لبنان إلى أين؟!


خاص 20 تشرين الثانى, 2025

لبنان حاول تحريك المشهد السياسي وتفعيل آلية التفاوض عبر توسعة لجنة “الميكانيزم” بضمّ خبراء مدنيين قانونيين ومفاوضين، لكن أميركا وإسرائيل تجاهلتا التوجّه اللبناني الذي بقي بلا ردود أو حتّى بلا إيحاءات. وبدا واضحًا أنّ التجاهل الأميركي – الإسرائيلي وحتّى العربي للمبادرة اللبنانية يهدفُ أساسًا إلى إبعاد فرنسا المُعتبرة حليفة إيران.

كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:

تدحرجت هزائم إيران في دول الهلال الأخضر (سوريا-لبنان-العراق) ككرة الثلج فخسرت سوريا، حليفتها العربية الأقدم، عندما هرب رئيسها بشار الأسد إلى روسيا في 7-8 كانون الأول العام 2024 تاركًا بلاده لثورةٍ قادها أحمد الشرع المدعوم (أميركيًا-تركيًا-عربيًا ما أفقد نظام الولي الفقيه حضورَه في دول حوض البحر الأبيض المتوسط.

ومنذ سنة وشهرَيْن، اغتال سلاح الجو الإسرائيلي كبير قادة أذرع إيران في الشرق العربي-أمين عام حزب الله حسن نصر الله في غارةٍ استهدفت مقرّه السرّي المُحصّن في ضاحية بيروت الجنوبية في 27 أيلول عام 2024، تلاه بعد أقلّ من أسبوع، وتحديدًا في الثالث من تشرين الأول، اغتيال هاشم صفي الدين الذي أدار الحزب بعد نصر الله.

الصفعة الإسرائيلية الأقوى استهدفت إيران على أرضها وتمثّلت بـ 11 يومًا من الغارات الجويّة الكثيفة على منشآتها النووية انتهت في 24 حزيران الماضي. فهل ردّت إيران؟!

إيران لم تردّ بالمثل على الهزائم الثلاث، بل وجَّهت رسالةً عبر فعّالية “صخرة الروشة” بأنّها ما زالت مسيطرةً على لبنان ما أَوْحَى، محليًّا، بعدم انسجام توجّهات الرؤساء الثلاثة حيال مسألة نزع سلاح حزب الله. كما أوحى للخارج، ولا سيما لأميركا وحلفائها، بعجز لبنان، أو عدم رغبته، بتنفيذ آلية نزع سلاح الميليشيات وفق ما ينص عليه اتفاق وقف العمليات العدائية، إضافةً إلى سعي المنظومة الحاكمة، أو مِحور من ضمنها، إلى إيجاد تسويةٍ تحفظ ماء وجه حزب الله وتُتيح إيجاد صيغةٍ بديلةٍ عن “حصريّة السلاح بيد الدولة” لتُقاربَ صيغة “استيداع السلاح لدى الدولة” ما يمكنُ أن يُفَسَّرَ على أنّه محاولة لإبقاء السلاح ملكًا للحزب، وهو ما يرفضه بشدة المحور الأميركي-الأوروبي-العربي، ما عدا فرنسا.

ويكشفُ دبلوماسيّ من إحدى دول اللجنة الخماسية المعنيّة بالشأن اللبناني (أميركا، فرنسا، السعودية، قطر، مصر) عن “امتعاض غالبية أعضاء اللجنة من عدم التزام الجانب اللبناني بما يحتاجه الوضع لضبط الحركة بالاتجاهَيْن عبر الحدود مع سوريا، لا سيما أنّ الجانب السوري يُرحّب بالتشدد اللبناني في التصدّي للتسلّل من لبنان إلى أراضيه وأيضًا من أراضيه إلى لبنان، لأنّ غالبية المتسللين هم من فلول التحالف السابق بين نظام الأسد وإيران وسيكونون ضد سوريا الجديدة أينما وُجدوا”.

وأوضح الدبلوماسي أنّه، على الرغم من تمويل بريطانيا منذ العام 2014 إقامة 39 برجًا للمراقبة على الحدود مع سوريا البالغ طولها 375 كيلومترًا، تبقى مسالك التهريب والتسلّل في الاتجاهين “سائبةً من الجانب اللبناني لأسبابٍ متعلقةٍ بالفساد والولاءات السياسية”.

