لبنان: عيد الميلاد في زمن “الاضطرابات”

ترجمة هنا لبنان 25 كانون الأول, 2025

كتب Marc Saikali لـ”Ici Beyrouth“:

يأتون على دفعات.
أبناء الاغتراب، محمّلين بتذاكر طيران بأسعار فلكية ومسارات سفر أشبه بمغامرات “كوه لانتا”، يصلون إلى لبنان في موسم الميلاد. يمكن تمييز القادمين من الولايات المتحدة أو كندا بسهولة: ساعات انتظار طويلة، رحلات مرهقة، محطات ترانزيت ضائعة أحيانًا، ليالٍ بلا نوم، عيون متعبة… لكن بابتسامة لا تفارق الوجوه. كل ذلك للعودة إلى بلدٍ غارقٍ فعليًا في القاع، ومحتفلٍ رسميًا وكأنّ شيئًا لم يكن.

موضوعيًا، لا شيء على ما يرام.
البلد يتأرجح بين تهديد بالحرب وحرب قائمة. الحكومة تحاول تجريد مواطنيها من حقوقهم عبر حيَل مالية قاتمة، وتدفع النظام المصرفي نحو الهاوية لاستبداله بآخر أكثر طواعية. الكهرباء لا تزال فكرة نظرية. الاقتصاد نكتة سيئة تبدأ ولا تنتهي. وحزب الله، على عادته، يرفض تسليم سلاحه، رغم أنّ ذلك يفترض أن يكون أولوية الأولويات لدى المسؤولين.
باختصار: لا حلّ لأي ملف، لا شيء مستقر، ولا إشارات مطمئنة.
ومع ذلك…
الشوارع تلمع.
أشجار الميلاد تحتلّ الأرصفة كأنها أفعال مقاومة مزخرفة. الأضواء تلمع رغم سواد العتمة الدامس. مراكز التسوق تغزوها عروض “البلاك فرايداي”. المطاعم ممتلئة، صاخبة، نابضة بالحياة… أحيانًا أكثر مما ينبغي.
لكن بأي ثمن؟
الفواتير باهظة، أحيانًا فاضحة، وغالبًا منفصلة تمامًا عن واقع البلد. عشاء واحد، مؤلف من قطعة لحم بقر برازيلي مغمّسة بصلصة الفلفل، يساوي راتب شهر كامل. نقاشات في الجيوبوليتيك على طاولات مقاهٍ أغلى من إيجارات المارين بجانبها غير قادرين على دخولها. وبينما يرفع البعض كؤوسهم احتفالاً، تكتفي شريحة واسعة من الناس بالنظر عن بعد: تشاهد الواجهات، والأضواء، والمطاعم المكتظة. تشاهد احتفالات عيد الميلاد دون أن تشارك بها.
ومع ذلك، لم يختفِ عيد الميلاد.
فمن لا يملك ثمن وجبات المطاعم، يحتفل بطريقة أخرى. في البيت. مع العائلة. موائد متواضعة لكنها عامرة. يتشاركون الأطباق المنزلية وسط أحاديث لا تنتهي، أحيانًا بلا وسائل تدفئة… لكن دوما في كنف دفء إنساني. تُقطَّع الكعكة إلى حصص أصغر، تُمدَّد أطباق المازة، ويُمدَّد قبل كل شيء الوقت الذي يُقضى معًا.
في لبنان، حين لا نستطيع الخروج، نجتمع.
هذه الحقيقة تعيش جنبًا إلى جنب مع الحقيقة الأخرى. وهنا يكمن التناقض كله.
الطائرات ممتلئة.
ممتلئة بلبنانيين يعرفون تمامًا إلى أين يأتون… ويأتون رغم ذلك. بدافع التعلّق، أو العادة، أو رفضهم ترك بلدهم يُقتل بلا شهود.
هل هو تصرّف غير عقلاني؟ نعم.
هل هو غير مفهوم؟ بالنسبة للأجنبي، بالتأكيد.
أما بالنسبة لكل لبناني، فهو يكاد يوازي المنطق.
لأنّ عيد الميلاد هنا ليس مجرد مناسبة. إنه ردّة فعل جماعية. طريقة لمواجهة الفوضى وكأنّ الشعب يقول لها: لن تنتصري بالكامل. نحتفل وسط الاضطراب. نأكل كأنّ الغد مضمون، لأنه غير مضمون.

ففي لبنان، حتى عندما يهدد كل شيء بالانطفاء، يضيء عيد الميلاد.
وطالما أنّ هذا الضوء يمر عبر البيوت بقدر ما يمر عبر الواجهات، فربما يبقى أصدق أشكال المقاومة.

قال ألبير كامو:
“في قلب الشتاء، اكتشفت في داخلي صيفًا لا يُقهر”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us