وزيرة الشؤون الاجتماعية تؤجل مشروع الإعفاءات الضريبية… والطبقة المتوسطة تدفع الثمن

بدا مشروع القانون الرامي إلى توحيد الإعفاءات للمستفيدين من القروض الإسكانية الممنوحة من كافة الجهات من بعض الضرائب والرسوم وكأنه محاولة لإنقاذ آلاف العائلات من براثن الضرائب والديون، ولكن تأجيله بناءً على طلب الوزيرة أوقف المشروع مؤقتاً رغم أهميته الكبرى للعائلات المتوسطة الحال التي كانت تنتظر تخفيف الأعباء الاقتصادية
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
في بلد ينهار فيه كل شيء حول المواطن، حيث يثقل الانهيار الاقتصادي كاهله ويجعل من أبسط مقوّمات الحياة أعباءً ثقيلة، يصبح السكن آخر ما تبقّى من كرامة يمكن للإنسان أن يتمسك بها. البيت ليس مجرد جدران وأرضية، بل مأوى للأحلام الصغيرة، للفرد وللعائلة، لحياة تحاول أن تصمد أمام ضغوط الواقع، لكنه اليوم يتحوّل إلى مصدر قلق إضافي. في هذا المناخ، بدا مشروع القانون الرامي إلى توحيد الإعفاءات للمستفيدين من القروض الإسكانية الممنوحة من كافة الجهات من بعض الضرائب والرسوم وكأنه محاولة لإنقاذ آلاف العائلات من براثن الضرائب والديون، خطوة صغيرة لكنها حيوية في زمن اختنق فيه اللبنانيون.
الأسباب الموجبة لهذا المشروع واضحة، فالعائلات ذات الدخل المتوسط والمحدود لم تعد قادرة على تحمل الضريبة على أملاكها المبنية أو الرسوم المترتبة على القروض. المؤسسات العامة للإسكان، ومصرف الإسكان، والجهات المانحة الأخرى، كلها تدرك أن هذه الفئة عاجزة عن دفع ما يفوق طاقتها، وأن الإعفاءات ليست ترفًا، بل ضرورة اجتماعية ملحّة .
لكن اللحظة المنتظرة لم تأتِ. بدل أن يعرض المشروع على جدول جلسة الوزراء، طلبت وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد تأجيل عرضه للتعمق بدراسته لما له من تأثيرات محتملة على الطبقة المتوسطة، وبحسب تسريبات نقلها بعض الوزراء، فإن وزير المالية ياسين جابر لم يبد أي اعتراض على طلبها، رغم أنه لا توجد موانع مالية أو قانونية لإدراج هذا المشروع. جاء التأجيل بناءً على طلب الوزيرة، ما أوقف المشروع مؤقتاً رغم أهميته الكبرى للعائلات المتوسطة التي كانت تنتظر تخفيف الأعباء الاقتصادية.
لكن التساؤل يفرض نفسه بقوة: كيف يمكن لمشروع يهدف بالأساس إلى تخفيف الأعباء عن الطبقة المتوسطة أن يعتبر ذا “تأثيرات سلبية” تستدعي التأجيل؟ هل يعقل أن يصبح أي إجراء يخفف عن المواطن عبئاً مزعجاً في أعين السلطة؟ قرار الوزيرة يبدو، في هذا السياق، بمثابة حجر عثرة أمام محاولة جدية لإنقاذ العائلات، وكأن دراسة أثر المشروع تتحول إلى ذريعة لإبطاء تنفيذ حقهم في حياة كريمة. الانتظار الطويل، وتلك الحيرة التي تُترك العائلات فيها، ليست مجرد مسألة بروتوكولية أو احترازية، بل انعكاس لبطء غير مبرر يثقل كاهل من هم في أمسّ الحاجة لأي دعم، ويضع المسؤولية كاملة على من يمتلك القدرة على التحرك لكنه يختار التردد.
هذا التأجيل، رغم أنه لا يوازي العرقلة الكاملة، يعكس بوضوح تدخلاً سياسياً عطّل مسار مشروع كان يمكن أن يخفف عن آلاف المواطنين جزءًا من الأعباء اليومية، ويثبت مرة أخرى أن القرارات التي تؤثر في حياة الناس كثيراً، يمكن أن توقف في أروقة السلطة بعيداً عن أي شفافية. العائلات التي تتأثر مباشرة بهذا القرار لا تعرف متى، أو إن كان، سيتم عرض المشروع مرة أخرى، فيما يستمر العبء الضريبي والاقتصادي عليهم بلا تغيير.
إن مشروع الإعفاءات الضريبية ليس ترفاً أو خطوة دعائية، بل ضرورة اجتماعية وإنسانية. وكل يوم يتأخر فيه يصبح عبئاًأكبر، ويتضاعف الألم، ويزداد الشرخ بين المواطن ودولته. وقرار التأجيل يضع الوزيرة في موقع المسؤولية عن استمرار هذه المعاناة، لأن وضع الناس في الانتظار ولو ليوم واحد يعادل تعطيل حياتهم نفسها. لبنان لا يحتاج إلى مزيد من التأجيلات، بل يحتاج إلى من يفهم أن السكن حقٌ وضرورة، وأن كل تأخير يحمل ثمناً باهظاً على من لا يستطيع دفعه.




