استقلال 1943 مجرد ذكرى سنوية: لبنانيون لم يأخذوا العبر من التاريخ والأخطاء تتكرّر!


أخبار بارزة, خاص, مباشر 23 تشرين الثانى, 2021

كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:

“إنّ أكثر الدروس المستفادة من التاريخ هي أنّنا لا نستفيد من دروسه”، مقولةٌ تنطبق على اللّبنانيين منذ الاستقلال عام 1943 حتّى اليوم.
لبنان كان ولا يزال على خطّ الزلازل، استقلاله يهتزّ وحتى دُمِّر في بعض الحقبات.
أيُّ لعنةٍ تصيب هذا البلد في كلّ مرّةٍ يحاولون بناء دولةٍ بكلّ ما للكلمةِ من معنى؟ هل تركيبته هي السبب؟ أم موقعه الجغرافي؟ أم بسبب النظام؟ أم تربية أبنائه؟
أسئلةٌ مشروعةٌ في وطنٍ لم يعرف أبناؤه الحفاظ عليه في كلّ عهود الجمهورية وإن تفاوتت بين فترةٍ وأخرى بحسب الظروف.

منذ العهد الأول والمصاعب تواجه هذا الكيان، عراقيل تحدّث عنها لـ “هنا لبنان” أستاذ التّاريخ والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الدكتور عماد مراد، مؤكّدًا أنّ “رجل الاستقلال بشارة الخوري لم ينجح في تطبيق الاستقلال والسّيادة بشكلٍ كاملٍ وإقامة دولةٍ ديموقراطيةٍ برلمانيةٍ فيها قضاءٌ مستقلٌّ. فكانت المحاصصة والمحسوبيّات والفساد، وجدّد لنفسه في ظلّ علامات استفهامٍ حول نزاهة الانتخابات النيابيّة في العام 1947. أضف إلى ذلك تصرفات أخيه الذي لُقِّب بالسلطان سليم لتسلّطه على مفاصل الدولة وكبار الموظفين فيها وتورّطه بملفّاتِ فساد.
هذه التصرفات أدّت إلى تكوين نظرة سيّئة لدى المواطنين إلى السلطة والرؤساء والسياسيين، لأنّ النموذج الأول كان سيّئًا. فكان سقوط بشارة الخوري في الشارع في ظلّ ثورةٍ شعبيةٍ عام 1952. وأبدى أقرب المقربون من الرئيس الخوري انزعاجهم من تصرّفاته وتصرّفات أخيه حتى أنّ كميل شمعون وهنري فرعون ابتعدا عنه. وتشكّلت معارضةٌ مسيحيّة-إسلاميّة على رأسها كمال جنبلاط وكميل شمعون”.
في العام 1952 انتُخب كميل شمعون رئيسًا للجمهورية بعد حكومةٍ انتقاليةٍ على رأسها قائد الجيش فؤاد شهاب، وكما يروي مراد فقد كان هدفها “العمل على انتخاب رئيس جمهورية. إلّا أنّ الانفصال بين شمعون وجنبلاط وقع بمجرد انتخاب الرئيس، والسبب بحسب جنبلاط هو أنّ شمعون لم يحاسب الأزلام والفاسدين في عهد بشارة الخوري لأن جميعهم موارنة وإن حاسبهم سيمتعض الشارع المسيحي”.

