عون لقاسم: طريقك مسدودٌ… مسدودٌ… مسدودٌ!

يُهاجمون الدولة لاعتمادها الخيار الدبلوماسي، وهو الوحيد المُتاح بعد النكبة؛ والجيش بحجّة أنّه عاجز عن حماية البلاد والناس؛ و”القوات الدولية” لسعيها إلى تنفيذ القرارات الدولية؛ وسائر اللبنانيين إذا قالوا لهم: كفى. جميع هؤلاء خونة ومتآمرون؛ وبقايا السلاح وبقايا العسكر وبقايا الأمن وبقايا الإعلام مُستَنفَرون لتأديبهم وإخضاعهم.
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
دار حوار غير مباشر في الأيام الأخيرة من الأسبوع الماضي بين رئيس الجمهورية جوزاف عون والأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم. ما قاله الرئيس عون عن المفاوضات الجمعة الماضي، ذهب الشيخ قاسم في اليوم التالي، أي السبت إلى نقيضه أي الحرب. لكن الفارق ما بين ما قاله رئيس الجمهورية وما قاله أمين عام “الحزب”، هو أنّ الأول يمثل لبنان، في حين أنّ الثاني يمثل حزبًا عسكريًا لم يتقدّم منذ تأسيسه بطلب علم وخبر، ما يعني أنه في عرف القانون هو كِيان غير شرعي.
تمتّع رئيس الجمهورية وهو يخاطب وفدًا من جمعية “إعلاميون من أجل الحرية”، (كاتب هذه السطور كان من بين الحضور)، بوضوح لا لبس فيه عندما تطرّق الى مسار المفاوضات الجارية في إطار لجنة الآلية (الميكانيزم)، والتي ستعقد اجتماعها المقبل في 19 كانون الأول الجاري. انطلق الرئيس عون في مقاربة هذا الموضوع المصيري، من دون أن ينتظر سؤالًا من أحد أعضاء الوفد وجميعهم إعلاميون وعملهم الأساسي هو طرح الأسئلة. فانطلق من خلفيّته كقائد سابق للجيش، ليقول: “في المفهوم العسكري الصّرف، فإنّه عندما يخوض أي جيش معركةً ويصل فيها إلى طريق مسدود، يتمّ بعد ذلك الاتجاه إلى خيار التفاوض”، متسائلًا: “هل لبنان قادر بعد على تحمّل حرب جديدة؟ وإذا ما وضعنا خيار الذهاب الى الحرب جانبًا، ما هو الخيار الآخر؟ أمامنا محتلّ لأرضنا ويستهدفنا كلّ يوم ولديه أسرى من أبنائنا، فكيف نحلّ الأمر سوى عبر التفاوض؟ والتاريخ مليء بالأمثلة”.
في المقابل، وفي اليوم التالي لموقف الرئيس عون، اختار الأمين العام لـ”حزب الله” مناسبةً نسائيةً ليردّ على طريقته على خيار التفاوض، بالقول مسبقًا إنّه “استسلام”. قال قاسم: “الاستسلام يؤدّي إلى زوال لبنان… نحن في المقابل ندافع، ونصمد، ونقف. يقولون: لكن إذا قمنا بذلك، فالثمن كبير؟ نقول لهم: أجل، لا مشكلة، الثمن كبير، ومع الدفاع تُفتح الآفاق على احتمالات كبيرة”!
إذًا، تبدو الهوّة سحيقةً بين موقف لبنان الذي يمثله الرئيس عون، وبين موقف الشيخ قاسم الذي يمثّل منظمةً عسكريةً خاصةً لا علاقة لها بلبنان. وبات لبنان مُجدّدًا أمام خطيّن متوازيين لا يلتقيان، “وإذا ما التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله”، كما يقال.
يمكن الذهاب الى توصيف يمثّل بدقّة المرحلة الحرجة التي يجتازها لبنان. وينطلق التوصيف من أن اسم رئيس الجمهورية ينطلق من الاستعانة بالمنطق والتجربة والخبرة والمسؤولية وهو ما يُجسّده الرئيس عون فعليًا في تحمّله تبعات القرارات المصيرية التي اتخذها لا سيما تسمية السفير السابق سيمون كرم رئيسًا للوفد اللبناني الى لجنة الميكانيزم، كما اتخذتها الحكومة منذ قرار حصر السلاح في 5 آب الماضي.
وفي المقابل، ينطلق اسم الأمين العام لـ”حزب الله” من الانقسام لا الوحدة في ملاقاة الخطر الذي يتهدّد لبنان في المستقبل، فيمضي قدمًا في الاتجاه المعاكس لموقف الأكثرية الساحقة من اللبنانيين التوّاقين لإنهاء وجود أي سلاح خارج الدولة.
