التفاوض غير المباشِر… خطوة استراتيجية نحو الأمن والسلام في لبنان

في ظلّ التحدّيات المعقّدة التي يواجهها لبنان على كافّة الأصعدة، تعدّ مبادرة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون للتفاوض غير المباشر مع إسرائيل خطوةً مهمةً نحو الحفاظ على الأمن والاستقرار، وقد تشكّل فرصةً نادرةً للبنان لتجنّب الحرب وتحقيق مكاسب استراتيجية سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي.
كتبت إليونور أسطفان لـ”هنا لبنان”:
في خضمّ تصاعد التوتّرات الإقليمية والمحلية وارتفاع حدّة التهديدات الإسرائيلية للبنان، برزت مبادرة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون للتفاوض غير المباشِر مع إسرائيل كخطوةٍ مفصليةٍ قد يكون لها أثر كبير في مستقبل الأمن والاستقرار في لبنان والمنطقة ككل. تأتي هذه المبادرة في وقتٍ بالغ الحساسية، حيث أصبحت طبول الحرب تُقرع بوضوح في ظلّ التحدّيات الاقتصادية والإنسانية التي يعاني منها لبنان، بالإضافة إلى التوتّرات الحدودية مع إسرائيل والنزاعات الإقليمية المعقدة.
تطرح هذه المبادرة تساؤلاتٍ عديدةً حول دلالاتها السياسية، العسكرية، والاقتصادية، وعلى رأسها: هل يمكن لهذه المفاوضات أن تساهم في تجنّب الحرب؟ وما هي الآثار المُحتملة على الوضع الداخلي في لبنان وعلى العلاقات اللبنانية – الإسرائيلية؟ وهل يمكن للبنان، الذي يعاني من أزماتٍ خانقةٍ، أن يخرج بفائدة استراتيجية من هذه الخطوة؟
تصاعدت التوتّرات على الحدود بين لبنان وإسرائيل في الآونة الأخيرة نتيجة حرب الإسناد التي بدأها حزب الله مساندةً لحركة حماس في غزّة، عقب أحداث 7 تشرين الأول، ومنذ ذلك التاريخ لم يشهد الجنوب يومًا من دون غاراتٍ أو تحليقٍ للطيران الاستطلاعي الإسرائيلي.
وقد شكّلت دعوة الرئيس عون للتفاوض مع إسرائيل خطوة تُحسب له، عجز الكثيرون عن التجرّؤ على طرحها، وهي خيار استراتيجي من قبل الرئيس عون للحدّ من التوتّرات وتحقيق أهداف وطنية أساسية من دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية. هذا التفاوض يعتمد على قنوات دبلوماسية غير مباشرة، من خلال وسطاء دوليين مثل الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة، وهي فرصة قد لا تتكرّر لتقليص احتمالات التصعيد، خاصةً في ظلّ وجود قوى إقليمية تلعب دورًا أساسيًا في التوازن العسكري في المنطقة.
وعليه، فإنّ هذه الخطوة ستساعد لبنان على الحصول على تأييد من القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما يعزّز موقفه في التفاوض. وقد يكون هذا بمثابة فرصة لاستعادة بعضٍ من الثقة في النظام الدولي، الذي شهد تراجعًا ملحوظًا في دعم لبنان على مدار السنوات الأخيرة.
هذا فضلًا عن أنّ هذه الخطوة ستؤدّي إلى التخفيف من التوتّرات العسكرية مع إسرائيل، وإلى زيادة الضغوط على الوضع الداخلي اللبناني، ممّا قد يزيد من معاناة الشعب اللبناني في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. إنّ تجنّب المواجهة العسكرية يمكن أن يساهم في تثبيت الأمن الداخلي، ممّا يُتيح للبنان فرصة لمعالجة أزماته الاقتصادية والاجتماعية.
في المقابل، وعلى الرغم من أهمّية هذه الخطوة، إلّا أنّها تطرح العديد من التحدّيات السياسية والدبلوماسية، خصوصًا في السياق اللبناني الداخلي والإقليمي. فلبنان، الذي يعاني من انقساماتٍ سياسيةٍ عميقةٍ، شهد في اليومين الماضيين حملةً عنيفةً على موضوع المفاوضات بعد الرسالة التي وجهها حزب الله إلى كلّ من رئيس الجمهورية ورئيسَيْ مجلسي النواب والوزراء، أعلن فيها رفضه لمبدأ التفاوض، وتبعته جوقة من المشكّكين والمنتقدين الذين بدأوا حملة تهديد واسعة بهدف تحسين مكاسب حزب الله على الساحة بعد خسارته.
ولكن إذا نجح موضوع التفاوض وتمكّن الرئيس عون من الضرب بيدٍ من حديد، فإنّ إيجابيات هذه الخطوة يمكن أن تساهم في تقليص احتمالات التصعيد العسكري على الحدود الجنوبية، وبالتالي الحفاظ على أرواح المدنيين اللبنانيين وتقليل أضرار الحرب التي يمكن أن تكون مدمّرة للبنان، إضافةً إلى تعزيز العلاقات اللبنانية مع المجتمع الدولي، خصوصًا مع القوى الغربية الكبرى، ممّا قد يؤدي إلى زيادة الدعم للبنان في أزماته السياسية والاقتصادية، خصوصًا لجهة التوصل إلى اتفاق يضمن حقوقه في الموارد البحرية. فقد يُساهم ذلك في تخفيف الضغوط الاقتصادية على البلاد ويُتيح للبنان فرصةً للإصلاحات الاقتصادية الحيوية.
إذًا، وفي ظلّ التحدّيات المعقّدة التي يواجهها لبنان على كافّة الأصعدة، تعدّ مبادرة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون للتفاوض غير المباشر مع إسرائيل خطوةً مهمةً نحو الحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان. وعلى الرغم من التحدّيات والمخاطر المحتملة، فإنّ هذه المبادرة قد تشكّل فرصةً نادرةً للبنان لتجنّب الحرب وتحقيق مكاسب استراتيجية سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي. إذا ما تمّ التعامل معها بحذر وحكمة، قد تساهم في تغيير المشهد اللبناني بشكلٍ إيجابيّ في مرحلةٍ تتطلّب أكثر من أي وقت مضى الحكمة والرؤية المستقبلية.




