لبنان يوسّع دائرة التفاوض والدعم الدولي… حراك مُكثّف لترسيخ السيادة وتثبيت الاستقرار!

لبنان 5 كانون الأول, 2025

في ظلّ التوترات المستمرة على الحدود الجنوبية، يواصل لبنان جهود تعزيز سيادته واستقراره عبر حوارات دبلوماسية حاسمة مع المجتمع الدولي. تحرّكات رئاسية وبرلمانية وحكومية متزامنة ومواقف داعمة من مجلس الأمن الدولي تعكس رغبةً واضحةً في تعزيز الجيش اللبناني وتطبيق القرارات الدولية، مع فتح قنوات حوار فعّالة تهدف إلى وقف الانتهاكات وضمان احترام اتفاقات وقف إطلاق النار، بما يمهّد الطريق نحو استقرار طويل الأمد في المنطقة.

وفي التفاصيل، التقى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وفد سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن الدولي الذي يزور لبنان. وأبلغ الرئيس عون الوفد الذي يضم أعضاء مجلس الامن الدولي برئاسة مندوب سلوفينيا السفير “Samuel zbogar” خلال استقباله له قبل ظهر اليوم، أن لبنان اعتمد خيار المفاوضات مع إسرائيل وكلّف سفيرًا سابقًا ترؤس الوفد اللبناني، لتجنيبه جولة عنف إضافية من جهة، ولأن لبنان مقتنع بأن الحروب لا يُمكن أن تؤدّي إلى نتائج إيجابية وأنّ التفاوض وحده يُمكن أن يوفّر مناخات تقود إلى الاستقرار والأمان وتجد حلولًا للمسائل العالقة وتبعد العذابات عن المواطنين.

وأكّد الرئيس عون للوفد الدولي أنّ ما يقوم به لبنان على صعيد التفاوض ضمن لجنة “الميكانيزم” ليس لإرضاء المجتمع الدولي، بل لأنه لمصلحة لبنان.

وقال: “لقد اتخذنا القرار ولا مجال للعودة إلى الوراء، وهذا الأمر أبلغته لجميع المسؤولين العرب والأجانب الذين التقيتهم بمن في ذلك وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو عندما التقيته في نيويورك في شهر أيلول الماضي، ونحن ملتزمون بهذا الخيار. وقد بدأ قبل يومين فصل جديد من المفاوضات بعد تعيين السفير السابق سيمون كرم رئيسًا للوفد اللبناني، وأشكر كل من عمل على تسهيل هذا الأمر لا سيما السيدة مورغان أورتاغوس التي شاركت في الاجتماع. إنّ هذه المفاوضات تهدف أساسًا إلى وقف الأعمال العدائية التي تقوم بها إسرائيل على الأراضي اللبنانية واستعادة الأسرى، وبرمجة الانسحاب من المناطق المحتلة وتصحيح النقاط المختلف عليها عند الخط الأزرق. ونأمل أن تؤول هذه المفاوضات إلى نتائج إيجابية. لكن لا بدّ من التأكيد أنّ نجاح هذه المفاوضات يرتبط بشكل أساسي بموقف إسرائيل التي يتوقف عليه وصول المفاوضات إلى نتائج عملية أو فشلها”.

وردًّا على أسئلة السفراء، أكد الرئيس عون أنّ “الجيش اللبناني انتشر في جنوب الليطاني في اليوم الأول للإعلان عن اتفاق وقف الأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني 2024، وهو منذ ذلك اليوم يقوم بدوره كاملًا وقدم شهداء أثناء أداء مهمّاته في مصادرة السلاح وتفتيش الأنفاق وسحب الذخائر ومنع المظاهر المسلحة. ولم يتمكّن الجيش من استكمال انتشاره في جنوب الليطاني نتيجة استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية حدودية، إلّا أنّ ذلك لم يمنعه من مواصلة تنفيذ مهمّاته وتطبيق القرار 1701 في مناطق شاسعة جغرافيًا ومليئة بالوديان التي من الصعب الوصول إليها دائمًا، ما يتطلّب وقتًا وجهدًا كبيرَيْن. ونأمل أن يصبح عديد الجيش نحو 10 آلاف عسكري في الجنوب قبل نهاية السنة الحالية”.

وقال الرئيس عون: “إنّ مهمّات الجيش لا تقتصر فقط على جنوب الليطاني بل تشمل حفظ الأمن على كلّ الأراضي اللبنانية ومكافحة الإرهاب والتهريب وضبط الحدود وحماية العديد من المقرّات الدبلوماسية والإدارات والمؤسّسات العامة، الأمر الذي يوجب تقديم الدعم للجيش ليتمكّن من الاستمرار في مهمّاته. لذلك أطلقت الدعوة تلو الأخرى لمساعدته وتجهيزه بالمعدات الضرورية، وقد راهن لبنان على انعقاد مؤتمر لدعم الجيش والقوات المسلّحة تشارك فيه الدول المانحة لتوفير حاجاته ليبقى قادرًا على أداء مهامّه الوطنية، وإلّا فإنّ الفوضى ستحلّ من جديد، ذلك أن الجيش هو الضمانة للمحافظة على السلم الأهلي والاستقرار في البلاد”.

