زلزال إسطنبول 2025: هزّة كبرى و185 ارتدادية تثير المخاوف من الأسوأ

عرب وعالم 24 نيسان, 2025

شهدت مدينة إسطنبول، أمس الأربعاء، 24 نيسان 2025، زلزالًا عنيفًا بلغت قوته 6.2 درجات على مقياس ريختر، أعاد إلى الأذهان مشاهد الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا سابقًا، وأثار موجةً من الهلع في واحدة من أكثر المدن كثافة سكانية في العالم، يسكنها قرابة 16 مليون نسمة.

تفاصيل الهزة الأرضية

وفقًا لمركز أبحاث العلوم الجيولوجية الألماني (GFZ)، وقع الزلزال الساعة 12:49 ظهرًا بالتوقيت المحلي، وكان مركزه في منطقة “سيليفري” غرب إسطنبول، على بعد نحو 80 كيلومترًا، وعلى عمق بلغ 6.92 كيلومترات، حسب بيانات إدارة الكوارث والطوارئ التركية (AFAD). الزلزال الذي ضرب بحر مرمرة تَبِعَه زلزالان إضافيان: الأول بلغت قوته 4.4 درجات، والثاني 3.9 درجات، في تتابع زلزالي أثار الخوف من احتمالات وقوع زلزال أعنف في المستقبل القريب.

وشعر سكان المدينة بالهزة بشكل واضح في مختلف مناطق إسطنبول، حيث خرج الآلاف من الأبنية والمكاتب، وتحوّلت الشوارع والحدائق إلى ملاذات آمنة وسط حالة من الصدمة والقلق الجماعي.

الإصابات والأضرار

أعلنت السلطات التركية عن إصابة 236 شخصًا، معظمهم في إسطنبول، نتيجة حالات هلع وقفز من النوافذ والسلالم أثناء الهزة الأرضية. وتلقى 15 منهم العلاج في المستشفيات، بينما لم تُسجّل أي وفيات حتى الآن. وأكد مكتب رئيس بلدية المدينة أن الإصابات لا تشمل حالات حرجة، كما لم تُسجّل أضرار كبيرة في البنية التحتية للمياه والطاقة.

وسُجِّل انهيار مبنى مهجور وسط المدينة، من دون تسجيل إصابات، فيما أغلقت بعض المتاجر أبوابها، وأُلغيت الدروس في المدارس والجامعات يومي الخميس والجمعة، كإجراء احترازي واستجابة لمخاوف الأهالي والطلاب. كما فتحت السلطات المراكز الرياضية والمساجد لاستقبال المواطنين الذين فضّلوا البقاء خارج منازلهم.

ردود فعل رسمية وشعبية

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في منشور على منصة “إكس” إنه يتابع المستجدات عن كثب، موجّهًا الجهات المختصة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المواطنين.

وأكد وزير النقل والبنى التحتية عبد القادر أورال أوغلو أن البنية التحتية للنقل والمطارات لم تتضرّر بحسب المسح الأولي.

من جهته، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن تضامنه الكامل مع تركيا، مذكّرًا بالتحديات التي تواجهها البلاد نتيجة نشاطها الزلزالي المتكرر.

تحذيرات الخبراء ومخاوف من “الزلزال الكبير”

الزلزال الأخير سلّط الضوء مجددًا على المخاوف الجيولوجية المستمرة التي تُحيط بإسطنبول، المدينة الواقعة فوق خط صدع شمال الأناضول النشط. الخبير التركي البارز ناجي غورور أوضح أن الزلازل التي حدثت اليوم وقعت تحديدًا على صدع “كومبورغاز”، وهو أحد الصدعين الأخطر قرب المدينة إلى جانب صدع “أدالار”.

وقال غورور إن “هذه الزلازل ليست الزلزال الكبير المتوقع، لكنها تزيد من الضغط على الصدع، ما يجعله أكثر هشاشة وقابلية للكسر في أي لحظة”، داعيًا الحكومة وبلدية إسطنبول إلى التعاون من أجل تحسين قدرة المدينة على التكيّف مع الكوارث الطبيعية.

التحذيرات من زلزال مدمّر في إسطنبول ليست جديدةً، إذ سبق أن أعلن مرصد “قنديلي” التابع لجامعة بوغازيتشي أن احتمالية وقوع زلزال تتجاوز قوته 7 درجات في المدينة بحلول عام 2030 تُقدّر بـ 64%.

