رسالة ميلاد غير مسبوقة ودعوة إلى السلام في المشرق

عرب وعالم 25 كانون الأول, 2025

للمرة الأولى منذ عودته إلى السلطة، وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء أمس رسالة مباشرة إلى المسيحيين في العالم بمناسبة عيد الميلاد. رسالة رمزية أُلقيت من القدس، شكّلت تحوّلًا لافتًا في الخطاب، وتجاوزت بكثير إطار التهنئة الدينية التقليدية.

من خلال تسليط الضوء على الوجود المسيحي في الأرض المقدسة وحرية العبادة المكفولة في إسرائيل، سعى رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى إدراج خطابه ضمن رؤية إقليمية أوسع، قوامها حماية الأقليات الدينية، والتعايش الطائفي، والاستقرار في المشرق.

المسيحيون واليهود: مصير مشترك في المشرق
يذكّر خطاب الميلاد لبنيامين نتنياهو بحقيقة غالبًا ما تحجبها النزاعات: المسيحيون واليهود هم مجتمعات أصيلة في المشرق، متجذّرة في تاريخه وثقافته وجغرافيته الروحية. إنّ بقاء هذه الجماعات وازدهارها لا يندرجان فقط ضمن اعتبارات دينية، بل يشكّلان رهانًا حضاريًا وسياسيًا أساسيًا.

في منطقة تطبعها الحروب والتطرّف وانهيار الدول، يبقى التعايش بين المسيحيين واليهود مؤشرًا أساسيًا على الاستقرار. فحيثما تستطيع هذه الجماعات العيش بحرية، وممارسة شعائرها من دون خوف، والمشاركة الكاملة في الحياة العامة، تكون المجتمعات عمومًا أكثر انفتاحًا وتعددية وقدرة على الصمود.

لبنان: مفترق هشّ للتوازنات الطائفية
تكتسب هذه المسألة أهمية خاصة بالنسبة إلى لبنان، البلد الذي تأسّس تاريخيًا على التعددية الدينية والتعايش الطائفي. إلا أنّ إضعاف الدولة، والهجرة الواسعة للمسيحيين، وتنامي هيمنة المنطق العسكري–الإيديولوجي، كلها عوامل أدّت إلى تقويض هذا التوازن بعمق.

في هذا السياق، لا يُعدّ السلام الإقليمي فكرة دبلوماسية مجرّدة، بل ضرورة حيوية. فبالنسبة إلى لبنان، يرتبط السلام باستعادة السيادة، والاستقرار الاقتصادي، وحماية نموذجه التعددي. أما بالنسبة إلى إسرائيل، فيمثّل أفقًا استراتيجيًا يؤمّن حدودها الشمالية ويؤسس لعلاقات إقليمية مستدامة.

لماذا أصبحت السلامة الإسرائيلية–اللبنانية ضرورة لا مفرّ منها؟
يأتي خطاب بنيامين نتنياهو، من دون أن يذكر لبنان مباشرة، في مرحلة تشهد تحرّكًا في المسارات الدبلوماسية. فقد أظهرت اتفاقات وقف إطلاق النار، وآليات خفض التصعيد، والمحادثات غير المباشرة حدودها. وعلى المدى الطويل، لا يمكن منع المشرق من الانزلاق الدوري إلى الحرب إلا من خلال سلام تفاوضي قائم على المصالح المتبادلة وضمانات أمنية متقابلة.

بالنسبة إلى لبنان وإسرائيل على حد سواء، تبقى مواصلة المفاوضات المباشرة — ولو كانت هادئة، تدريجية وبراغماتية — أمرًا أساسيًا. فهي تتيح معالجة الملفات الأمنية والحدودية والاقتصادية من دون وسطاء مُسَيَّسين، وترسيخ الحلول في واقع الميدان.

رسالة دينية، ورهان سياسي
بتوجيهه رسالة عيد الميلاد إلى المسيحيين، بعث بنيامين نتنياهو بإشارة تتجاوز البعد الديني. فقد شدّد على أنّ حماية الأقليات، وحرية المعتقد، والتعايش، لا تتعارض مع متطلبات الأمن، بل يمكن أن تشكّل أساسه.

في مشرقٍ ممزّق، حيث تُستَخدم الجماعات مرارًا وقودًا للصراعات، فإنّ السلام بين إسرائيل ولبنان لن يكون مجرد تحوّل استراتيجي، بل رسالة أمل للمسيحيين واليهود وسائر شعوب المنطقة، مفادها أنّ التعايش الدائم لا يزال ممكنًا، شرط الإرادة وبنائه عبر الحوار.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us