الطعنة الأولى للاستقلال
تميّز هذا العهد طيلة خمس سنين ونصف بالتطور والازدهار والاقتصاد الحر والبحبوحة حتى وصل المدّ الناصري في الأشهر الستة الأخيرة من العهد، وازداد عدد الفلسطينيين بعد نكبة 1948 وانتشرت المخيمات إضافة إلى اتهام الموارنة بأنهم يسيطرون على البلد.
حتى وقعت الحرب عام 1958، حرب يصفها مراد بـ “حربٍ أهليةٍ بين المسيحيين والمسلمين، المسيحيون يرأسهم كميل شمعون معه بيار الجميل والكتائب وأقلية مسلمة مدعومين من الغرب خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، أما المسلمون فيرأسهم كمال جنبلاط ورشيد كرامي وعادل عسيران ومعهم بعض المسيحيين.
كانت حرب شوارعٍ، قتل، خطف، امتدت لأربعة أشهر، وقف خلالها الجيش على الحياد. وفيما كان كميل شمعون متّهماً بالعمل على التجديد لنفسه، كان المخرج، وحتى يؤكّد لهم عكس ذلك، بانتخاب قائد الجيش فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية قبل أن تنتهي ولاية شمعون، إلا أن الأخير كان واضحاً أنه لن يسلم الحكم قبل انتهاء ولايته”.
الأيام الأولى من عهد شهاب الذي انتُخب تحت شعار “لا غالب ولا مغلوب” شهدت ثورةً مضادّةً من المسيحيين والكتائبيين بعد أن شكّل حكومةً أغلبيتها من الناصريين برئاسة رشيد كرامي إلا أنه عاد وشكّل حكومةً رباعيةً شهيرةً من أربعة أشخاص: بيار الجميل، ريمون إده، رشيد كرامي وحسين العويني.
هذه الحكومة وبحسب مراد “عملت بشكلٍ كبيرٍ بين عامي 1958 و1960 وعملت على تثبيت الإدارة وشكلت مجالس إدارية هامة: التفتيش المركزي، الضمان، مجلس الخدمة المدنية ونظمت انتخابات عام 1960 التي كانت مثالية.
تميز عهد شهاب في أول سنتين بالازدهار السياسي الكامل، المالي، التجاري، الفني… وأكبر دليل هو اجتماع شهاب مع جمال عبد الناصر في خيمة على الحدود مع لبنان: شهاب في الجانب اللبناني وعبد الناصر في الجانب السوري حتى لا يقال أنّ لعبد الناصر سلطة في لبنان.
في العام 1960 وبعد عامين من ولايته وإجراء الانتخابات النيابية، رأى شهاب أنّ البلاد استقرّت وعادت إليها الحياة الديموقراطية فقدّم استقالته بعد أن أرسى السلام وثبّت الاستقلال، هذا القرار فاجأ الجميع فتداعى السياسيون من نوابٍ ووزراء إلى منزله وأقنعوه بالبقاء في منصبه”.
ويؤكد مراد أن “السلطة بقيت قويةً في عهده في ظل مكتبٍ ثانٍ ومخابرات قوية تتدخل أحياناً في السياسة ولكن لم تؤثر على السيادة والاستقلال على رغم المراقبة الدائمة لعمل السياسيين. ولكن شهاب وعلى رغم الازدهار الذي شهده عهده، لم يقبل التجديد انطلاقاً من قناعته أن على الرئيس الالتزام بالولاية المحددة”.

الطعنة الثانية للاستقلال
في العام 1964 انتخب شارل حلو رئيساً للجمهورية واستمر الازدهار في عهده ولكن الامتداد الفلسطيني وبحسب مراد “بدأ يؤثر على الحياة السياسية والعسكرية، ووقّع لبنان مع فلسطين ومصر على اتفاقية القاهرة التي شرّعت الكفاح الفلسطيني المسلح من الأراضي اللبنانية لتحرير فلسطين، وهنا كانت الهزة الكبرى لسلاح الدولة وهيبتها، وافق عليها حينها معظم السياسيين فيما عارض ريمون إده، بيار الجميل وكميل شمعون، إلّا أنّ هذه المعارضة لم تتخطّ التأكيد أنّ الاتفاقية خطأ.”
مراد يلفت إلى أنه في تلك الفترة “عارض الشاب اليافع المندفع اللبناني المتمسك بلبنانيته وقيمه بشير الجميل اتفاقية القاهرة إلى أقصى الحدود وبدأت التدريبات في عهد شارل حلو مع بشير الجميل والكتائبيين في صنين وفاريا وعيون السيمان لمواجهة أي خطر في المستقبل يأتي من الفلسطينيين.
استمرّ الازدهار مع شارل حلو حتى العام 1970 وبدأت المناوشات بين الجيش اللبناني والفلسطينيين من منطقة إلى أخرى وبين المسيحيين والفلسطينيين، فيما ناصرت الأحزاب المسلمة الفلسطينيين إلى أقصى الحدود وعاد الشرخ في الشارع اللبناني.
وتشكل الحلف الثلاثي ريمون إده وكميل شمعون وبيار الجميل لمواجهة الانتشار الفلسطيني، هذا التحالف المسيحي القوي أدى إلى انتخاب سليمان فرنجيه رئيساً للجمهورية عام 1970. وكانت محاولة للتمسك بالكيان اللبناني والاستقلال مع اعتراض مسلم على المواجهة مع الفلسطينيين”.

الطعنة الثالثة للاستقلال
بين الـ 1970 و1975 ازدادت المواجهات في الشارع بين الجيش اللبناني والفلسطيني، ومواجهات بين الكتائب والأحرار من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى.
وبدأنا نفقد الاستقلال مع هيمنة السلاح الفلسطيني على الحياة السياسية على رغم معارضة رئيس الجمهورية لهم والجيش والمسيحيين أغلبهم.
هذا الاحتقان الفلسطيني- اللبناني، حسب مراد “تحول إلى شحن مسلم مسيحي انفجر في 13 نيسان 1975 وكانت الحرب الأهلية التي استمرت 15 سنة فقدنا فيها الاستقلال كليا”.