وحول العلاقة بين الجيش والقوات الدولية العاملة في الجنوب “اليونيفيل”، أكّد الرئيس عون أنّ التنسيق مثالي بين الجيش “واليونيفيل” لتطبيق القرار 1701، وسوف يستمر ذلك حتى آخر يوم من بقاء “اليونيفيل” في الجنوب، علمًا أنّنا كنّا نأمل أن يستمر وجود القوات الدولية إلى حين استكمال الجيش انتشاره حتى الحدود المعترف بها دوليًّا. وفي هذا السياق، يُرحّب لبنان بأي دولة ترغب في إبقاء قواتها أو جزء منها في أرض الجنوب لمساعدة الجيش بعد استكمال انسحاب “اليونيفيل” في نهاية العام 2027، لا سيما أن دولًا عدّة أبدت مشكورةً رغبتها في ذلك”.

ولفت الرئيس عون، ردًّا على سؤال، إلى عمق العلاقة بين الجيش اللبناني وأبناء الجنوب الذين يرون في جيشهم مصدر حماية لهم ويثقون به وبقدراته، وهم متعلّقون بأرضهم ويريدون العودة إليها لإعادة بناء منازلهم والسكن فيها وهذا ما نريده أيضًا. لذلك، طلبنا دعمًا دوليًا لإعادة إعمار المناطق التي تضرّرت نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية منذ أكثر من عام. إنّ إعادة الإعمار وعودة الأهالي إلى أراضيهم هما أولوية لدينا، ونريد من المجتمع الدولي أن يقف إلى جانبنا ويوفّر لنا هذا الدعم لإعادة الإعمار ولمّ شمل الأهالي الذين اضطرّوا إلى ترك منازلهم وعادوا إليها فوجدوها مُدمّرةً كليًّا أو جزئيًّا.

وحول الإصلاحات، أكد الرئيس عون للوفد الدولي أنّه منذ تشكيل الحكومة، أي قبل ثمانية أشهر تقريبًا، صدرت قوانين إصلاحية عدة لا سيما قانون تعديل قانون السرية المصرفية وإعادة تنظيم هيكلية المصارف، ونأمل أن تنتهي الحكومة من إقرار مشروع قانون ما يعرف بـ”الفجوة المالية” قبل نهاية السنة. كما صدرت مراسيم وقرارات إصلاحية عدة لجهة مكافحة الفساد وضبط العمل في الإدارات والمؤسسات العامة وإعادة لبنان إلى الخريطة الدولية ونعمل بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي لمعالجة مشاكل مالية واقتصادية عدة. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ ثمة إصلاحات تحتاج إلى موافقة مجلس النواب، والحكومة قامت بواجبها في هذا المجال، والمجلس النيابي يدرس راهنًا مشاريع قوانين عدة أحالتها الحكومة إليه.

وأعرب الرئيس عون عن شكر لبنان للدعم الذي تقدمه منظمات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي معتبرًا أنّ هذا الدعم البنّاء يساعد لبنان كثيرًا على تجاوز الظروف الصعبة التي يمر بها.

وحول مسألة حصرية السلاح، قال رئيس الجمهورية إنّ هذه المسألة تُشَكِّلُ هدفًا أساسيًا نعمل له بعد القرار الذي اتخذ في هذا الصدد وبالتالي فنحن مصمّمون على تنفيذه وطلبنا من جميع الأفرقاء التعاون لتحقيق هذا الهدف الذي لا رجوع عنه وإنْ تطلّب ذلك بعض الوقت، لأنّ اللبنانيين تعبوا من المواجهات العسكرية ويُجمعون على أن لا قوى مسلحة على الأراضي اللبنانية إلّا القوى العسكرية والأمنية الشرعية.

وختم الرئيس عون مداخلته: “نحن لا نريد الحرب من جديد. لقد تعذّب الشعب اللبناني بما يكفي ولن تكون هناك عودة إلى الوراء. الجيش اللبناني سيقوم بدوره كاملًا وسيحمي أبناء شعبه في كل المناطق اللبنانية لا سيما في الجنوب، وعلى المجتمع الدولي أن يسانده ويدعمه، خصوصًا أن الأمن متداخل بين كل الدول، ومن الضروري تعزيز استقرار لبنان وتثبيت الأمن فيه لأنّ في ذلك حماية ليس فقط له بل لدول عدة شقيقة وصديقة”.

وكان رئيس مجلس الأمن السفير زبوغار تحدّث في مستهل اللقاء فشكر الرئيس عون على استقباله والوفد، مؤكدًا التزام المجلس بالاستقرار في لبنان والمنطقة، ودعم سيادة واستقلال لبنان السياسي. وقال: “إنّ المجلس ينظم المداولات حول الوضع في لبنان وعلى طول الخط الأزرق، وزيارتنا اليوم هي تأكيد إضافي على التزامنا تجاه بلدكم. نأتي إلى بيروت في وقت محوري، من أجل تنفيذ القرار 1701 وتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني من العام الماضي، ونؤمن بأنّ الزيارة تأتي في الوقت المناسب”.

