جولة مفاوضات رابعة بين واشنطن وطهران

عرب وعالم 29 نيسان, 2025

في تطور لافت على خط الاتصالات الدبلوماسية بين طهران وواشنطن، أعلن وزير خارجية سلطنة عُمان بدر البوسعيدي، الوسيط الرسمي في المفاوضات، أن جولة رابعة من المحادثات بين إيران والولايات المتحدة ستُعقد الأسبوع المقبل، على أن يُعقد اجتماع رفيع المستوى مبدئيًا في 3 أيار. وفي تغريدة نشرها على منصة “إكس”، أشار البوسعيدي إلى أنّ الجولة السابقة التي استضافتها مسقط قد شهدت نقاشًا موسعًا حول “المبادئ الأساسية، الأهداف، والهواجس التقنية”.

أجواء تقدم نسبي ولكن بحذر

بحسب تقارير وكالة “رويترز”، فإن المحادثات التي عقدت في عطلة نهاية الأسبوع الماضي أحرزت “تقدمًا إضافيًا”، رغم أنها لم تسفر بعد عن أي اتفاق نهائي. وقد عبّر مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن “تفاؤل حذر” عقب اللقاءات التي جمعته مع المبعوث الأميركي الخاص لمنطقة الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، معتبرًا أنّ مسار التفاوض، وإن كان صعبًا، يبقى ممكنًا في حال توافرت الإرادة السياسية المتبادلة.

وفيما تسعى إيران للحصول على تخفيف شامل للعقوبات الدولية التي أنهكت اقتصادها، تصر الولايات المتحدة على ضمانات جدية لعدم تحول البرنامج النووي الإيراني إلى بوابة لتصنيع أسلحة نووية. وتُعد هذه المحادثات، التي تعقد في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية، استكمالًا لمحاولة إعادة إطلاق مسار تفاوضي كانت واشنطن قد انسحبت منه في 2018 عندما مزّق ترامب بنفسه الاتفاق النووي التاريخي الذي أبرمته إيران مع القوى العالمية.

إسرائيل ترفع الصوت وتحذر
في مقابل هذا التقدم، بدا واضحًا أن إسرائيل تتحرك على أكثر من محور لإفشال المسار التفاوضي. فقد اتهمت طهران، عبر تصريحات عراقجي، تل أبيب بمحاولة “العرقلة الصريحة” للمفاوضات، متهمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ”فرض إملاءاته” على الرئيس الأمريكي، وهو ما اعتبرته تدخلاً غير مقبول في الشؤون السيادية للدول.
نتنياهو بدوره لم يتوانَ عن التعبير صراحة عن معارضته لأي اتفاق “جزئي” مع طهران. مطالبًا بتفكيك كامل للبنية التحتية النووية الإيرانية، وعدم الاكتفاء بضمانات تقليدية. كما أصرّ على أن يتضمن أي اتفاق جديد بندًا يمنع إيران من تطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية، محذرًا من أن إسرائيل “لن تتردد في اتخاذ إجراءات عسكرية” عند الحاجة.

مؤشرات ميدانية وتصعيد محتمل
ترافق المسار الدبلوماسي مع أحداث ميدانية لافتة داخل إيران. فقد شهد ميناء رجائي قرب بندر عباس انفجارًا كبيرًا يوم السبت، أسفر عن مقتل 70 شخصًا وإصابة أكثر من 1000 آخرين، بحسب ما أوردته “الجزيرة”. وعلى الرغم من شيوع تقارير تحدثت عن انفجار شحنة وقود صواريخ، نفت طهران ذلك جملة وتفصيلًا.

في موازاة ذلك، أعلنت شركة الاتصالات التحتية في إيران عن صدّ “هجوم سيبراني واسع ومعقد”، في ما بدا وكأنه تصعيد في الحرب الإلكترونية التي تتهم إيران فيها إسرائيل مرارًا بالتورط.

دور متصاعد للوكالة الدولية للطاقة الذرية
في سياق متصل، أكدت وزارة الخارجية الإيرانية أن وفدًا تقنيًا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد وصل إلى طهران للتباحث مع الخبراء النوويين. ويُنظر إلى مشاركة الوكالة كضمانة تقنية ومحايدة قد تُمهد لمزيد من التفاهمات بين الجانبين الأمريكي والإيراني.
وقد لمح عراقجي إلى إمكانية انضمام ممثلين عن الوكالة إلى الجولة المقبلة من المفاوضات، مما يعكس رغبة طهران في منح مزيد من الشفافية للمفاوضات، خاصة في ظل تقارير حديثة أبدت فيها الوكالة “قلقًا شديدًا” من مستويات تخصيب اليورانيوم في إيران، والتي اقتربت من الدرجة المطلوبة لصنع سلاح نووي.

توازنات معقدة ومصير غير محسوم
في خضم هذا التعقيد، تبدو الجولة الرابعة من المفاوضات مفصلية. فهي لا تقتصر على الجدل التقني حول نسب التخصيب وضمانات التفتيش، بل تتقاطع مع حسابات إقليمية ودولية متشابكة، تشمل أمن إسرائيل، طموحات إيران الإقليمية، والانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، التي تفرض إيقاعًا ضاغطًا على فريق ترامب التفاوضي.

في تصريحات نشرتها قناة “الجزيرة”، أعاد ترامب التأكيد على اعتقاده بأنّ “الاتفاق سيحدث في نهاية المطاف”، لكنه لم يستبعد أيضًا خيار الحرب، معتبرًا أنّ الولايات المتحدة “قد تدخل بملء إرادتها” إذا فشلت المفاوضات، ومضيفًا: “إذا لم نبرم اتفاقًا، سأكون أنا أول من يتصدر المواجهة”.

المفاوضات الإيرانية-الأمريكية تدخل منعطفًا حاسمًا، ومع أن المؤشرات الأولية تشي بإمكانية حدوث اختراق. إلا أن الغيوم الإقليمية، لا سيما من جهة إسرائيل، والتحديات التقنية المتعلقة ببرنامج طهران النووي، تبقي مصير الاتفاق رهينة لحسابات أكبر من مجرد بنود تفاوضية. الجولة المقبلة في الثالث من مايو، وفق ما أعلن الوزير العماني، ستكون اختبارًا فعليًا لقدرة الأطراف على تخطي خطوطها الحمراء والعودة إلى طاولة اتفاق شامل.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us