الطعنة الرابعة للاستقلال
زاد من ضياع هذا الاستقلال بحسب مراد “دخول الجيش السوري إلى لبنان عام 1976 وانتشاره في المناطق اللبنانية برضا أميركي- إسرائيلي- غربي، هيمن على الحياة السياسية ورسّخ الانشقاق اللبناني- اللبناني، ولم يقبل المسيحيون وبشير الجميل بهذه الهيمنة السورية وتحولت الحرب إلى مسلم- سوري- فلسطيني ضد المسيحي واستمرت الحرب الأهلية إلى عام 1990.
في العام 1990 أتى قرار أميركي-غربي-عربي بوقف الحرب بعد أن شاركت سوريا بحرب العراق إلى جانب الولايات المتحدة الاميركية فأعطوها لبنان كجائزة ترضية وتم الإعلان عن اتفاق الطائف بموافقة سورية سعودية عربية.
هيمنت سوريا على السياسة الداخلية وتحكمت بانتخاب رؤساء الجمهورية من الياس الهراوي إلى إميل لحود والتمديد لهما، واستمر الاحتلال حتى عام 2005”.

الاستقلال الثاني ولكن…
في العام 2005 بدأت الاغتيالات مع محاولة اغتيال مروان حماده ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتحرّر لبنان ونال الاستقلال الثاني ألا أن كثيرون كما أكد مراد “اعتقدوا أنه مع انسحاب الجيش السوري سيسقط أزلامه، ما لم يحصل في ظل وجود نفوذ لحزب الله”.
ثمانية أشهر من الفراغ بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، انتخب بعدها ميشال سليمان رئيساً للجمهورية بعد اتفاق الدوحة المكمّل لاتفاق الطائف.
وكان لافتاً في منتصف ولاية الرئيس ميشال سليمان إعلانه أن المعادلة الذهبية جيش شعب مقاومة، معادلة خشبية فتبدلت نظرة حزب الله له، وانتهت ولايته في العام 2014 ليدخل لبنان في فراغ لمدة عامين وأربعة أشهر. حتى أتى اتفاق معراب “المفاجأة ” على الساحة اللبنانية والمسيحية والاتفاق بين الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري”.
عاد الشرخ ليظهر على الساحة اللبنانية بشكل كبير بين مؤيد لحزب الله ومعارض له ولفت مراد إلى “بروز موجة كبيرة يتزعمها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي باعتراضه على هيمنة سلاح الحزب على القرار السياسي والعسكري في لبنان وحتى الاقتصادي والدبلوماسي. ورفع البطريرك الصوت بدءًا من 5 تموز 2020″.

اليوم الوضع مزرٍ: قطيعةٌ عربيّةٌ وعالميّةٌ، وضعٌ اقتصاديٌّ مزرٍ، الدولة ضعيفةٌ، قضاءٌ منقسمٌ وضعيف.
نحن وبحسب مراد ” لا نعرف كيف نحافظ على الاستقلال، لا نعرف كيف نبني دولةً ديموقراطيةً مدنيةً، لا نعرف معنى المعارضة والموالاة، لا نعرف كيف نبني قضاءً مستقلًّا عن السياسة كليًّا، نريد جيشاً قويًّا ولا سلاح غيره في الدولة اللبنانية.
كل هذه المعطيات إذا لم تتحقّق سيبقى الاستقلال دائماً بخطر حتّى لا تتكرر الانقسامات والحروب، ولا نبالغ القول: اليوم نعيش خارج نطاق الاستقلال والسيادة والحرية”.
لا شك بأنّ هناك مشكلة بالنظام، فاتفاق الطائف لم يفسر بشكل صحيح ولم نستطع تعديله بعقد مؤتمرات وطنية لتوضيح بعض الأمور وتعديلها. إلا أن هذه المشكلة ليست هي السبب في الحروب بل بتربية المواطن على المبادئ وعلى العيش في وطن نهائي لجميع أبنائه على أساس الديموقراطية والمساواة والتضامن. فقد تربّى على أساس طائفي حزبي، وعلى انتماء للخارج وللزعامات الروحية.
أما المطلوب اليوم فهو التغيير بالعقلية والتطبيق للوصول إلى الوطن الموعود.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us