جدار إسرائيل يُدان… لكن الإنكار اللبناني للسلام أخطر!


خاص 17 تشرين الثانى, 2025

قُبَيْلَ زيارة البابا، يجب أن يتحوّل النقاش من الاعتراض على جدارٍ تبنيه إسرائيل، إلى إزالة الجدران التي بنيناها نحن حول أنفسنا. فالمستقبل الذي نرجوه لا يُبنى بإدامة الأذرع الإيرانية ولا بالمظلومية الشيعية المستدامة، بل بالعدل، وبالسلام، وبقرارٍ وطنيّ جامعٍ يُعيد لبنان إلى ذاته، وإلى العالم.

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

ينشغل اللبنانيون بزيارات الوفود الدولية والبعثات الدبلوماسية ويترقّبون الجدار الإسمنتي الذي تبنيه إسرائيل على حدودهم الجنوبية. جدارٌ يتجاوز “الخط الأزرق” ويقتطع آلاف الأمتار من الأراضي اللبنانية، فيتحوّل إلى مادةٍ جديدةٍ للاعتراض الدبلوماسي. لكنّ السؤال الحقيقي الذي يغيب عن النقاش: هل تكفي الشكوى إلى مجلس الأمن فيما الذرائع التي تسمح لإسرائيل ببناء الجدران تتكاثر من داخل لبنان نفسه؟

اعتاد لبنان تعليق مشكلاته على شمّاعة الخارج؛ يُهمل دائمًا أنّ ما يهدّده يبدأ من خللٍ داخليّ صارخٍ، يتقدّمه راهنًا سلاح “حزب الله” الإيراني، ودوره الذي فرض على لبنان عزلة عربية ودولية، وتسبّب بحروب مدمرة. ومع كلّ أزمة جديدة، تخرج المظلومية الشيعية كأداةٍ سياسيةٍ جاهزةٍ، تستدعي الاحتضان الوطني لتُبَرِّرَ توسّعها داخل الدولة وقضم ما تبقّى من مؤسساتها. غير أنّ المظلومية التي تُستَحضَر اليوم، بعد الكارثة التي لحقت بالحزب نتيجة الحرب الأخيرة، ومحورها دولة الرئيس نبيه بري، لم تعد تقنع أحدًا، لأنّ “الوُشاة” وفق تعبيرهم، يُطالبون بقيام دولة ووضع حدّ للدويلة. ولا يجوز أن يُستخدم أي ضغط داخلي أو خارجي غطاءً للانقلاب على مشروع قيام الدولة وابتلاع المساعي الهادفة إلى إرساء نهج جديد يخوّل اللبنانيين رسم مستقبلهم بسلام.

في موازاة الجدار الذي ترفعه إسرائيل على الحدود، يرفع الداخل جدارًا أخطر: جدار الإنكار. سياسيون – أو ما تبقّى من أذرع المقاومة الإيرانية – يروّجون لأوهام الصمود والانتصار، وقيادات لبنانية تتجاهل أنّ سلاح الحزب نفسه، فقد وظيفته ويتذرّع به “حزب الله” نفسه، لاستجداء تسويةٍ تُعزّز موقعه داخل السلطة مقابل ضمان أمن المستوطنات الإسرائيلية. في حين أنّ لبنان المُتعب من الحروب لا يحتاج إلى جدارٍ إضافيّ من الأوهام، بل إلى شجاعة مواجهة الحقيقة: لا سلام ولا ازدهار ولا احتضان ودعم عربي من دون نزع سلاح الحزب الإيراني وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها.

وبينما تتسابق القوى السياسية على رفد حواصلها الانتخابية بتحالفاتٍ هجينةٍ وظرفيّةٍ، يتحرّك العالم بسرعة مختلفة. الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على مشارف الدفع بعجلةِ سلامٍ جديدٍ للشرق الأوسط، سيسعى ولي العهد إلى أن يرتكز على اعترافٍ دوليّ بقيام دولة فلسطينية قبل التوقّف عند التفاهمات الأمنية والاقتصادية الواعدة التي سيتمّ التباحث بها على طاولة البيت الأبيض. ولن يغيب عنها بطبيعة الحال، تحرُّك “قطار السلام” بسرعة قياسية… في حين أنّ لبنان وللأسف غائب عن أيٍّ من مقطوراته ويُهلّل فقط لاحتمال إعادة فتح أسواق الخليج أمام منتوجاته.

بيدَ أنّ المطلوب قبل ذلك، تذليل ورفع الأسباب التي أدّت إلى إقفال تلك الأبواب والتي تبدأ بضبط الحدود، ووقف التهريب، ووضع حدّ للاقتصاد الموازي، وتجفيف مصادر الأموال السوداء التي تُستخدم لإحكام قبضة الحزب على الدولة ولا تنتهي قبل التخلّص من معامل المخدرات ومُسهّلي الاتجار بها وتصديرها.

في هذا الوقت المفصلي، تلوح أمام لبنان فرصة مختلفة، روحانية بقدر ما هي سياسية: استقبال البابا لاوون الرابع عشر. زيارة البابا ليست بروتوكولًا دينيًا، بل مناسبة لوضع لبنان أمام مسؤولياته. منذ أكثر من عقدٍ، ذكّر مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة بأنّ أرضنا “مباركة لأنّها مهد الوحي”، وأنّ هنا “جرى تاريخ الخلاص”. هذه ليست عباراتٍ شعريةً؛ بعد أن تبنّاها الحبر الأعظم البابا بنديكتوس السادس عشر ولاقاهم بالتأكيد على أنّها دعوة صريحة إلى ربط السلام بالأرض، بالحج، بالحقّ الطبيعي لكلّ مؤمن أن يزور كنيسة القيامة في أورشليم والمسجد الأقصى وكافة الأماكن المقدّسة.

إنّ الدعوة إلى السلام ليست خيانةً، بل تحرّر من الخوف ومن احتكار “حزب الله” للقرار السياسي ومستقبل اللبنانيين. لا بُدّ من المطالبة، بصوتٍ واضحٍ، برفع كلّ الحواجز السياسية والأمنية التي تمنع اللبنانيين من الوصول إلى الأراضي المقدّسة. هذه ليست خطوةً سياسيةً فقط، بل فعل إيمان بقدرة لبنان الرسالة على استعادة دوره التاريخي: جسر بين الشعوب والأديان، لا ساحة حروب الآخرين.

قُبَيْلَ زيارة البابا، يجب أن يتحوّل النقاش من الاعتراض على جدارٍ تبنيه إسرائيل، إلى إزالة الجدران التي بنيناها نحن حول أنفسنا. فالمستقبل الذي نرجوه لا يُبنى بإدامة الأذرع الإيرانية ولا بالمظلومية الشيعية المستدامة، بل بالعدل، وبالسلام، وبقرارٍ وطنيّ جامعٍ يُعيد لبنان إلى ذاته، وإلى العالم. هذا هو التحدّي… وهذه هي الفرصة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us