وأضاف أنّ قوات سوريا الجديدة “ضبطت العديد من شحنات الأسلحة المُعدّة للتهريب إلى لبنان وأوقفت العديد من المهربين كونهم جميعهم من فلول الحقبة البائدة وحيثما وُجدوا سيكونون ضدّها، كما يمكن للوضع أن يرتاح أكثر إذا تشدّد لبنان في ضرب التسلّل من جهته، مستخدمًا طائرات السيسنا والسوبر توكانو التي حصل عليها بتمويل أميركي خصّيصًا لضرب المتسللين أكانوا مهربين أم إرهابيين”.

وكان الجيش اللبناني قد فقدَ قبل يومَيْن الشهيدين المعاون الأول بلال البرادعي والعريف علي حيدر في مداهمة مطلوبٍ من عشيرة جعفر في حي الشراونة بمدينة بعلبك، أصيبا لدى محاولة اقتحامهما منزلًا شاغرًا كان قد فخّخه المطلوب، وفق مصادر إعلامية.

وقال الدبلوماسي إنّ طائرة سيسنا استُخدمت في المداهمة لتغطية القوة البرية، “فيما كان يُفضَّل لو قصفت ودمّرت البيت المشبوه بدلًا من سقوط شهيدين أثناء محاولة اقتحامه”.

وصار لبنان أسير صراعٍ بين أميركا وإيران. انتقدت أميركا قائد الجيش العماد رودولف هيكل لتحميله إسرائيل مسؤولية تعثّر تنفيذ خطة الجيش في الجنوب من دون أن يتوجّه باللوم لحزب الله أيضًا فألغت اجتماعاتٍ كان من المقرّر أن يعقدها في واشنطن ما ألزم السفارة اللبنانية بإلغاء استقبالٍ كان سيُقام على شرفه، فألغى زيارته حتى إشعارٍ آخر.

وبعد تلك المواجهة الدبلوماسية، صعّدت إسرائيل غاراتها على لبنان وسط دعوات إلى السكان لإخلاء أهداف تزعم بأنّ حزب الله يشغلها ما انعكس حركة نزوحٍ كثيفةٍ من البلدات المهدّدة.

وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عبر “X”: “سيهاجم الجيش الإسرائيلي على المدى الزمني القريب بنى تحتية عسكرية تابعة لحزب الله في أنحاء جنوب لبنان وذلك للتعامل مع المحاولات المحظورة التي يقوم بها حزب الله لإعادة إعمار أنشطته في المنطقة وفق الخريطتَيْن (المرفقتَيْن) والمباني المجاورة لهما في القريتين التاليتَيْن: دير كيفا، شحور”.

واعتبرت “القناة 12” الإسرائيلية أنّ الهجمات المُعلَن عنها في جنوب لبنان “تأتي في إطار التصدّي لانتهاكات حزب الله وهي ليس تصعيدًا”، حسب زعمها.

لبنان، من جهته، حاول تحريك المشهد السياسي وتفعيل آلية التفاوض عبر توسعة لجنة “الميكانيزم” بضمّ خبراء مدنيين قانونيين ومفاوضين، لكن أميركا وإسرائيل تجاهلتا التوجّه اللبناني الذي بقي بلا ردود أو حتّى بلا إيحاءات.

وبدا واضحًا أنّ التجاهل الأميركي-الإسرائيلي وحتى العربي للمبادرة اللبنانية يهدفُ أساسًا إلى إبعاد فرنسا، المُعتبرة حليفة إيران، والرّاغبة في إدارة التفاوض بين لبنان وإسرائيل على مسألة الحدود.

أميركا تفضّل مفاوضات ثنائية بين لبنان وإسرائيل، والدول العربية المشاركة في اللجنة الخماسية لا تحبّذُ إعطاء فرنسا دورًا مميزًا.

قطر تفضّلُ مفاوضات متعدّدة الأطراف تضمّ تركيا، في ما يبدو أنه فرضيّة محاولة للحفاظ على دورٍ “لحماس والإخوان المسلمين” في مستقبل المنطقة، وهو ما لا يتوقّع أن تؤيّده بقية دول الخليج ومصر.

ويبقى السؤال مطروحًا: لبنان إلى أين في الصراع بين أميركا وإسرائيل والعرب، من جهة، وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا من جهة أخرى؟!.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us