الرئيس رينيه معوّض: 36 عامًا على رحيل رمز الطائف والدولة التي حلم بها اللبنانيون

تطلّ ذكرى استشهاد الرئيس رينيه معوّض لتُعيد إلى الذاكرة اللبنانية صفحةً أليمةً ومحفوفةً بالأمل في آنٍ معًا. ففي اليوم نفسِه الذي يحتفل فيه لبنان باستقلاله، امتدّت يد الغدر في 22 تشرين الثاني 1989 لتخطف الرئيس الثاني عشر للجمهورية بعد 17 يومًا فقط على انتخابه، طاويةً حقبةً قصيرةً من ولايةٍ وُصفت بأنها بارقة رجاء لوطنٍ أنهكته الحرب.
عُرف معوّض، الذي لُقِّبَ بـ”شهيد الطائف”، بأنّه رجل وفاق وطني وصوت حكيم سعى إلى مدّ الجسور بين اللبنانيين في مرحلةٍ دقيقةٍ من تاريخ البلاد. وبرحيله، بقيت تجربته المُختصرة شاهدةً على إمكانيّة ولادة دولةٍ عادلةٍ وقادرةٍ، وعلى إيمانٍ راسخٍ بأنّ لبنان يستحقُّ أن يكون بلدًا حرًّا مستقلًا مهما اشتدّت العواصف.
من زغرتا إلى رئاسة الجمهورية
وُلد رينيه معوض في 17 آذار 1925 في زغرتا شمالي لبنان، وهو الابن الذي ترعرع في بيئةٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ شكّلت وعيه الوطني.
درس القانون في جامعة القديس يوسف في بيروت وتدرّج في المحاماة قبل أن ينخرط في العمل السياسي. منذ انتخابه نائبًا لأول مرة في عام 1957، أظهر معوّض قدرات قيادية جعلته ركنًا في النهج الشهابي، حيث عمل إلى جانب الرئيس فؤاد شهاب على إرساء أسُس الدولة الحديثة التي حلم بها.
وعلى مدى عقود، تبوّأ معوض عدة مناصب وزارية في حقائب حيوية كالشؤون الاجتماعية، التربية، والعمل، مُساهمًا في وضع سياسات اجتماعية وتعليمية مبتكرة. وعلى الرَّغم من صراعات السياسة، ظلّ الرجل محافظًا على خطوط تواصلٍ مفتوحةٍ مع مختلف القوى، ساعيًا إلى تقريب وجهات النظر وإعلاء المصلحة الوطنية على الحسابات الشخصية.
وممّا يُحسب لمعوض، أنّه كان مهندسًا بارعًا لاتفاق الطائف، الذي وضع حدًّا للحرب الأهلية اللبنانية.
وقد انتُخب رئيسًا للجمهورية في 5 تشرين الثاني 1989 وسط أجواء مشحونة، حيث مثّل انتخابه بارقة أمل لاستعادة الاستقرار وبناء دولة المواطنة. وفي خطاب القسم، أكد أن “لا وطن ولا دولة ولا كيان من دون وحدة الشعب”، مُحاولًا جمع اللبنانيين حول رؤية موحّدة لإعادة بناء الدولة.
الاغتيال
في 22 تشرين الثاني 1989، وبعد حضوره احتفال الاستقلال، استهدفت عبوة ناسفة موكب الرئيس في محلة الصنائع ببيروت، لتنهيَ حياته وتغتال معه حلمه الكبير بلبنان الموحد.
الحادث الذي راح ضحيته معوّض وعدد من مرافقيه ومواطنين آخرين، شكّل ضربةً قاسيةً لاتفاق الطائف وخطوةً إلى الوراء في مسار بناء الدولة.
الرئيس عون: سنواصل مسيرة بناء دولة
في الذكرى السادسة والثلاثين لاستشهاد الرئيس معوض، حيّا رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون “مواقف الرئيس الشهيد والمبادئ التي عمل على تحقيقها قبل أن تغتاله يد الغدر بعد سبعة عشر يومًا فقط من انتخابه رئيسًا للجمهورية اللبنانية”.
وقال: “لم يُمهَل الرئيس معوّض الوقت الكافي لتحقيق رؤيته للبنان، لكنَّ إرثه بقي حيًّا في قلوبنا وفي ذاكرة الوطن. لقد كان رجل دولة بامتياز، آمن بلبنان السيد الحر المستقل، ولم يتردّد في تحمّل مسؤوليته الوطنية في أحلك الظروف. وقف إلى جانب اتفاق الطائف، مُعتبرًا إياه فرصةً لإنهاء الحرب الأهلية وإعادة بناء الدولة على أسسٍ جديدةٍ من العيش المشترك والوحدة الوطنية، وإن استشهاده لم يكن مجرّد اغتيال لرئيس، بل كان محاولةً لاغتيال مشروع وطني، لإجهاض فرصة السلام والاستقرار. لكنّ دماءه الزكية لم تذهب سدى، بل سقت شجرة لبنان وساهمت في تعزيز إرادة اللبنانيين للنهوض من تحت الركام”.
