الهزيمة لا تعطي لصاحبها الحقّ بـ”الأستذة” على الدولة!


خاص 12 تشرين الثانى, 2025

أكثر ما يُثير الاستهجان في خطاب الشيخ نعيم هو مزاعم انتصارات الحزب. فمَن يطرح نفسه وصيًّا على الدولة لا يُفترض أن يكون مهزومًا أمام اتفاقيّات وقف النار، ولا أن يكتفي بإلقاء التوجيهات السياسية وكأنّها قرارات رسمية للدولة.

كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:

في كلمته بمناسبة يوم الشهيد، قدّم الشيخ نعيم قاسم نموذجًا صارخًا عن منطق الوصاية الذي يُحاول حزب الله التمسّك به في مشهدٍ متناقضٍ ومنفصلٍ عن الواقع. فحين يتحدث عن “فتح الطريق أمام الحكومة لتتولّى مهمة الدفاع عن الوطن”، فإنّه يتحدث من موقع مَن يحتكر القرار ويمنح الإذن، لا من موقع شريكٍ في دولة. كلامه أشبه ببيان سلطة أمر واقع تُملي شروطها على المؤسّسات، وتتعامل مع الجيش اللبناني كقوة رديفة لا سيّدة، وكأنّ الدولة اللبنانية مجرّد ديكور أمام قدرة الحزب على التحكّم بكل شيء.

ما قاله قاسم عن أنّ الجيش “أهلنا وأبناؤنا” ليس سوى غطاء لغوي للهيمنة. فمَن يمنع الجيش من الانتشار الكامل؟ ومَن يمنعه من سحب السلاح؟ ومَن يقرر متى تُفتح الجبهة ومتى تُغلق؟ ومَن يحتكر الصواريخ والقرار السياسي والعسكري؟ الجواب واضح: الحزب الذي يتصرّف ككيان فوق الدولة، يفرض أجندته على اللبنانيين ويختزل الجميع في مشروعٍ عقائديّ يتبع مرجعيةً خارجيةً. ما يُظهر هذا العبث حديثه عن اتفاق وقف إطلاق النار: فهو يتفاخر بأنّ المقاومة انتصرت به، في حين تؤكّد مقدّمة الاتفاق نفسه أنّ كل السلاح في لبنان يجب أن يكون تحت سلطة الدولة. أي تناقض أكثر وضوحًا من أن يصف نفسه وصيًّا على الدولة وهو يعترف ضمنيًّا بأنّ القوانين والاتفاقيات تفرض سلطتها على هذا السلاح؟

المُثير في الخطاب أنّه يُحاول كعادته قلب الحقائق. فهو يحمّل إسرائيل مسؤولية خرق السيادة، فكيف يمكن أن نتحدّث عن “دفاع عن لبنان” في ظلّ سلاح غير شرعي، وحدود مفتوحة للقتال خارج الأرض اللبنانية، واقتصاد يُدار وفق منطق المحاور؟ وكيف دافع السلاح عن لبنان؟
إنّ المقاومة التي يُفاخر بها قاسم، هي سلطة موازية تجرّ البلاد إلى عزلةٍ وتدمّر مفهوم الدولة.

ولعلّ أكثر ما يُثير الاستهجان في خطابه هو مزاعم انتصارات حزب الله. فمَن يطرح نفسه وصيًّا على الدولة لا يُفترض أن يكون مهزومًا أمام اتفاقيّات وقف النار، ولا أن يكتفي بإلقاء التوجيهات السياسية وكأنّها قرارات رسمية للدولة. مَن يعطي التعليمات لسياسة لبنان ليس في موقعٍ يؤهّله كي يقرر مستقبل البلاد، بل يعكس حالةً مستمرّةً من الانقلاب على فكرة الدولة. لبنان لا يحتاج إلى وصايا، بل إلى مؤسّساتٍ قادرةٍ على ممارسة دورها بحرّية من دون أن تأتي جهة خارجية أو حزب مسلح ليفرض على الحكومة ما يجب أن تفعله.

كلام قاسم عن السيادة والمقاومة، عندما يُقرأ في سياق اتفاق وقف إطلاق النار، يُظهر تناقضًا صارخًا: الحزب نفسه يقرّ ضمنيًا بأنّ سلاحه خارج الدولة، وبأنّ أي حديث عن حماية لبنان هو مجرّد شعارات تُستعمل لإخفاء الواقع الحقيقي، وهو أنّ الدولة عاجزة لأنّ من يدّعي حمايتها هو نفسه سبب الإضعاف والفوضى.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us