“الحزب” في جوف “الميكانيزم”


خاص 13 تشرين الثانى, 2025

 

عندما استعادت لجنة “الميكانيزم” نشاطها، بعد أشهر من الجمود، ظنّ لبنان و”الحزب” أنّ الأمر سيكون أفضل، لأنّ اللجنة ستتكفل بإيجاد المخارج لتهديدات إسرائيل. لكن ما حصل جاء معاكساً تماماً. فاللجنة باتت ورقة قوة في يد إسرائيل، وشاهداً على إرباك الجانب اللبناني، ولاحقاً سيكتشف “الحزب” أنّ “الميكانيزم” الذي يقوده الأميركيون، قد ابتلعه فعلاً وهو يقوم بـ”هضمه

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

صُدِم وفد الخزانة والأمن القومي الأميركيين بنوعية الأجوبة التي حصل عليها من المسؤولين اللبنانيين. فهي تتأرجح بين الـ”لا نعلم”، و”أعطونا الوقت لنحاول” و”سنجرب”. لكن الوفد لم يسمع إطلاقاً أي تعهد مبني على برنامج زمني واضح ومحدد، لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، والرامية خصوصاً إلى قطع التمويل عن “حزب الله”. ولذلك، غادر الوفد خائباً. وتبين للأميركيين، من خلاله، كما من خلال مورغان أورتاغوس وتوم باراك وليندسي غراهام وسواهم، أنّ مطلب خروج الدولة اللبنانية ومؤسساتها من عباءة نفوذ “الحزب” لن يتحقّق بسهولة. وعندما يصل السفير الجديد ميشال عيسى، بعد أيام، سيتأكد من ذلك هو أيضاً.

بات الأميركيون اليوم يفهمون أكثر لماذا فشلت محاولات التغيير كلها في لبنان، وأبرزها انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، ولماذا فشلت انتخابات 2022 في إحداث الانقلاب بالسياسة. فصحيح أنّ المجلس النيابي الذي نتج عنها كان أكثر توازناً عددياً، خارج نفوذ “الحزب”، لكنه لم يستطع تحقيق أي تغيير في النهج لأنّ “الحزب” كان يمسك بورقة القوة الأساسية أي السلاح.

وهذا يستدعي اليوم طرح السؤال: لو لم يتلقَّ “الحزب” ضربات عسكرية هائلة أضعفته في الصيف الفائت، وأجبرته على التزام اتفاق ينصّ على نزع سلاحه بالكامل، هل كان أحد في لبنان يجرؤ اليوم على المطالبة بنزع سلاحه؟ وتقول الحكومة إنها تطلب نزع السلاح لا استناداً إلى طلب إسرائيل، بل إلى منطوق اتفاق الطائف والقرارات الدولية. ولكن، منعاً للأوهام، هل تجرّأ أحد في لبنان على المطالبة بتنفيذ الطائف أو قرارات مجلس الأمن طوال عشرات السنين، قبل أن يتلقى “الحزب” هذه الضربات من إسرائيل؟ فالجميع يعرف في لبنان أنّ “الحزب” لا يتسامح مع أيٍّ كان يريد إضعاف نفوذه أو يقترب من سلاحه. وفي الغالب، يردّ عليه بنموذج 7 أيار أو بالضربة القاضية.

يريد الأميركيون من لبنان الرسمي أن يعترف بـ”فضل” إسرائيل في إضعاف “الحزب” وإجباره على قبول اتفاق وقف النار، وبند التخلي عن سلاحه. وهم ينزعجون من أنّ الحكومة تفضل أن تغمض عينيها وتسكت عن الكلام عندما يصل الأمر إلى هذا “الاعتراف”.

ولكن، من الواضح أنّ الأميركيين سيرفعون مستوى الضغط. هم يقولون: لا يمكن للدولة اللبنانية أن تدفن رأسها في الرمال في الاستحقاقات المقبلة، وستضطر إلى حسم موقفها لتنجو أو تخرج بالحد الأدنى من الخسائر. وفي الواقع، لا يستطيع لبنان أن يتحمّل نهجاً متشدداً من العقوبات الأميركية والأوروبية والعربية، بالعزلة المالية والاقتصادية والسياسية. وفي الموازاة، هو عاجز تماماً عن مواجهة إسرائيل عسكرياً، فيما تقترب هذه المواجهة من انفجار جديد.

عندما استعادت لجنة “الميكانيزم” نشاطها، بعد أشهر من الجمود، ظنّ لبنان و”حزب الله” أنّ الأمر سيكون أفضل، لأنّ اللجنة ستتكفل بإيجاد المخارج لتهديدات إسرائيل. لكن ما حصل جاء معاكساً تماماً. فاللجنة باتت ورقة قوة في يد إسرائيل، وشاهداً على إرباك الجانب اللبناني. فالآلية التي درجت اللجنة على اتباعها هي الآتية: تتقدم إسرائيل بشكوى إلى اللجنة مفادها أنّ حزب الله يحتفظ بمخازن أو مواقع أو أنفاق في مناطق معينة. فتقوم اللجنة بإبلاغ الجيش اللبناني بالمعلومات وتطلب منه إزالة المخالفة. فإذا لم يرغب في تنفيذ المهمة، تقوم إسرائيل بنفسها بضرب الأهداف وإزالتها. وحتى اليوم، تكرر هذا السيناريو مئات المرات، من دون اعتراضات تُذكر من أي جانب. لكن المرحلة المقبلة بدأت تحمل تحديات أكبر.

يطلب الإسرائيليون من الجيش اللبناني، وبإلحاح، أن يبدأ حملات مداهمة لمنازل في الجنوب، على خلفية احتوائها على مخزونات أسلحة لـ”الحزب”. وقد رفض الجيش صراحة إقحام نفسه في مهمة شائكة من هذا النوع، خصوصاً أنّ السلطة السياسية لا تحدد خياراتها بوضوح. وسيقود هذا الإرباك طبعاً إلى أن تتولى إسرائيل تسديد الضربات المتتالية والموجعة لمنازل عناصر الحزب وعائلاتهم.

ربما لا يتنبّه المعنيون إلى مغزى ما سيحدث: سيبدو الأمر وكأنّ الجيش يفضّل أن تقوم إسرائيل بتنفيذ عملياتها وتوفر عليه عناء المغامرة. والأنكى أنّ “حزب الله” نفسه سيبدو وكأنه يفضّل تلقي الضربات الإسرائيلية وقبول أن تدمَّر منازل عناصره بما فيها ومن فيها، على أن يدخلها الجيش ويصادر مخزونات السلاح.

سيكتشف “الحزب” أنّ “الميكانيزم” الذي يقوده الأميركيون، قد ابتلعه فعلاً وهو يقوم بـ”هضمه”. وفي مراحل لاحقة، سينفتح الباب واسعاً لإسرائيل، كي تتولى بالنار صياغة السيناريو مع لبنان، وفقاً لرؤيتها ومصالحها. وسيكون الأميركيون جاهزين، بكامل “عدّة الإقناع” التي في حوزتهم أو يمونون عليها، ليساعدوا إسرائيل على “هضم” “حزب الله” ودفع لبنان إلى الخيارات الإقليمية الجديدة، وأبرزها المسار المثير الذي بدأت تسلكه غزة، والتفاهمات السوريالية داخل شبكة سوريا- تركيا- الخليج العربي- إسرائيل حول الأدوار والمواقع وموازين القوى، وبمشاركة مذهلة من الكاوبوي الأميركي.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us