“طوبى لفاعلي السلام”… ولبنان دائمًا بحاجةٍ إليهم!


خاص 28 تشرين الثانى, 2025

من المتوقعِ أنْ يفتح الحبر الأعظم نافذةَ أملٍ أمام اللبنانيين، خصوصًا الشباب الذين يعيشون مرارة الهجرة والبطالة وانسداد الآفاق، فالكلمة البابوية حين تتوجّه إلى لبنان، تحمل عادةً بُعْدًا وجدانيًّا عاليًا، يُعيد التذكير بالقيم الأساسية التي بُني عليها هذا الوطن: الحرية، التعدّدية، وكرامة الإنسان.

كتب بسام أبو زيد لـ”هنا لبنان”:

محظوظٌ لبنان كمحطّةٍ تحضر في جدول رحلات البابا لاوون الرابع عشر، فَعَيْنُ الكنيسة تتّجه دائمًا إلى هذا البلد الصغير المُشتعل، تحاول أن تُرسّخ الوجود المسيحي فيه وسط تحوّلات ديمغرافية في دول المنطقة أصابت وتصيب المسيحيين بشكلٍ خاصٍّ، وقد يكون السلام هو المسار الوحيد الذي يحفظ الوجود المسيحي في هذه المنطقة وهو سلام بين مكوّنات كلّ دولة وبين كلّ دول المنطقة.

في لحظات التقلّبات الكبرى التي يعيشها العالم، تبقى زيارة راعٍ روحي بحجم البابا حدثًا استثنائيًا يتجاوز الطابع الديني إلى آفاق سياسية وثقافية وإنسانية أشمل.

وللبنان، هذا الوطن الصغير بمساحته والكبير برسالته، تاريخ طويل مع زيارات الحبر الأعظم التي شكّلت محطات مفصلية في مسيرته، ورسّخت حضوره كأرض حوارٍ وتلاقٍ بين الأديان والثقافات.

واليوم، تعودُ الأنظار لتتجه نحو الزيارة المُرتقبة للبابا لاوون الرابع عشر، الحاملة عنوانًا بالغ الدلالة: “طوبى لفاعلي السلام”.

منذ زيارات البابا بولس السادس، مرورًا بالقديس يوحنا بولس الثاني وبنديكتوس السادس عشر، شكّلت المحطات البابوية في لبنان رسائل دعم واضحة لفَرادة النموذج اللبناني القائم على تعدّد الطوائف وتوازناتها الدقيقة، فكلّ زيارة كانت بمثابة تأكيدٍ على أنَّ لبنان ليس مجرّد وطن، بل رسالة إلى العالم كما وصفه يوحنا بولس الثاني، رسالةٌ تعيش في قلب الشرق وتُخاطب ضمير الإنسانيّة.

وكان لهذه الزيارات وقعٌ مباشرٌ على الشارع اللبناني، فقد منحت اللبنانيين بكل اختلافاتهم شعورًا بأنّهم ليسوا وحدهم وأنّ العالم يرى في تجربتهم قيمةً لا تُقدَّر وأنّ الحفاظ على لبنان هو حفاظ على فُسيفساء حضارية نادرة.

وتأتي زيارة البابا لاوون الرابع عشر في مرحلةٍ حسّاسةٍ يمرّ بها لبنان، حيث تتداخل الأزمات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع تحدياتٍ اجتماعيةٍ عميقةٍ، وفي ظلّ هذا الواقع يختار الفاتيكان عنوانًا لافتًا: “طوبى لفاعلي السلام”، كدعوةٍ صريحةٍ إلى نبذ الانقسام وإحياء ثقافة اللقاء.

فالسلام في سياق لبنان اليوم ليس شعارًا نظريًّا بل حاجةً وجوديةً تفرضها المخاطر المحيطة وحاجةً إنسانيةً تمسّ حياة كل مواطن يبحث عن الأمان والكرامة والغد الأفضل.

إنّ الزيارة المُرتقبة تحمل دعوةً واضحةً إلى مختلف القوى السياسية والروحية كي تُعيد النظر في موقعها من عملية بناء الدولة. فلبنان الذي أرهقته التجاذبات يحتاج اليوم إلى مبادراتٍ شجاعةٍ تُخرج الحياة العامة من منطق الغلبة إلى منطق الشراكة.

ولعلّ حضور البابا لاوون الرابع عشر بما يمثّله من سلطة معنوية عالمية يُشكّل فرصةً لإعادة ترميم الثقة بين اللبنانيين أنفسهم، وتعزيز الحوار بين المكوّنات الدينية، وتحصين المجتمع في وجه محاولات استغلال الظروف الصعبة لزرع الفتن أو إعادة إنتاج الانقسامات.

ومن المتوقعِ أنْ يفتح الحبر الأعظم نافذةَ أملٍ أمام اللبنانيين، خصوصًا الشباب الذين يعيشون مرارة الهجرة والبطالة وانسداد الآفاق، فالكلمة البابوية حين تتوجّه إلى لبنان، تحمل عادةً بُعْدًا وجدانيًّا عاليًا، يُعيد التذكير بالقيم الأساسية التي بُني عليها هذا الوطن: الحرية، التعدّدية، وكرامة الإنسان.

في الخلاصة، إنّ زيارة البابا لاوون الرابع عشر ليست حدثًا بروتوكوليًا فحسب، بل هي لحظة روحية ووطنية جامعة، تُعيد للبنان بعضًا من صورته التي يفتقدها، وتدعوه إلى إعادة اكتشاف ذاته كأرض سلامٍ، لا كساحة صراعٍ.

ومهما اختلفت التفسيرات السياسية، تبقى الحقيقة أنّ لبنان يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى كلّ مبادرةٍ تُعيد التلاقي بين أبنائه وتُعيد الطمأنينة إلى قلوبهم وتُنبت رجاءً جديدًا في أرضٍ أتعبها الألم لكنّها لم تفقدْ القدرة على النهوض.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us