عن زيارة البابا التي أوقفت الحرب!

زيارة البابا لاوون لم تكن حدثًا دينيًا فقط، بل حدثًا سياسيًا بامتياز، وجرس إنذار لطرفَيْ الصراع وللعالم أيضًا. لقد أثبتت أنّ الحرب يمكن أن تهدأ في أيّ لحظة، وأنّ الأطراف التي تقول “لا هدنة” تستطيع في الواقع أن تعطي هدنة، عندما تشاء. الزيارة التاريخية ذكّرت الجميع بأنّ الشرق الأوسط لا يحتاج إلى معجزةٍ ليتوقّف عن القتال، بل يحتاج إلى إرادة.
كتب بشارة خير الله لـ”هنا لبنان”:
في منطقةٍ تُقاس أيامها بعدد الصواريخ لا بعدد الساعات، جاءت زيارة الحَبر الأعظم البابا لاوون الرابع عشر كحدثٍ غير عاديّ.
زيارة روحية في لحظةٍ غير روحيةٍ، لا بل عسكرية… وزائر بسيط في سياق مُتشابك. لكن ما كان لافتًا، وربّما صادمًا لمن لا يعرف في خفايا الأمور، هو أنّ وتيرة العمليات العسكرية الإسرائيلية تراجعت خلال الزيارة بشكلٍ واضحٍ، وكأنّ الحرب قررت بشكل أو بأُخرى أن تمنحَ نفسَها استراحة.
هذا الهدوء المفاجئ لم يكن صدفةً، ولا كان معجزة. بل كان نموذجًا واضحًا لسياسةٍ لا يُعلن للرأي العام.
ليست مسألة احترام فحسب، بل مسألة حسابات دقيقة… وعليه، تُطرح هنا الأسئلة الكبرى: “لماذا هدأت العمليات العسكرية في أيام الزيارة؟ ولماذا ظهر المشهد وكأنّ هناك قرارًا غير مُعلن بوضع العمليات على رفّ الانتظار؟”
البعض اختار التفسيرات الناعمة، كـ “احترام لرمزية البابا”… والبعض قال إنّها “لفتة أخلاقية”، أو “خطوة إنسانية موقتة”…
لكنّ الحقيقة أبعد من ذلك بكثير. فبمجرّد وجود البابا على خط الأحداث يعني كاميرات وإعلامًا، وتدقيقًا وحساسيّةً مضاعفةً تجاه الرأي العام الدولي وتحديدًا الولايات المتحدة الأميركية. وهذا ما لا يرغب الإسرائيلي في تحمّل تكلفته.
الحرب غالبًا تعرف متى ترفع صوتها… لكنّها تعرف أيضًا متى تصمت كي لا تدفع ثمن الصورة.
الزيارة لم تكن بروتوكوليةً بحتةً. البابا لاوون جاء ليقول شيئًا بسيطًا ومهمًّا للغاية: “طوبى لصانعي السلام”.
لكن هذا الصوت وضع الجميع في موقف محرج:
هل يحتاج الشرق الأوسط إلى شخصٍ واحدٍ كي تنخفض نار الحرب؟
وإذا كان الجواب “نعم”، فأيّ اتهامٍ أكبر من هذا لمنظومة سياسية كاملة؟
إن كان وجود زائر ديني قادرًا على تهدئة الجبهات، فهذا يعني أنّ التهدئة ليست مستحيلةً، بل فقط غير مرغوبةٍ، وهنا تكمن مسؤولية “حزب الله” حيال ضرورة سحب الذرائع من أمام نتنياهو وآلته العسكرية.
الهدوء الذي رافق الزيارة لم يُغيّر في بُنية الصراع.
الحرب ما زالت هِيَ هِيَ، والعقيدة العسكرية كما هي، والاشتباك مستمر.
لكن الزيارة كشفت جوهر الحقيقة: الحرب ليست قدرًا، بل قرار.
والقرارات يمكن تعليقها عندما تتغيّر الحسابات.
إذا توقّفت الاستهدافات احترامًا لوصول رجلٍ واحد، فهذا يعني أنّها قادرة على التوقّف احترامًا لحياة شعبٍ كاملٍ، لكنّها لا تفعل.
لأنّ الزيارة أعادت صياغة المشهد بصمتٍ، أظهرت أنّ المجتمع الدولي قادر على ممارسة التأثير عندما يريد. وكشفت هشاشة خطاب “الضرورة العسكرية” الذي يُبرَّر به كل شيء.
منحت الناس شعورًا بأنّ العالم يستطيع أن يتدخّل، وهذا بحد ذاته تهديد لأي سلطة تعتمد على منطق القوة فقط.
زيارة البابا لاوون لم تكن حدثًا دينيًا فقط، بل حدثًا سياسيًا بامتياز، وجرس إنذار لطرفَيْ الصراع وللعالم أيضًا.
لقد أثبتت أنّ الحرب يمكن أن تهدأ في أيّ لحظة، وأنّ الأطراف التي تقول “لا هدنة” تستطيع في الواقع أن تعطي هدنة، عندما تشاء.
الزيارة التاريخية ذكّرت الجميع بأنّ الشرق الأوسط لا يحتاج إلى معجزةٍ ليتوقّف عن القتال، بل يحتاج إلى إرادة.
والأخطر من ذلك: الإرادة موجودة، لكنّها ليست لدى أصحاب القرار، بل لدى من يمتلك قدرة تحريك الرأي العام وتحويل صوت القذائف إلى رنين أجراس الفرح.
لو قُدِّر للشعب اللبناني أن يفعل ما يريد، لرأيت طريق المطار مقطوعةً لمنع بابا السلام من مغادرة لبنان وإجباره على البقاء هنا، لتذهب الحروب إلى غير رجعة، لكنّ المؤسف أنّ البابا عائد إلى الفاتيكان، والتصعيد العسكري عائد إلى سابق عهده…
مواضيع مماثلة للكاتب:
جايي دورك يا نعيم؟ | أفيخاي يهدّد نعيم.. نعيم يهدّد كريم | تسخين أمني وبرودة انتخابية |




