من بيروت إلى أورشليم: سبع سنوات لصناعة السلام والصلاة

اللحظة الراهنة مختلفة: فمع دعوة رسول السلام، لم يعد الحلم كافيًا، بل بات واجبًا وطنيًا وروحيًا العمل لاستقبال الحبر الأعظم، والصلاة معًا في القدس… وبسلام.
كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:
أمام اللبنانيين سبعُ سنواتٍ لا أكثر، للاستعداد لملاقاة الحبر الأعظم البابا لاوُن الرابع عشر في منبع الإيمان: القدس. سبع سنوات ينبغي أن تُستثمر في تهيئة الشروط السياسية والروحية اللازمة لإنجاح الرحلة الروحية المشتركة التي دعا المسيحيين إلى مواكبته فيها، في حجٍّ تاريخي نحو “يوبيل الفداء” سنة 2033.
دعوةٌ اختار الحبر الأعظم أن يطلقها من الشرق، خلال أول جولة رسولية له خارج الفاتيكان، خصّ بها تركيا ولبنان. وجّهها وهو في طريقه إلى لبنان المتألّم، التوّاق إلى التمسك بشعار الزيارة الكبير والمتواضع في آن “طوبى لفاعلي السلام”. بما يحمل من دعوة مباشرة لتحمّل المسؤولية والانخراط الفعلي في صناعة السلام، لا الاكتفاء بالحديث عنه.
لم يمضِ أكثر من عشرين يومًا على الزيارة التاريخية لرسول السلام البابا لاوُن الرابع عشر إلى لبنان، حتى عاد اللبنانيون، عشية عيد الميلاد، إلى سجالاتهم السياسية الداخلية. سجالاتٌ، وإن بدا بعضها بالغ الأهمية؛ لا سيما في ما يتعلق بمواجهة مشروع قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع الذي قدّمه رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام، مراعياً شروط صندوق النقد الدولي، ومطيحاً بحقوق المودعين في المصارف، والعمل على إسقاط هذا المشروع المشبوه الذي يستهدف ما تبقى من القطاعات المنتجة في لبنان… إلا أن ذلك لا يعفي اللبنانيين التواقين إلى السلام من مسؤوليتهم الأوسع: العمل بالزخم نفسه من أجل إحلال السلام والإستقرار في المنطقة، وتذليل الحواجز التي تحول دون الحج إلى العليّة والصلاة في القدس. وذلك استجابةً مباشرة لدعوة الحبر الأعظم الكاثوليك والأرثوذكس إلى أن يكونوا صانعي سلام، في زمنٍ تتكاثر فيه الصراعات الدامية، وتتمدّد فيه دوائر العنف في القريب والبعيد.
وإذ شدّد البابا لاوُن الرابع عشر على أن السلام ليس مجرّد نتاج جهدٍ بشري، بل عطية من الله، تُنال بالصلاة والتوبة والتأمل، وبعلاقة حيّة مع الرب تُمكّن الإنسان من تمييز المبادرات والأفعال التي تخدم السلام حقًا؛ جاء رفع شعار “طوبى لفاعلي السلام” متزامنًا مع مزايدات فجّة من إحدى المتزلفات الشعبويات، التي انحدرت في خطابها وممارساتها التملّقية إلى مستوى استجداء رضا أبواق “حزب الله” الرخيصة، مجاهرةً بوشاية فاقدة لأركانها القانونية، في محاولة مكشوفة لتحقيق مكاسب انتخابية عبر اعتماد استراتيجية التخوين ذاتها لأذرع إيران، القائمة على وسم الخصوم بتهمة العمالة والصلات غير المشروعة مع إسرائيل.
غير أن أهمية استعادة هذه المسألة لا تهدف فقط إلى فضح هذا الانحطاط الأخلاقي، بل تفتح الباب جديًا أمام مطالبة جميع النواب المسيحيين، والقوى السياسية والأهلية، بتحديد موقف واضح وصريح من دعوة البابا، والعمل فعليًا من أجل ملاقاته في أورشليم والاحتفاء بيوبيل الفداء عام 2033.
ليست هذه المرة الأولى التي يحتفل فيها المسيحيون في لبنان بالأعياد وأنظارهم شاخصة إلى الأرض المقدسة التي شهدت ولادة يسوع المسيح.. وقيامته، وقلوبهم مثقلة بحرقة العجز عن الحج إلى أورشليم. إلا أن اللحظة الراهنة مختلفة: فمع دعوة رسول السلام، لم يعد الحلم كافيًا، بل بات واجبًا وطنيًا وروحيًا العمل لاستقبال الحبر الأعظم، والصلاة معًا في القدس… وبسلام.
سبع سنوات فقط، تتطلب نوابًا وقوى سياسية قادرة على رفع شعار: “سنصلي في القدس… وبسلام”، وأن تُرفق الشعار بعمل مؤسساتي جاد يترجمه واقعًا، لا أن تتخاذل تحت وطأة الحسابات الانتخابية والمصالح السلطوية الرخيصة.
فالمطالبة بخروج جيش النظام الأسدي البائد من لبنان لم تكن يومًا محل إجماع، لكن قلّة من النواب امتلكت الجرأة على المجاهرة بها، وحوّلتها إلى قضية وطنية ودولية، انتهت بخروج جيش بشار الأسد عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وكذلك، لم يجرؤ إلا عدد محدود، لا بل كوكبة من قادة الرأي، على المطالبة برفع الاحتلال الإيراني عن لبنان، فلاقوا الإقصاء والتنمّر، من قوى “سيادية”، قبل أن تستفيق متأخرة على توريط سلاح “حزب الله” الإيراني لبنان في حرب مدمّرة لا تزال تداعياتها قائمة حتى اليوم.
من هنا، وأمام محاولات الأذرع الإيرانية استنهاض أبواق التخوين والتهديد في وجه “جماعة السلام”، وتحويل المطالبة بالعيش الكريم والاستقرار إلى شبهة، تبرز الحاجة إلى مبادرة فعلية تدفع المعنيين من نواب وقادة رأي، إلى تحديد خياراتهم بعد انخراط الجمهورية اللبنانية بمسار التفاوض المباشر مع إسرائيل لحلّ الملفات العالقة بين البلدين، والعمل بعدها على تهيئة ظروف الحجّ والصلاة في القدس… وبسلام.
مبادرة تبدأ أولًا بإلغاء الخوف من المجاهرة بـ”السلام” في النفوس، والسعي، في موازاة ذلك، إلى شطب ما يحرّمها في النصوص، ويَحرم اللبنانيين الحجّ إلى الأراضي المقدسة في أورشليم.
مواضيع مماثلة للكاتب:
أخطبوط الإرهاب بلا حدود يهدّد أمن العالم من غزّة إلى سيدني! | الوقت يختبر السلطة: لا مراوغة مع السلام! | “رسول السلام” في لبنان… المسيحيّون بين استعادة الدور وصوغ السلام! |




