نزع السلاح: لوضع حدّ لابتزاز الميليشيات!

كتب Michel Touma لـ“Ici Beyrouth”:
في لحظة حاسمة ووجوديّة من تاريخ لبنان، لا مجال للتردّد ولا للوسطيّة ولا لأنصاف المواقف أو للتسويات… حين يُعلَّق مصير وطن على أهواء قوى متنافرة، تتبع أطماعًا إقليميةً هائلةً، يُصبح الخيار الصائب ضرورة حتمية: الاصطفاف بشجاعة، من دون خوف ومن دون أدنى تردّد.
السلطة الحالية، التي حملت في بدايات عهدها موجات أمل للبنانيين، تقف اليوم بمواجهة تهديدات علنية وضغوط وعمليات ترهيب ذات طابع مافيوي، وصولًا إلى الابتزاز بالفتنة. ومقابل هذا الخطاب التصعيدي، لا بدّ أن تفرض الحكومة خياراتها الوطنية بحزمٍ. ذلك أنّ الدولة تضع نفسها تلقائيًا في موقع الضعف، وتخسر معركتها بمجرّد أن تشرع بـ”التفاوض” على سلطتها مع قوى تعمل خارج مؤسّساتها.
ليست الدولة مضطرةً لاستجداء الاعتراف بهيبتها، بل يجدر بها فرضها. وحدها المُخوّلة تحديد الاتجاه الوطني العام، وعلى القوى الداخلية التكيّف مع هذا المسار، وليس العكس. وقد يقول قائل إنّ الوضع الحالي في لبنان معقّد لأن حزب الله مرتبط إيديولوجيًّا وسياسيًّا بالقيادة الإيرانية (المرشد الأعلى والحرس الثوري)، وهذا واقع لا يمكن إنكاره. لكنّ هذا لا يُغيّر المبدأ الأساسي: من واجب الدولة اللبنانية فرض مصلحة الدولة أو العقل السياسي للدولة على الجميع، بما في ذلك حزب الله وإيران. وليس على الدولة أن تَتكيَّف مع مصالح تلك الأطراف. وهنا تحديدًا، يتعيّن على السلطة المركزية أن تُظهر صلابةً وثباتًا في خياراتها.
ولا تقتصر المسألة على صراع نفوذٍ أو سلطاتٍ فحسب، بل تتعلّق بهوية لبنان وشكله الاجتماعي والسياسي. والتحدّي اليوم يتجاوز حدود لبنان، ليأخذ بُعْدًا إقليميًا يرتبط بمستقبل بلدان المشرق والشرق الأوسط عمومًا، وهو تحدٍّ ذو أبعاد اقتصادية كبرى، يمكن أن يؤثر في مساحة واسعة تمتدّ حتى أوروبا.
هذه الاعتبارات الاقتصادية تفرض قيام استقرار دائم وسلام طويل الأمد، لأنّ أي نهضة اقتصادية أو تعاون تجاري عابر للحدود يبقى منوطًا ببيئة آمنة وبنى تحتية متطوّرة. وهنا تكمن خصوصيّة الوضع اللبناني. فلا يمكن لأي مشروع سلام إقليمي، وضمنًا الطروحات التي روّج لها الرئيس دونالد ترامب سابقًا، أن يتوافق مع وجود ميليشيا مسلّحة تُبقي لبنان والمنطقة في حالة استنفار دائم وعداء مستمر.
ولكن، بغضّ النظر عن هذه الحسابات الاقتصادية الكبرى، تبقى مصلحة المواطنين على رأس كلّ الاعتبارات. فاللبنانيون يعيشون منذ أكثر من نصف قرن تداعيات نزاعات بلا نهاية. ويحق لهم الاستفادة من الفرص التي تلوح في الأفق. وفي هذا السياق، حان الوقت لأن تُظهر الدولة الحزم وتفرض سلطتها بلا مُجاملة، وبذلك تطوي صفحة الحروب المدمّرة بكل أبعادها. لقد آن الأوان لتُبرهن السلطة عن رغبتها الحقيقية بقطع الطريق أمام نزوات الميليشيا التي أغرقت البلاد في السنوات الأخيرة في أزمة وجودية وسياسية واقتصادية ومالية واجتماعية غير مسبوقة… تلك الميليشيا المبتزّة التي تتحمّل وحدها المسؤولية الكاملة!.
مواضيع ذات صلة :
الثقة الدولية على المحك… معالجة السلاح قبل نهاية العام أو تداعيات خطيرة | نعيم قاسم يبرّر السلاح ويهاجم الدولة… وانتقادات لخطاب يُعمّق عزلة “الحزب” | من يحرّر لبنان من قبضة “السلاح”؟! |




