واشنطن لبيروت: انتهى زمن الشيكات على بياض!

ترجمة هنا لبنان 17 كانون الأول, 2025

ترجمة “هنا لبنان”

كتبت Amal Chmouny لـ”This is Beirut“:

وجّه الكونغرس الأميركي رسالةً صارمة إلى لبنان: لا للدعم غير المشروط للقوات المسلّحة اللبنانية. فوفق النسخة الأخيرة من قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2026 (NDAA) ، سيُصار إلى فرض قيود وشروط جديدة على المساعدات الأميركية للجيش اللبناني. والهدف واضح بلا مواربة: معالجة تلكّؤ بيروت في تنفيذ الإصلاحات ونزع سلاح حزب الله.

هذا القانون يمثل تحولًا استراتيجيًا في سياسة واشنطن، التي لطالما دعمت الجيش اللبناني باعتباره صمّام أمان للسيادة اللبنانية وتوازنًا أمام قوة حزب الله.. لكن النتائج غير مرضية، فبينما تعزّزت ترسانة الحزب وازداد نفوذه السياسي، تدهورت مؤسسات لبنان واقتصاده بسبب الفساد وسوء الإدارة.

وفي هذا السياق، أوضح أحد مساعدي لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب أنه “لا يمكننا الاستمرار بتحرير الشيكات بينما يتصرف الجيش اللبناني وحزب الله كجيشين متوازيين. وفي نهاية المطاف، يبدو وكأننا لا نقوم إلا بتمويل استدامة الوضع الراهن”. الرسالة واضحة: سياسة “المساعدات كما هي” ما عادت مقبولة، وواشنطن تتوقع تحركًا فعليًا من بيروت.

مضاعفة الشروط على دعم الجيش اللبناني

قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2026 (NDAA) ربط المساعدات الأميركية بتقدم لبنان على مستوى الحوكمة ومواجهة بنية حزب الله الأمنية الموازية، مؤكدًا أن واشنطن لن تمنح دعمًا دون تحقق من النتائج.

وعلى الرغم من أن الجيش اللبناني سيحصل على مساعدات لمكافحة الإرهاب، ستبقى هذه الأخيرة مقيدة بحيث تركز على مواجهة حزب الله وحماس وداعش والجماعات المماثلة، ما يعني أنّ الأموال لن تُستخدم إلّا لتعزيز قدرات الجيش في مواجهة هذه التهديدات. الهدف واضح: تضييق الفجوة بين رغبة واشنطن في تعزيز سلطة الدولة اللبنانية وبين النفوذ المتجذر لحزب الله.

كما ينص القانون على رفع تقارير دورية للبنتاغون بخصوص جهود الجيش اللبناني لتفكيك البنية العسكرية لحزب الله. وبحلول 30 يونيو 2026، يجب تقديم تقرير مفصل إلى لجان الدفاع في الكونغرس، يشمل معايير واضحة لتقييم التقدم.

أما في حال تأخر التقدم، قد يُعلّق الدعم الأميركي للأمن، ما يحول سياسة واشنطن من دعم مفتوح إلى نهج مشروط فيصبح كل جزء من المساعدات مرتبطاً بإجراءات ملموسة لنزع السلاح في لبنان.

وفي هذا الإطار، علق البرلماني الأميركي دارين لحود، وهو من أبرز داعمي أحكام الشرق الأوسط في القانون، في حديث لـThis is Beirut بضرورة “استخدام الدعم لنزع سلاح حزب الله بالكامل في لبنان”، مضيفًا أن “الولايات المتحدة ستواصل متابعة وقياس التقدم”.

تنامي الشكوك حول نوايا لبنان

ويواصل حزب الله انتهاك وقف إطلاق النار الموقع في 27 تشرين الثاني 2024 بين إسرائيل ولبنان، بعدم تسليم أسلحته، بينما اقتصرت جهود الجيش اللبناني على مناطق جنوب الليطاني فقط. وعزز هذا الموقف لدى واشنطن الانطباع بأن بيروت غير مستعدة أو عاجزة عن مواجهة الحزب بشكل مباشر.

الدبلوماسي الأميركي المتقاعد ألبيرتو فرنانديز لفت إلى أن “قانون NDAA يوضح أن الجيش اللبناني لن يحصل على مساعدات مجانية بعد الآن. من غير المنطقي أن تمول الولايات المتحدة جيشًا غير مستعد لمواجهة منظمة إرهابية أجنبية”.