الخلفية الزلزالية لتركيا

تركيا واحدة من أكثر دول العالم عرضة للزلازل بسبب موقعها الجيولوجي. ففي شباط 2023، شهدت البلاد زلزالين مدمّرين بلغت قوتهما 7.6 و7.7 درجات، أوديا بحياة أكثر من 55 ألف شخص وأصابا أكثر من 107 آلاف، خصوصًا في الجنوب التركي وشمال سوريا.

كما لا تزال ذاكرة زلزال 1999 حاضرةً في وجدان الأتراك، حين ضرب زلزال بقوة 7.4 درجات مدينة إزميت، قرب إسطنبول، متسببًا في مقتل نحو 17 ألف شخص.

وفي تصريحات سابقة، حذّر وزير البيئة التركي مراد قوروم من أن “واحدًا من كل خمسة منازل في إسطنبول غير مستقر هيكليًا”، أي ما يعادل نحو 1.5 مليون منزل مهدد بالانهيار في حال وقوع زلزال كبير.

حالة الشارع بعد الزلزال

شهدت شوارع إسطنبول مساء الأربعاء مشاهد توتر واستنفار، إذ فضّل الكثير من السكان قضاء ليلتهم في العراء خوفًا من هزات ارتدادية محتملة. وامتلأت المتنزهات العامة والميادين الكبرى بالمواطنين، وسط استعدادات من قبل فرق الإسعاف والطوارئ.

وتكررت الدعوات الرسمية للسكان بعدم التجمهر بالقرب من المباني المتضررة، وعدم الالتفات إلى الشائعات، والاعتماد فقط على القنوات الرسمية للحصول على المعلومات.

الهزات الارتدادية

أعقب الزلزال الرئيسي أكثر من 185 هزة ارتدادية، تراوحت قوتها ما بين 4 و5.9 درجات. كانت أقوى هذه الهزات بقوة 5.9 درجات، ما زاد من قلق السكان ودفع العديد منهم إلى قضاء الليل في العراء خوفًا من هزات أخرى .

هل توقّع أحد هذا الزلزال؟

علّق الخبير الجيولوجي الدكتور طوني نمر على الزلزال بتغريدة عبر منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، موضحًا أن “الهزة الأرضية اليوم قرب إسطنبول بقوة 6.2 درجات حصلت على عمق 15 كلم على فالق الأناضول الشمالي الذي يحدّ شمال الصحيفة الأناضولية بطول يقارب الـ1500 كلم”. وأضاف أن “هذه الهزة كانت متوقعة حيث حصلت على الطرف الغربي للفالق الشمالي، وكان يمكن أن تتعدّى قوتها الـ7 درجات”.

أمّا عن احتمال تأثير هذا الزلزال في مناطق شرق المتوسط ومنها لبنان، فقد شدد نمر على أن “نقطة ارتكاز الهزة تبعد عن بيروت حوالي 1000 كلم، وبالتالي فإن تأثير ما حصل اليوم في شمال غرب تركيا في شرق المتوسط هو شبه معدوم”.

هذه التصريحات تطمئن نسبيًا سكان دول الجوار وتوضح أن النشاط الزلزالي الحالي يتركز في نطاق الفالق التركي ولا يُتوقع أن يتسبب بحركة مباشرة في لبنان أو الدول المجاورة.

كما أعادت الهزات الأرضية الجدل حول توقعات الخبير الهولندي المثير للجدل فرانك هوغربيتس، الذي سبق أن تحدث عن نشاط زلزالي محتمل في تركيا. وعلى الرغم من عدم اعتماده من قبل المؤسسات العلمية، فإنّ تحذيراته تُستعاد عادةً بعد وقوع زلازل فعلية، ما يثير النقاش حول دور العلم والتكنولوجيا في التنبؤ بالكوارث.

هل إسطنبول مستعدة فعلًا؟

السؤال الجوهري اليوم في تركيا ليس عن الزلزال الذي وقع، بل عن الزلزال الذي لم يقع بعد. هل إسطنبول، العاصمة الاقتصادية والثقافية للبلاد، مستعدة لتحمّل زلزال أكبر؟ وهل يمكن للجهود الحكومية في إعادة تأهيل المباني والبنى التحتية أن تمنع كارثة مستقبلية؟

تُعدّ الاستعدادات الحالية خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنّها ليست كافية، خصوصًا مع تزايد عدد السكان وازدياد البناء العشوائي في ضواحي المدينة. ويتفق الخبراء على ضرورة فرض رقابة صارمة على معايير البناء، وتوسيع برامج التوعية والتدريب للسكان على كيفية التصرف في حالات الزلازل.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us