وأضاف: “نُقدّر تقييمكم لتنفيذ القرار 1701 واتفاق وقف النار، بما في ذلك التحدّيات التي تُعيق التنفيذ. وفي هذا السياق، نود أن نعرف رأيكم بشأن عملية وضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة اللبنانية. نحن ندعم الجهود الدبلوماسية المطلوبة لحلّ النزاع أو التسوية المتعلقة بالحدود الدولية مع إسرائيل. وندعم البدء في المفاوضات مع سوريا حيث كنا بالأمس”.

وختم بالإعراب عن دعم “اليونيفيل” بالكامل و”تلقى منا التقدير”، متطلعًا إلى معرفة رأي الرئيس عون بشأن الدور المستقبلي للقوات الدولية.

وتوالى عدد من السفراء على الكلام مؤكّدين دعم دولهم للبنان ولسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، مبدين الاستعداد لدعم الجيش ومواقف الرئيس عون لا سيما ما خصّ المفاوضات التي سوف تستكمل بعد أيام في الناقورة.

بري يشرح تطبيق القرار 1701

كما عرض رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، مع سفراء وممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي تطورات الأوضاع في لبنان والمنطقة والمستجدات السياسية والميدانية.

واستمر اللقاء أكثر من ساعة وربع الساعة وحضره قائد قوة “اليونيفيل” إلى جنوب لبنان اللواء ديوداتو أبانيارا، والمنسق المقيم للأمم المتحدة منسق الشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا، والمستشار الإعلامي لرئيس المجلس النيابي علي حمدان.

واستمع الرئيس برّي إلى مواقف ممثلي الدول في مجلس الأمن، وأجاب بإسهاب عن مراحل القرار الأممي رقم 1701 وأهميته ووظيفته واتفاق وقف إطلاق النار وظروفه وموجباته لتطبيقه ودور قوة الطوارئ الدولية في هذا الإطار وما يراه تناقضًا في القرار رقم 2790.

وأكد الرئيس بري “أنّ الاستقرار في الجنوب يستلزم التزام إسرائيل بالقرار الأممي 1701 وباتفاق وقف إطلاق النار من خلال وقف انتهاكاتها اليومية والانسحاب إلى خلف الحدود الدولية، لا سيما بعد تكثيف اللجنة الخماسية المنبثقة عن الاتفاق لاجتماعاتها مما يفرض على إسرائيل وبشكل فوري وقف النار وبالتالي حربها الأحادية على لبنان”.

وقال بري: “لا يجوز ومن غير المقبول التفاوض تحت النار”، كما حذّر من “أنّ استمرار إسرائيل بالحرب والعدوان يجدّد هذه الحرب”.

بدورها، قالت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس أثناء خروجها من عين التينة: “الاجتماع كان إيجابيًا”.

وأضافت: “السفير سيمون كرم شخصية مثيرة للإعجاب واجتماعات الميكانيزم أفضل لأنها ضمّت مدنيين”.

سلام يعرض أولويات الحكومة أمام وفد مجلس الأمن

بدوره، استقبل رئيس مجلس الوزراء نواف سلام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وذلك على مأدبة غداء في السراي الكبير.

وحضر اللقاء وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي، أمين عام وزارة الخارجية عبد الستار عيسى، سفير لبنان لدى الأمم المتحدة أحمد عرفة، مدير الشؤون السياسية والقنصلية في وزارة الخارجية السفير إبراهيم عساف.

وخلال اللقاء، أكّد أعضاء الوفد حرص دولهم على دعم الاستقرار في لبنان عبر التطبيق الكامل للقرارات الدولية، مُشيدين بعمل الحكومة في مسارَيْ الإصلاح وتعزيز سلطة الدولة، ولا سيما ما يتعلّق بحصر السلاح بيدها.

وعرض الرئيس سلام أمام الوفد مقاربة الحكومة القائمة على ركيزتَيْ الإصلاح والسيادة، مؤكدًا التزامها المضي قدمًا في تنفيذ الخطط الإصلاحية وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية.

كما أشار إلى “ضرورة الضغط على إسرائيل لحملها على الإيفاء بالتزاماتها في إعلان وقف النار، بما يشمل وقف الخروقات والانسحاب من المناطق اللبنانية التي لا تزال تتموضع فيها، إضافة إلى العمل على إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين”.

وفي هذا السياق، شدد الرئيس سلام على “حاجة لبنان إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية قوة اليونيفيل، وذلك لملء أي فراغ محتمل، بما يساهم في تعزيز الاستقرار في الجنوب”.

وطرح الرئيس سلام “إمكان أن تعمل هذه القوة تحت إطار هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة (UNTSO)، أو أن تكون قوة حفظ سلام محدودة الحجم ذات طابع مشابه لقوة الـ”UNDOF” العاملة في الجولان لجهة طبيعة المهام وضبط الحدود”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us