لا جدال، ستكون الكلمة النهائية للشرعيّة التي يجسدها رئيس الجمهورية وحكومة العهد الأولى. وأثبت الرئيس عون في قرار تعيين السفير كرم، أنّ كلمة الشرعية هي التي ستستقرّ. وقد أعاد الرئيس عون في لقائه الإعلامي الجمعة الماضي إلى الضوء هذا التطوّر غير المسبوق في التاريخ الحديث للبنان، فقال: “نحن كنّا منذ نحو سنة نقول بهذا الخيار، وقد وصلني خبر السبت (29 تشرين الثاني الماضي) من الأميركيين قبل مجيء قداسة البابا الأحد إلى بيروت، يُفيد بأنهم توصّلوا الى خرقٍ مع الإٍسرائيليين الذين وافقوا على وجود مدني في الناقورة ضمن لجنة الميكانيزم. (أنرفض) هذه الفكرة؟ ولقد اخترت السفير سيمون كرم لأنّه كان سفيرًا سابقًا في الولايات المتحدة الأميركية، وشارك في المفاوضات السابقة في مدريد. وهذا ما حصل، وقد استدعيته الثلاثاء (2 كانون الأول الجاري) بعد مغادرة قداسة البابا، وبعد التشاور مع الرئيسين نبيه بري ونوّاف سلام، وكان جو الأوروبيين والأميركيين إيجابيًا لمجرّد حضوره اجتماعات لجنة الميكانيزم”.
ولا تزال هناك حكاية يجب أن تُروى عن السفير كرم. فقد كتب صديقه الزميل الدكتور حارث سليمان في مقال لموقع “جنوبية” جانبًا من حوار دار بين الرئيس عون والسفير كرم، قال: “قاوم السفير سيمون كرم تكليفه رئاسة الوفد اللبناني إلى اجتماعات الميكانيزم، وأبدى تحفّظًا واضحًا حيال هذه المهمة، إلى أن واجهه رئيس الجمهورية، بثلاثة اعتبارات متداخلة: أولها، العلاقة الشخصية المتينة التي تربط الرجلَيْن والعائلتَيْن؛ وثانيها، استنهاض الحسّ الوطني لدى كرم، وحبّه العميق للبنان وجنوبه؛ أمّا ثالثها، وهو الأعمق دلالة والأثقل مسؤولية، فكان العودة إلى خطابٍ ألقاه سيمون كرم في حفل تكريم الراحل حبيب صادق، الذي نظمه المجلس الثقافي للبنان الجنوبي في الاسبوع الأول من تموز الماضي”.
تبدو العودة اليوم إلى خطاب السفير كرم عن حبيب صادق و”حرب الإسناد”، ضروريةً جدًّا انطلاقًا من الأفكار التي تضمّنتها وصلتها بواقع لبنان عمومًا والجنوب خصوصًا. ويشار إلى أنّ السفير كرم القى خطابه خلال إحياء ذكرى المناضل الراحل حبيب صادق في جامعة القديس يوسف، يوم 2 تموز 2025، والتي قاطعها بعض أنصار “حزب الله” وخرجوا من الصالة. وجاء في الخطاب: “عاش اللبنانيون “حرب الإسناد” منقسمين بعمق حول ضرورتها ومسؤولية مباشرتها؛ وزاد الانقسام حدّة حول شروط إنهائها ومصير ما تبقّى من سلاحها. شروط إنهاء الحرب جاءت أفدح من الحرب؛ وما يزيد الأمور بشاعةً أنّ الذين أذعنوا لوقف إطلاق نار من طرفٍ واحدٍ مع إسرائيل، يُطلقون نارًا سياسيةً وأمنيةً كثيفةً على الداخل، ساعين إلى بعث ما عاشوه غلبةً، على مدار سنوات قصيرة عجاف، وأدّى بهم وبالبلاد وأهلها إلى هذا الخراب العميم. يُهاجمون الدولة لاعتمادها الخيار الدبلوماسي، وهو الوحيد المُتاح بعد النكبة؛ والجيش بحجّة أنه عاجز عن حماية البلاد والناس؛ و”القوات الدولية” لسعيها إلى تنفيذ القرارات الدولية؛ وسائر اللبنانيين إذا قالوا لهم: كفى. جميع هؤلاء خونة ومتآمرون؛ وبقايا السلاح وبقايا العسكر وبقايا الأمن وبقايا الإعلام مُستَنفَرون لتأديبهم وإخضاعهم. هذا فيما لا يضاهي استمرار الضربات الإسرائيلية إلّا دقّتها القاتلة؛ في إصابة مراكز هي في المبدأ سرية، ومسؤولين عسكريين وأمنيين وتمويليين، يُفترض ألّا تعرفهم إلّا الحلقة الضيقة في البيئة الحاضنة!”
تفضي بنا كل المعطيات الى خلاصة واحدة: قال الشيخ نعيم قاسم السبت الماضي: “فلتعلم أميركا أنّنا سندافع، حتى لو أطبقت السماء على الأرض، لن يُنزع السلاح تحقيقًا لهدف إسرائيل…” لكنّ الرئيس عون، استبق موقف قاسم الدونكيشوتي المُبكي بما يحاكي قصيدة الشاعر نزار قباني “قارئة الفنجان”. يقول الشاعر: “وطريقك مسدودٌ… مسدود… مسدود”. وقال رئيس الجمهورية: “في المفهوم العسكري الصّرف فإنّه عندما يخوض أي جيش معركةً ويصل فيها الى طريقٍ مسدودٍ يتمّ بعد ذلك الاتجاه الى خيار التفاوض…” يعلم قاسم أنّ طريقه ” مسدودٌ… مسدود… مسدود”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لبنان إلى “الأعظم”! | مات نصرالله… عاش قاسم! | ترامب وعون والخطر الزاحف إلى بيروت |