هذا الرأي بات سائداً في الكونغرس الأميركي، حيث يرى المشرّعون أن واشنطن تدعم بنية أمنية تتفادى المس بالقدرات الأساسية لحزب الله. ولذلك يدعو القانون لتقديم تقرير حول تقدم الجيش اللبناني ضد ترسانة الحزب، الأمر الذي يعكس شكوك واشنطن حول استعداد بيروت للتحرك بجدية.

المدير التنفيذي لمعهد واشنطن روبرت ساتلوف لسياسات الشرق الأدنى، علق بدوره قائلاً إنّ “بعض أعضاء الكونغرس يشكّون في التزام الجيش اللبناني بنزع سلاح الميليشيات، وخصوصاً حزب الله”. وأضاف أنّ هذه الشكوك زادت بسبب اقتراحات من سياسيين وعسكريين لبنانيين بالاكتفاء بـ”احتواء” أسلحة الحزب بدلاً من مصادرتها فعليًا، ما يتعارض مع شروط وقف النار. وأشار إلى وجود إشارات من بيروت تُظهر تردّدًا في نزع سلاح الميليشيات شمال الليطاني.

في المقابل، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام في 27 تشرين الثاني أنّ الجيش يخطط لمصادرة أسلحة حزب الله جنوب الليطاني بحلول نهاية العام، مع الحفاظ على سياسة أوسع لاحتواء السلاح ومنع تحركاته في مناطق أخرى.

“وأثار ذلك، على حد تعبير ساتلوف، قلق بعض أعضاء الكونغرس. القانون يطلب فقط تقريرًا عن ذلك في العام المقبل، لكنه يرسل رسالة واضحة للحكومة والجيش اللبناني: واشنطن تراقب عن كثب. الأمر ليس عقابيًا، لكنه يوضح أنّ هذه القضية تحت المراقبة الحثيثة”.

لبنان أمام اختبار الجدية

بنود قانون NDAA لعام 2026 الخاصة بلبنان تأتي وسط ضغط دولي متزايد على بيروت لتنفيذ أجندة إصلاحية طال انتظارها مقابل الدعم المالي الدولي. من مفاوضات صندوق النقد الدولي إلى حزم الاستقرار الخليجية والأوروبية، ربط المانحون المساعدات بتغييرات ملموسة في الحكم وسياسة الطاقة ومساءلة المصرف المركزي. وعلى الرغم من هذه الجهود، ما زالت عمليات التنفيذ متعثرة بشكل كبير.

من خلال ربط المساعدات الأمنية بتقدم لبنان في نزع سلاح حزب الله، يضع الكونغرس القضية الأكثر حساسية في البلاد -سلاح الحزب- في قلب النقاش حول الدعم المشروط. ويشير تعليق دبلوماسي أميركي سابق بأن “لا وجبات مجانية بعد الآن” وأنّ المشرعين الأميركيين لن يفصلوا بين سمعة الجيش اللبناني المهنية والنظام السياسي الذي يخدمه، خصوصًا في ظل وجود ميليشيا قوية مدعومة من إيران خارج سيطرة الدولة.

المسؤولون اللبنانيون يؤكدون أن الضغط على الجيش لمواجهة حزب الله قد يؤدي إلى صراع أهلي. وفي المقابل، يحذر بعض المسؤولين الأميركيين من أن قطع المساعدات الأمنية قد يضعف أهم مؤسسة مستقرة في البلاد. ويسعى القانون للموازنة بين هذين التحديين عبر تقييد المساعدات بشرط الوفاء بالتوقعات، وليس قطعها بالكامل.

ويحمل NDAA 2026 تغييرات تدريجية ولكن مهمة: فالمساعدات مرهونة بتحقيق أهداف واضحة وتحت إشراف دقيق. وهذا يعكس التوجه الأميركي الأوسع لربطها بالإصلاحات الملموسة لدى الدول الشريكة، مع التركيز على تقليل قوة الميليشيات غير الحكومية، وتحديدا تلك المدعومة من إيران.

وفي حال حافظ حزب الله على قدراته واستمر الجيش اللبناني في تجنب المواجهة المباشرة، يشير القانون إلى تصعيد شروط المساعدة، بما في ذلك إمكانية تعليق أو إعادة توجيه الأموال. باختصار، المساعدات الأميركية مشروطة بخطوات واضحة ومحددة من بيروت.. ونفاد صبر واشنطن بات قاب قوسين أو أدنى.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us