في مواجهة الانقلاب

قبل صدور البيان الأخير لرؤساء الحكومة السابقين، وفي أعقاب اعتذار الرئيس الحريري عن عدم تشكيل الحكومة، كان الوضع السياسي والدستوري في البلاد مثيراً للقلق.

قلّة قليلة من المعلّقين لمّحت إلى الأبعاد البعيدة لهذا الحدث، ليس على الدستور فحسب بل على المعادلات الطائفية الحسّاسة في السلطة. فإن تمكّن رئيس الجمهورية، بتصلّبه وعناده، من “تطفيش” رئيس الحكومة المكلّف ومنعه من إنجاز مهمّته يعني انقلاباً على قاعدة دستورية أساسية من قواعد اتّفاق الطائف.

بل هو ربّما انقلاب على أهمّ التغييرات التي أدخلها اتّفاق الطائف على نظامنا الدستوري، حيث رفعت يد رئيس الجمهورية بصورة مطلقة عن التأثير في اختيار رئيس الحكومة الذي بات يسمّى نتيجة الاستشارات النيابية الملزمة. فإذا كان رئيس الجمهورية يقبل، موقتاً، على مضض، اختيار الأكثرية النيابية للرئيس المكلف ثم يأخذ وقته في رفض التشكيلات الحكومية التي يقدّمها الأخير الواحدة بعد الأخرى فسيجد الرئيس المكلف نفسه أمام الجدار المسدود ويعتذر.

إذا كان ذلك ممكناً فأي أهمّية لاختيار رئيس الحكومة في الاستشارات الملزمة؟ ألا يعني ذلك أن رئاسة الجمهورية أصبح لها من جديد اليد العليا في اختيار رئيس الحكومة كما كان الأمر قبل الطائف؟

المقصود ببيان رؤساء الحكومة الذي صدر الأحد الماضي من بيت الوسط، أن الاشتباك لم ينته باعتذار سعد الحريري، وبالتالي فإن الفريق الذي يمثله الرؤساء لا يعترف بالانقلاب على الدستور ولا بالنتائج الموقّتة التي أفضى إليها الاعتذار. وهو يعيد التمسّك بالثوابت المتمثّلة بوثيقة الوفاق الوطني والدستور “بعيدا عن البدع والانتهاكات” ويعيد التركيز على احترام الدستور، بمفهوم اتفاق الطائف، كما يكرّر أركان الفريق نفسه في مختلف المناسبات.

صحيح أن اتّفاق الطائف ليس كاملاً ونصوصه لا تضمن بناء ديموقراطية نموذجية في لبنان، لكن الحفاظ عليه واحترام مضامينه المباشرة وغير المباشرة يحافظ على الاستقرار الذي حل محلّ لغة المدافع بعد خمسة عشرة سنة من القتال..

بالمقابل، لا يجوز التعامل مع دستور الطائف على أنه نصّ بدون نواقص، وخاتمة المطاف في تطوّر لبنان السياسي والديمقراطي. فالطائف، الواجب الاحترام، يحتاج إلى استكمال نواقصه، وكذلك إلى تصحيح الثغرات الجسيمة في طرق تطبيقه.

المصدر: غسان العياش – صحيفة النهار

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us