وأضاف الرئيس عون: “اليوم، وفي هذه الذكرى الأليمة، نجدّد العهد بأن نواصل المسيرة التي بدأها الرئيس الشهيد، مسيرة بناء دولة عادلة، قوية، قادرة على حماية أبنائها وتأمين كرامتهم ومستقبلهم. وإنّ أفضل تكريم للرئيس معوض هو أن نعمل معًا من أجل لبنان موحّد، مستقلّ، يسوده القانون والعدالة والمساواة بين جميع مواطنيه”.
في السياق، كتب النائب ميشال معوّض على منصة “أكس”: “فخامة الرئيس، شكرًا على مواقفكم الوطنية في هذه الذكرى الغالية على قلوب اللبنانيين. انتظرنا ٣٦ سنة لنسمع رئيسًا للجمهورية يعيد الاعتبار لشهادة الرئيس رينه معوّض وللمشروع الوطني الذي استشهد من أجله”.
وأضاف: “اليوم، مسؤوليتنا جميعًا، دولة ومؤسسات وقوى سياسية، أن نواصل هذا الطريق لبناء الدولة التي استشهد لأجلها الرئيس رينه معوض: دولة السيادة والقانون التي تحتكر السلاح والقرار الاستراتيجي، وتطبّق القانون على جميع أبنائها دون مسايرة أو مهادنة. دولة تنهي حالة الحرب المفروضة على لبنان منذ اتفاق القاهرة، وما جرّته من احتلالات وحروب ووصايات واغتيالات دمّرت وطننا وأرهقت اللبنانيين. دولة تجمع جميع أبنائها؛ فالمصالحة الوطنية، كما قال الرئيس معوض، لا تستثني أحدًا، حتى أولئك الذين يصرّون على استثناء أنفسهم منها. دولة المؤسسات والاستقرار والنمو والازدهار التي يستحقها اللبنانيون ويطمحون إليها”.
وختم: “شكرًا فخامة الرئيس على الوفاء لرسالة رئيس أراد للبنان أن يكون وطنًا سيدًا حرًا مستقلًا، ودولة قويّة عادلة، قادرة على حماية كرامة أبنائها ومستقبلهم”.
من جهة أخرى، قال النائب أشرف ريفي: “السلام لروح الرئيس الشهيد رينه معوض، وللثبات الذي زرعته في قلوب اللبنانيين. ستبقى حاضراً في ذاكرة الوطن، وفي كل ذكرى استقلال تُذكِّرنا بأنك كنت عنوانه الأصدق.هو شهيد الدولة التي حلمَ بها، دولة السيادة والكرامة والعيش المشترك بكل معانيه النبيلة. هو شهيد الإعتدال في زمن الحروب والإنقسامات”.
كما كتب رئيس الحكومة نواف سلام على منصة “أكس”:” في الذكرى السادسة والثلاثين لاستشهاد الرئيس رينه معوّض، نستعيد رجل الدولة الذي آمن باتفاق الطائف سبيلاً لإنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة ومؤسساتها. في 22 تشرين الثاني، أصر على تلقي التهاني بالاستقلال رغم المخاطر، فكان شهيد الاستقلال، وشهيد الطائف الذي لم يطُبّق إلا باستنسابيّة بعد اغتياله.”
بدوره، كتب النائب فؤاد مخزومي على منصة “أكس”: “تحية لروح الرئيس الشهيد رينه معوّض، أحد رجالات الاستقلال الذين تمسّكوا بثوابت الدولة، ودافعوا عن سيادتها ومؤسساتها الدستورية من دون تراجع. كان صوتًا وطنيًا في اتفاق الطائف، واستُشهد وهو يحمل مشروع الوفاق الوطني”.
مواضيع ذات صلة :
شحادة وضع إكليلاً من الزهر على نصب الشهيد رينيه معوض | الرئيس عون: مطار رينيه معوّض سيشهد تطويراً وتأهيلاً خلال الأشهر المقبلة تمهيداً لتشغيله | عائلة الرئيس رينيه معوض أحيت الذكرى 35 لاستشهاده ورفاقه |




