السعودية غادرت وتركت الشروط واضحة: هل يجرؤ لبنان على تنفيذها… أم يهرب كالعادة؟!


خاص 22 تشرين الثانى, 2025

رفع الحظر عن سفر السعوديين إلى لبنان، ورفع الحظر عن الصادرات اللبنانية، وتفعيل الاتفاقيات التجارية وتسهيل الإجراءات… هذه هي المعايير الفعلية، لا الصور ولا الابتسامات. لكن هذه الملفات لن تعود في ليلة وضحاها، ولن تُفتح بمجرّد أن يزور وفد سعودي بيروت أو يُطلق مسؤول لبناني وعودًا في الهواء. فالرياض كانت واضحة: عليكم أن تُنجزوا إجراءات حقيقية، جدّية، وبمستوى المخاطر التي سبّبت الأزمة أصلًا، وإلّا سيبقى كل ما يُقال عبارة عن بيانات للاستهلاك المحلي، وزيارات من دون عمل، وحوار لا يُنتج شيئًا.

كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

ليست مجرّد زيارة عابرة تلك التي قام بها الوفد السعودي إلى بيروت خلال الأيام الماضية. فـ”العودة السعودية” إلى لبنان بعد سنوات من الابتعاد الحذر تحمل دلالات سياسية واقتصادية لا يمكن تجاهلها، خصوصًا أنها جاءت في لحظة يمرّ فيها البلد بأدق مراحل الانهيار وإعادة التموضع الإقليمي.

الاجتماعات التي عُقدت لم تكن اجتماعات مجاملة، بل جلسات عمل حقيقية و”كاشفة”، وُضعت فيها ثلاثة ملفات على الطاولة تُعتبر مفصليةً لمستقبل الاقتصاد اللبناني: رفع الحظر عن الصادرات، رفع الحظر عن سفر السعوديين، والاتفاقيات التجارية وتسهيل الإجراءات. المفاجأة التي فتحت الباب أمام الكثير من التساؤلات كانت في نبرة الإيجابية الواضحة لدى الجانب السعودي، الذي قدّم قائمة واضحة بما يجب على الدولة اللبنانية إنجازه، مشيرًا إلى أنّ الحكومة تبدو، على الأقل كلاميًّا، مستعدة للتحرك. ومع ذلك يبقى السؤال الأكثر إثارة للجدل:

هل ستترجِم بيروت هذه الوعود إلى إجراءات، أم أنّ زيارة الوفد السعودي ستتحوّل كغيرها إلى محطة بروتوكولية تُعلّق عليها الآمال… ثم تُترك معلّقة؟

ولفهم ثقل الزيارة السعودية اليوم، يجب العودة خطوة إلى الوراء.

فالعلاقة بين لبنان والسعودية لم تكن يومًا “عابرةً”، بل بُنيت في عهد الرئيس رفيق الحريري على ثقة سياسية واستثمارات واقتصادية جعلت الرياض الشريك العربي الأول لبيروت. كانت السعودية تُعامل لبنان كأولوية … لا كملف يحتاج وسيطًا.

إذا نجحت زيارة الوفد السعودي في فتح الأبواب مُجَدَّدًا أمام لبنان، فإنّ الفوائد الاقتصادية المحتملة ستكون ضخمةً، وقد تُشكّل نقطة تحوّل حقيقية في تعافيه، خصوصًا في قطاعات الزراعة، الصناعة، والسياحة.

الفوائد الزراعية والصادرات

– وفق بيانات “Agriculture in Lebanon”، في عام 2003 تمّ تصدير حوالي 350 ألف طن من المنتجات الزراعية إلى المنطقة المحيطة، وكان جزء كبير منها إلى السعودية.

– بعض هذه الصادرات تشمل البطاطا، التفاح، التبغ، الخضار، والمشروبات غير الكحولية.

– إذا عاد الحظر على الصادرات، يمكن أن تستعيد هذه المجموعات الزراعية أسواقًا كبيرة في الخليج. بتقدير محافظ، لو استعاد لبنان حتى نصف حجم صادراته الزراعية إلى الخليج السابقة، فقد يدرُّ دخلاً إضافيًا يوازي عشرات الملايين من الدولارات سنويًا، مما يخفّف كثيرًا من الضغوط على المزارعين الذين يعانون خسائر ضخمة حاليًا.

الفوائد الصناعية

– قبل التوتر، كان هناك تبادل صناعي مهم بين لبنان والدول العربية، بما في ذلك الخليج. حجم التبادل التجاري الصناعي مع السعودية وفقًا لجمعية الصناعيين اللبنانية، كان يُقدر بنحو 250 مليون دولار سنويًا.

– إعادة فتح السوق الخليجية للصناعات اللبنانية (من الألبسة، الأطعمة المعلّبة، المواد الغذائية المصنعة، التحف، وغيرها) يمكن أن تساعد في تنشيط قطاع التصنيع اللبناني، وتشجيع الاستثمار الصناعي، وخلق فرص عمل جيدة.

الفوائد السياحية

– القطاع السياحي كان أحد الموارد المهمة للنقد الأجنبي. بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الشهيد رفيق الحريري، تراجعت الحجوزات بشكل كبير، فأكثر من 65% من الحجوزات على خطوط طيران الشرق الأوسط قد أُلغيت، خصوصًا من دول الخليج.

