي”، بل على العكس تمامًا في بعض الأحيان.
وفي لبنان، وجدت الاستراتيجية القائمة على الهدم المُمنهج وإثارة الفوضى المفرطة صدًى لها خلال العقود الأخيرة، على يد ما يُعرف بـالثنائي الشيعي “المعطّل”، وعلى رأسه حزب الله الذي حطّم كل الأرقام القياسية في هذا المجال.
فقد أمعن الحزب في الجمع، متعمّدًا، بين التعطيل المنهجي وشلّ المؤسسات من جهة، والإرهاب الفكري والتعبئة الإيديولوجية المذهبية من جهةٍ أخرى، وصولًا إلى تغييب المنطق والعقل في أبسط صور إدارة الشأن العام.
ولعل أحدث الإنجازات في هذا المسار العبثي ما نُسب إلى رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل نبيه بري من نية لعقد اجتماع موسّع برعايته، يرمي إلى إطلاق ورشة ضخمة لإعادة إعمار الجنوب اللبناني.
مبادرة كانت لتستحق الترحيب لو لم ترافقها حماسة موازية لإعادة بناء ترسانة حزب الله العسكرية ومخازن ذخيرته، في تناقضٍ صارخٍ بين الدعوة إلى الإعمار واستعداد الحزب الموالي لإيران لجولةٍ جديدةٍ من الدمار.
يبدو أن الثنائي الطائفي يطمح اليوم إلى إعادة بناء ما يُرجَّح خلال عامَيْن أو ثلاثة، عندما يقرّر الحزب – على الأرجح – خوض حرب عقيمة كالعادة. فالمساعي جارية لإعادة تأهيل بنيته العسكرية على مختلف المستويات، في مشهد يجسّد أقصى درجات التناقض والعبثية.
ويبقى السؤال: على عاتق مَن سيقع تمويل هذا المشروع الضخم لإعادة الإعمار؟ بالتأكيد ليست الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تعاني أزمةً اقتصاديةً واجتماعيةً وماليةً خانقةً، ولا الدول المانحة من الخليج العربي إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي يصعب تصوّرها تضخّ المليارات في بلدٍ يعلن فيه حزب الله جهارًا عزمه على تعزيز ترسانته العسكرية ومواصلة نهجه التصعيدي.
وبالانتظار، يفرّ المستثمرون ويتكبّد الشعب اللبناني الأثمان الباهظة، بينما تبقى المصلحة الجيوسياسية للحرس الثوري الإيراني الهدف الأسمى لدى هؤلاء.
والأخطر من ذلك كله في مسلسل تفكيك الدولة وتخريب المجتمع، ما يُكشف اليوم عن تزوير واسع النطاق للشهادات الجامعية.
فبعد فضيحة بيع شهادات البكالوريا اللبنانية وحصول البعض على شهاداتهم من منازلهم من دون امتحانات أو عناء دراسي، نشهد اليوم ما هو أسوأ: شهادات الماجستير والدكتوراه في بعض الاختصاصات تُباع بأسعار مرتفعة، بمشاركة موظّفين متواطِئين داخل الإدارات الرسمية.
ولحسن الحظ، تحرّك رئيس الحكومة نواف سلام سريعًا، وتواصل مع وزيرة التربية طالبًا منها فتح تحقيق عاجل وشامل في هذه الفضيحة.
ويبقى الأمل بأن تُطبع هذه التحقيقات بالجدّية والشفافية، وأن تتّخذ الدولة إجراءاتٍ حازمةً تحول دون أي تستّر على الفساد.
في المُحصلة، بعد نخر مؤسّسات الدولة من الداخل، وضرب الاقتصاد الوطني في الصميم، وإغراق البلاد في اللاشرعية والفوضى المالية والقانونية، أتى الدور على سمعة التعليم العالي اللبناني.
لقد تخطّى التخريب المتعمّد للدولة ولأسس المجتمع كل الحدود، ولا خلاص بوجود بعض المسؤولين المتشبّثين بالسلطة الذين لا يردعهم أي وازع أخلاقي، ولا يتورّعون عن جرّ البلاد إلى أعمق ظلمات الانهيار حفاظًا على مصالحهم الضيقة ونفوذهم المتآكل.




