المعدن الأبيض يسيطر على الأسواق: الفضة تتفوّق على الذهب


خاص 5 كانون الأول, 2025

تجمع الفضة بين القيمة المالية كأصل استثماري، والاستخدام الصناعي الواسع في قطاعات تتراوح بين الإلكترونيات والطاقة الشمسية، مما يزيد من جاذبيتها ويجعل تحركات أسعارها محط اهتمام عالمي دائم

كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

مع الارتفاع الكبير في أسعار المعادن الثمينة، برزت الفضة بشكل لافت لتصبح محط أنظار المستثمرين والمحللين الاقتصاديين على حد سواء. فقد سجّلت الأسعار اليوم مستويات قياسية لم يسبق لها مثيل، إذ اقتربت الأونصة الواحدة من حاجز الـ60 دولارًا، وهو رقم يُعدّ الأعلى في تاريخ هذا المعدن النفيس. ويأتي هذا الارتفاع وسط موجة من التقلبات الاقتصادية العالمية، حيث يسعى المستثمرون إلى التحوّط ضدّ التضخم وتراجع قيمة العملات الورقية، ما جعل الفضة لا مجرد معدن صناعي أو زينة، بل أداة مالية استراتيجية في آنٍ واحد.

ومع هذه المعطيات، تتزايد التساؤلات حول العوامل التي دفعت الفضة إلى هذه القفزة التاريخية، وما إذا كان هذا الارتفاع سيستمر في ظل التحديات الاقتصادية العالمية، أم أنه مجرد صعود مؤقت يعقبه تصحيح في الأسعار. ولعل ما يجعل الفضة فريدة في هذا السياق هو ازدواجيتها، فهي تجمع بين القيمة المالية كأصل استثماري، والاستخدام الصناعي الواسع في قطاعات تتراوح بين الإلكترونيات والطاقة الشمسية، مما يزيد من جاذبيتها ويجعل تحركات أسعارها محط اهتمام عالمي دائم.

في بداية عام 2025، كان سعر أونصة الفضة يدور حول 30 دولاراً فقط، وهو مستوى يعكس فترة من الاستقرار النسبي أو حتى الركود النسبي للفضة بعد سنوات من التقلبات. لكن خلال الفترة الأخيرة، شهدت الفضة قفزة غير مسبوقة، حيث تضاعف سعرها تقريباً ليصل إلى حدود 60 دولاراً للأونصة. هذا الارتفاع الهائل يعكس تزايد الطلب على الفضة سواء كأصل استثماري يحمي ثروات المستثمرين من التضخم، أو كسلعة صناعية ضرورية في قطاعات مثل الإلكترونيات والطاقة المتجددة. وبمعنى آخر، أي مستثمر وضع أمواله في الفضة في مطلع هذا العام، شهد اليوم نمو استثماره بنحو 100% تقريباً، ما يجعله واحداً من أكثر الاستثمارات ربحية خلال الأشهر الماضية.

وعند مقارنة أداء الفضة بالذهب، نلاحظ فرقاً واضحاً في مسار النمو. فالذهب، الذي يُعتبر الملاذ الآمن التقليدي في الأزمات الاقتصادية، بدأ عام 2025 عند 2700 دولار للأونصة، ثم شهد صعوداً ملحوظاً ليصل إلى أعلى مستوى له عند 4400 دولار، قبل أن يتراجع قليلاً إلى نحو 4200 دولار حالياً. هذا التذبذب يعكس طبيعة الذهب كملاذ آمن حساس للتغيرات الاقتصادية العالمية، بينما تعكس الفضة قدرة أكبر على الاستفادة من عوامل العرض والطلب الصناعي والاستثماري معاً.

ومع ذلك، فإنّ الذهب حقق هذا العام نسبة ارتفاع تقارب 63%، وهي نسبة قوية بلا شك، لكنها لم تصل إلى مستوى صعود الفضة المذهل الذي يقارب 100%. وهذا كله يعني أنّ الفضة في هذا العام قد تفوّقت على الذهب بوضوح من حيث معدل النمو والاستثمار، ما يجعلها في صدارة المعادن الثمينة التي تجذب اهتمام المستثمرين الذين يسعون لتحقيق أرباح قياسية، ويضعها تحت المجهر كعنصر اقتصادي واستثماري له تأثير مزدوج، مالي وصناعي، على الأسواق العالمية.

ترتفع الفضة اليوم لأسباب تختلف عن أي دورة سابقة شهدها السوق، مما يجعل صعودها الحالي فريداً واستثنائياً في تاريخ المعادن الثمينة:

أولاً، هناك طلب مرتفع على الملاذات الآمنة نتيجة التوترات الجيوسياسية العالمية، وتأتي الفضة في مقدمة هذه الأصول، إلى جانب الذهب، لما تتمتع به من استقرار نسبي وحماية ضد التضخم.

ثانياً، هناك توسع كبير في الطلب الصناعي على الفضة، خصوصاً في قطاعات متقدمة مثل الإلكترونيات والطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية.

ثالثاً، حساسية السوق للقرارات الجمركية الأميركية لعبت دوراً مهماً، حيث دفعت هذه القرارات الشركات إلى تسريع شحناتها وتقليل المخزون المتاح في الأسواق، وهو ما أدى إلى ضغط إضافي على العرض ورفع الأسعار.

وأخيراً، هناك الفارق الواضح بين الطلب المرتفع والعرض المحدود، وهو العامل الأهم في دفع الأسعار إلى الصعود. هذا التوازن غير المتكافئ بين العرض والطلب يشير إلى احتمال استمرار ارتفاع الفضة، ويعزز جاذبيتها كأصل استثماري استراتيجي في ظل الأسواق المتقلبة.

ومع اقتراب الأعياد، أصبحت الفضة اليوم هدية ذات قيمة حقيقية، وفي الوقت عينه تمثل استثماراً طويل الأمد للمستقبل.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us