الدولة تتحمّل المسؤولية: الفجوة المالية تهدد الاقتصاد والمودعين


خاص 17 كانون الأول, 2025

النسخة المُسرّبة من مشروع القانون المتعلّق بالفجوة المالية مثال صارخ على حلولٍ شكليَّةٍ: فهي تُحمّل الدولة نظريًا الخسائر، ثم تُعفيها عمليًّا عبر سندات غير سوقية، وتشطب الودائع عبر أبواب ملتوية، وتدفع المصارف نحو الإفلاس

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

يشهد لبنان منذ سنوات أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة، أثرت على كل مفاصل الدولة والمجتمع، وخلّفت فجوة هائلة في القطاع المصرفي والمالي. وفي ظل هذا الواقع الصعب، تصاعدت المخاوف حول مصير الودائع، ومدى قدرة الدولة على معالجة الخلل البنيوي في النظام المالي، وسط جدل محتدم حول حجم الفجوة المالية الحقيقية وكيفية توزيع الخسائر بين الدولة والمصارف والمودعين.

وفي هذا الإطار، أصبح مشروع القانون المتعلق بالفجوة المالية نقطة ارتكاز للنقاش العام، لا سيما بعد تسريبه في وقت حساس، ما أثار مخاوف من توجّه الدولة نحو حلول شكلية قد تضرّ بالمودعين وتضعف القطاع المصرفي بأكمله. ويزيد هذا التسريب من تعقيد المشهد المالي، إذ جاء في ظل استمرار الخلاف حول تقدير حجم الفجوة المالية، وهو ما يعكس بوضوح غياب توافق القوى السياسية والمالية على خطة إصلاح واضحة وشفافة.

وفي هذا الإطار يقول البروفسور مارون خاطر، الكاتب والباحث في الشؤون المالية والاقتصادية لـ”هنا لبنان”: “ما جرى في لبنان لا يمكن توصيفه كـ «انهيار طبيعي» للقطاع المَصرفي. نحن أمام أزمة نظامية غير مسبوقة، نتجت عن سياسات مالية ونقدية خاطئة، وعجز بنيوي في الدولة، وممارسات مصرفيّة عالية المخاطر. تحميل المصارف وحدها المسؤولية هو تبسيط مخلّ، كما أنّ تبرئتها خطأ جسيم. النظام بأكمله شارك في إنتاج الانهيار، وكل ركن من أركانه مطالب بتحمّل حصته العادلة من الخسائر”.

ويركز على خطورة الحلول القصوى قائلاً: “إنّ تطيير المصارف القائمة يحمل مخاطر كارثية على الاقتصاد اللبناني وعلى حقوق المودعين. فالإفلاس الشامل الذي تدفع إليه هذه التسريبات سيؤدي عملياً إلى شطب الودائع، وإلى القضاء على القواعد البيانية المصرفية التي تُعد ركناً أساسياً لأي نهوض اقتصادي. التجارب الدولية، كما يبيّنها صندوق النقد، تؤكد أنّ إعادة هيكلة المصارف يجب أن تتم عبر الاستمرارية لا الهدم الكامل”.

ويشير إلى المخاطر المحتملة للبدائل: “أما ما يطرح من بدائل مصرفية، فيبقى موضع شكّ. فغياب المصارف الأجنبية والعربية يفتح الباب أمام نماذج قد تحمل أجندات مالية أو سياسية خاصة، ما يهدد سيادة القرار المالي. والسؤال الجوهري: من سيستثمر في بلد لم يُصلح نِظامه بعد؟ أمَّا الجواب فمقلق، كي لا نقول مخيف”!

ويستنتج البرفسور خاطر: “في ظلّ هذا الواقع، يتّجه لبنان نحو نظام مالي مشوّه، لا يمكن إصلاحه من دون إصلاح النظام ككل. النسخة المسرّبة من مشروع القانون مثال صارخ على حلول شكلية: فهي تحمّل الدولة نظرياً الخسائر، ثم تعفيها عملياً عبر سندات غير سوقية، وتشطب الودائع عبر أبواب ملتوية، وتدفع المصارف نحو الإفلاس. إنها خطة لشطب كامل الودائع عبر تجاهل الودائع بالليرة من جهة وإصدار سندات دون أي قيمة والدفع باتجاه افلاس المصارف من جهة ثانية”.

ويختم حديثه بحل شامل: “لا يمكن القبول بحل للفجوة المالية يتحمله المواطنون الصالحون والمودعون. لذلك يجب على خريطة الطريق أن تبدأ بالاتفاق على رقم الفجوة، وبخطة توزيع عادل للخسائر على الدولة والمركزي والمصارف، بالتلازم مع محاسبة شفافة تقدم من أخطأ إلى المحاكمة وإصلاح عميق يعيد هيكلة القطاع المصرفي ويعيد ثقة المجتمع الدولي وثقة المودعين والمستثمرين به. فالهدف ليس ردم فجوة مالية فحسب، بل منع ولادة فجوة جديدة واستعادة الثقة بالدولة وبالقطاع المصرفي. فالإصلاح من دون محاسبة وهم، والمحاسبة من دون إصلاح انتقام، ولبنان لا يحتمل لا هذا ولا ذاك”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us