– في صيف 2004، وصل عدد السياح العرب، من دول الخليج ومن غيرها، إلى نحو 212 ألف سائح، من بينهم نسبة كبيرة من الخليجيين.

إذا عاد السياح الخليجيون بشكل كبير، يمكن لقطاع السياحة في لبنان أن يحقق أرباحًا سنوية إضافية تُقدَّر بمئات الملايين من الدولارات، خصوصًا مع الاستثمار في الفنادق، النقل، المطاعم، والخدمات السياحية.

الفوائد الاستثمارية والتمويلية

– إعادة الثقة مع الدول الخليجية يمكن أن تجلب استثمارات مباشرة، سواء في العقارات أو الصناعات أو البنية التحتية.

إعادة تدفق رؤوس الأموال الخليجية إلى لبنان يمكن أن تساهم في تعزيز النظام المصرفي، ودعم السيولة، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

كل شيء تغيّر بعد اغتيال الحريري، منذ تلك اللحظة، دخل البلد في مسار آخر: تصاعد نفوذ محور الممانعة، وانحسرت العلاقات مع الخليج، وتحوّل لبنان من دولة صديقة إلى دولة تُثار حولها الشبهات.

ومع الوقت، انقطع التواصل السياسي، تجمّدت المبادرات الاقتصادية، وبدأت الهوّة تكبر إلى أن وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.

الضربة الأقسى جاءت مع وقف الصادرات اللبنانية إلى السعودية.

القطاع الزراعي ما زال يدفع الثمن سنويًا، بخسائر تُقدر بملايين الدولارات، فقط لأنّ شحنات المخدرات كانت تُهرَّب من لبنان إلى الخليج تحت أعين الدولة، أو بقرار من قوى تملك قرار السلم والحرب، وتمتلك أيضًا اقتصاد الظل. والأسباب لم تعد سرًّا: تهريب المخدرات، تمويل جماعات مسلّحة، وتحوّل لبنان إلى منصة تُقلق الدول العربية بدل أن تكون شريكًا لها.

ومن هنا، فإن أي محاولة اليوم لإعادة فتح الأبواب مع السعودية ليست مجرّد مبادرة اقتصادية… بل اختبار لمدى رغبة لبنان بفكّ ارتباطه بمسار كلّف اقتصاده، وعلاقاته العربية، وسمعته الدولية أثمانًا لا تُعدّ ولا تُحصى.

والسؤال الذي يهرب منه الجميع هو: متى يمكن القول فعلًا إنّ العلاقة بين لبنان والسعودية عادت إلى ما كانت عليه؟

الجواب لا يقاسُ بالتصريحات اللطيفة ولا بالزيارات البروتوكولية، بل بملف واحد أساسي: رفع الحظر.

رفع الحظر عن سفر السعوديين إلى لبنان، ورفع الحظر عن الصادرات اللبنانية، وتفعيل الاتفاقيات التجارية وتسهيل الإجراءات… هذه هي المعايير الفعلية، لا الصور ولا الابتسامات. لكن هذه الملفات لن تعود في ليلة وضحاها، ولن تُفتح بمجرّد أن يزور وفد سعودي بيروت أو يُطلق مسؤول لبناني وعودًا في الهواء. فالرياض كانت واضحة: عليكم أن تُنجزوا إجراءات حقيقية، جدّية، وبمستوى المخاطر التي سبّبت الأزمة أصلًا، وإلّا سيبقى كل ما يُقال عبارة عن بيانات للاستهلاك المحلي، وزيارات من دون عمل، وحوار لا يُنتج شيئًا.

وبحسب الصحافي والكاتب إبراهيم ريحان، فإنّ الطريق أمام لبنان ما زال طويلًا، ويمكن اعتبار زيارة الوفد السعودي نقطة تأسيس لدفع الدولة نحو تنفيذ التزاماتها. فـ”لا استثمارات جدّية ستعود إلى لبنان، ولا دخول خليجيًا أو سعوديًا إلى السوق اللبنانية، ما لم تُنجز الدولة جملة عناوين أساسية: حصر السلاح بيد الدولة، تنفيذ الإصلاحات المطلوبة دوليًا، مكافحة المخدرات، وضبط الحدود والتهريب”.

وأضاف ريحان أنّ هذه البنود ليست ترفًا ولا شروطًا سياسية، بل أساس لعودة الثقة العربية بلبنان، ولعودة الاستثمارات الخليجية، والسعودية تحديدًا، التي يمكن أن تُعيد الحركة إلى الاقتصاد اللبناني.

وبالتالي، أي استثمار في لبنان لن تكون له جدوى ما لم تتحوّل الدولة إلى دولة مؤسّسات فعلية. وإذا لم يُباشر لبنان بهذه الورشة سريعًا، فإنّ استعادة ثقة المجتمع العربي ستبقى بعيدةً، وسيبقى لبنان خارج خريطة الدول العربية سياسيًّا، اقتصاديًّا، اجتماعيًّا، استثماريًّا ونقديًّا.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us