تحرّك سعودي لافت نحو لبنان… محاولات إعادة بناء الثقة وسط التوترات الحدوديّة

في خضمّ المشهد اللبناني المعقّد والضاغط بتداعيات التصعيد الحدودي والانسداد السياسي، تبرز تطوّرات دبلوماسية لافتة تعيد رسم ملامح الاهتمام الإقليمي بلبنان، ولا سيّما من الجانب السعودي. إذ تشهد العلاقات اللبنانية–السعودية حراكاً نوعيّاً يوحي بإمكانية إعادة وصل ما انقطع، بما يحمله ذلك من دلالات سياسية وأمنية واقتصادية.
وفي وقتٍ تتحرّك فيه القوى الدولية والعربية ضمن مقاربات متفاوتة لاحتواء التوتر، تأتي الرسائل السعودية الأخيرة لتفتح باباً جديداً أمام مسار محتمل من الانفتاح، مشروط بالإصلاحات وبضمانات أمنية واضحة.
حضور سعودي
وفي السياق، وفي تطوّر ينطوي على أكثر من دلالة سياسية وأمنية، برز قرار السعودية بإعادة الحياة وبزخم لافت لحضورها في لبنان، فنقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول سعودي رفيع المستوى، قوله “إنّ المملكة تعتزم تعزيز العلاقات التجارية مع لبنان في أقرب وقت، وذلك بعدما أثبتت السلطات اللبنانية كفاءة في الحدّ من تهريب المخدّرات إلى المملكة خلال الأشهر الماضية”، لافتاً إلى زيارة وفد سعودي إلى لبنان قريباً، بهدف مناقشة إزالة العوائق التي تعطّل الصادرات إلى المملكة.
كما أشار المسؤول السعودي إلى أنّ جهود الحكومة اللبنانية لمنع استخدام لبنان كمنصة لتهديد أمن الدول العربية، ستؤدّي إلى تقدّم في العلاقات. وأضاف أنّ المملكة “تُقدِّر مبادرات الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء”.
ونوّه الرئيس جوزاف عون بالموقف السعودي لتعزيز العلاقات التجارية مع لبنان، قائلاً: “نحن بانتظار السعودية، وحماية لبنان تأتي من محيطه العربي”. كذلك، رحّب بالحضور رئيس الحكومة نواف سلام، فيما أكّد وزير الداخلية أحمد الحجار “أنّ لبنان يُرحِّب دائماً بالأشقاء السعوديِّين، والخطوة السعودية المرتقبة رسالة إيجابية إلى كل العالم، وبداية الطريق أمام مرحلة جديدة من ازدهار لبنان واستقراره”. وأضاف: “نمتلك الإرادة الصلبة لتعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية وتطويرها، فلبنان كان وسيبقى في عمق الحضن العربي متمسكاً بروابطه الأخوية مع الدول الشقيقة، وعلى رأسها المملكة”.
وبرزت في هذا السياق، زيارة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري إلى دار نقابة محرّري الصحافة اللبنانية، فأكّد “أنّ لبنان هو بلد رسالة، وليس قليلاً أن تكون أول زيارة للبابا لاوون للخارج له. لبنان مقبل على خير كبير. ولستُ أرى تشاؤماً”.
ورداً على سؤال أكّد “أنّ المملكة العربية السعودية تقف إلى جانب لبنان، وجميع اللبنانيِّين، ومنفتحة على مكوّناته كافة، ويهمّها استقراره وازدهاره. وهي تدعمه وستشهد الأيام المقبلة – إن شاءالله – نتائج هذا الدعم”.
كذلك، أشار السفير البخاري إلى ثوابت السياسة السعودية، مؤكّداً أنّ بلاده هي مع حل الدولتَين وتُسخّر كل إمكاناتها للوصول إليه.
وفي سياق تعزيز العلاقات الثنائية بين لبنان والسعودية، علمت “نداء الوطن” أنّ العمل جارٍ لإعادة إحياء اتفاقات تمهيدًا لدخولها حيّز التنفيذ، وهي اتفاقيات وُقعت عام 2019 وتشمل تعاونًا سعوديًا واسعًا مع مختلف القطاعات دعمًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في لبنان.
وحسب مصادر المعلومات لـ”اللواء” فإنّ الوفد الفني – السياسي السعودي سيتابع خطوات القوى الامنية في اطار مكافحة التهريب باتجاه المملكة العربية السعودية، ورفع الحظر المفروض على الصادرات اللبنانية الى المملكة.
وأكدت المصادر الخليجية أنه لا توجد أي تغييرات جوهرية في الموقف السعودي تجاه لبنان في المدى القريب، حيث أنّ الرياض لن تقدم أي تنازلات أو تسهيلات إضافية قبل أن يتم تنفيذ الإصلاحات الضرورية في لبنان، وعلى رأسها حصرية السلاح بيد الدولة. كما تشير المصادر إلى أنّ السعودية تضع شروطاً واضحة، ومنها محاربة التهريب بشكل جذري، لضمان استقرار العلاقات التجارية والسياسية بين البلدين.
حراكات خارجية تراوح ولا ترقى إلى محاولات جدية
وعلى المقلب الآخر، أكد مصدر سياسي رفيع مطلع على أجواء الحراكات الخارجية أنه رغم كثرة الحراكات في اتجاه لبنان في الآونة الأخيرة، إلّا أنّها تراوح ولا ترقى إلى محاولات جدّية فعلية في الفترة الحالية لبلورة حلول أو تفاهمات تفضي إلى إنهاء القصف الإسرائيلي وتُخرج لبنان من مدار الاحتمالات الحربية.
وقال المصدر لصحيفة “الجمهورية” إنّ “ما يطرحه الموفدون الغربيّون أمر مكرّر، وأكاد أقول إنّه مستنسخ بينهم جميعاً بأنّ على الأطراف وقف التصعيد، والإلتزام باتفاق 27 تشرين الثاني، ويُحمّلون إسرائيل مسؤولية خرق هذا الإتفاق والإستمرار في عملياتها العدوانية ضدّ لبنان، إلّا أنّ أياً منهم لا يأتي بإشارة جدّية توحي بقدرة دولهم على إلزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار ووقف خروقاتها، إذ في رأيهم أنّ هذا الأمر متروك للأميركيِّين، ولجنة “الميكانيزم” التي يرأسونها”.




