هدنة ترامب – أوكرانيا: شراكة اقتصادية محفوفة بالغموض وتفاهمات أمنية ضمنية

عرب وعالم 9 أيار, 2025

برزت الهدنة المقترحة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مترافقةً مع اتفاق اقتصادي وُصف بـ”التاريخي”، يمنح واشنطن امتيازاتٍ استثماريةً واسعةً في الثروات المعدنية الأوكرانية مقابل وعود بإعادة الإعمار وتعزيز الاستقرار.

تفاصيل الاتفاق الاقتصادي – مناجم تحت السيطرة الأميركية؟
في خطوةٍ أثارت جدلًا داخليًا واسعًا، صوّت البرلمان الأوكراني أمس الخميس، بأغلبيةٍ ساحقةٍ (338 من أصل 400 نائب) لصالح المصادقة على “اتفاق الشراكة الاقتصادية الأميركية – الأوكرانية”، الذي تمّ توقيعه بعد أشهر من مفاوضات متوتّرة بين الرئيسيْن ترامب وزيلينسكي، كادت أن تنهار بعد مواجهة حادّة في البيت الأبيض.

ينصّ الاتفاق على إنشاء “صندوق إعادة إعمار مشترك”، يتمّ تمويله مناصفةً بين البلديْن، على أن يُموَّل من عائدات مشاريع تعدين الطاقة والمعادن النادرة التي تدخل في تصنيع التكنولوجيا الحديثة. في المقابل، تحظى الشركات الأميركية بحقوق استثمارية تفضيلية في استخراج تلك المعادن، ضمن آليةٍ لا تزال ضبابيةً من حيث الشفافية وتوزيع العوائد.

معارضة داخلية وانتقادات للسرّية
لم تمرّ المصادقة البرلمانية من دون اعتراضات. فقد عبّرت كتل معارضة في البرلمان، خصوصًا “التضامن الأوروبي”، عن قلقها من أن يُمرّر الاتفاق من دون الاطّلاع الكامل على ملاحق فنّية يُعتقد أنّها تحدّد تفاصيل إدارة الصندوق ومَن يتحكّم بقراراته.
النائبة إيرينا غيراشينكو أعلنت أنّ البرلمان أصرّ على إدراج فقرتيْن أساسيتيْن: الأولى تنصّ على أن الاتفاق يسري على كامل الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك المناطق المحتلّة من قبل روسيا، والثانية تؤكّد أنّ المصادقة على الاتفاق الرئيسي لا تعني تلقائيًا الموافقة على الاتفاقات الجانبية، التي لم تُنشر بعد.
وردّت نائبة رئيس الوزراء يوليا سفيريدينكو بأنّ سبب عدم نشر الاتفاقات الفنّية هو “أنّها لم تُنجز بعد”، موضحةً أنها ستكون عقودًا تجاريةً تُوقّع بين وكالة التمويل الأميركية (DFC) والوكالة الأوكرانية للشراكة العامة – الخاصة.

أمن اقتصادي أم نفوذ استراتيجي؟
يُفسَّر هذا الاتفاق من قبل بعض المراقبين، لا بوصفه خطوة اقتصادية فقط، بل كمدخلٍ لتعزيز النفوذ الأميركي في أوكرانيا، خصوصًا في ظلّ عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتراجع الحماسة الأميركية لتقديم مساعدات مالية مباشرة من دون مقابل ملموس.
وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسّنت إنّ “الاتفاق يهدف إلى خلق شراكةٍ اقتصاديةٍ تُشكّل بحدّ ذاتها ضمانةً أمنيةً، وتُظهر التزام واشنطن تجاه أوكرانيا، من دون تقديم وعود عسكرية مباشرة قد تُقابل برفض داخلي أميركي”. وأضاف أنّ “هذا ليس قرضًا قد يؤدي إلى تملّك أميركي للثروات في حال التعثّر، بل هو استثمار برأس مال مقابل أصول، 50/50”.

أمل أوكراني بـ”هدنة اقتصادية” تمهّد للسلام
وسط استمرار القتال على الجبهات، وافقت أوكرانيا مبدئيًا على اقتراح أميركي بوقف إطلاق نار فوري لمدة 30 يومًا، قابل للتمديد، بينما اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدنةً قصيرةً لثلاثة أيام فقط (8 إلى 10 أيار)، تزامنًا مع ذكرى النّصر على النازية.
ويأمل القادة في كييف أن تسهم المصادقة على الاتفاق الاقتصادي في تعزيز موقعهم التفاوضي في مباحثات السلام المتعثّرة، خصوصًا بعدما رفضوا الشروط الروسية التي تطالب بتنازلات إقليمية والقبول بالحياد الدائم.
في المقابل، لم تُقدِّم واشنطن بعد ضمانات أمنية صريحة، ما يُبقي مستقبل أوكرانيا في مهبّ الغموض.

الهجرة والترحيل
في سياقٍ موازٍ، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أنّ إدارة ترامب طلبت من أوكرانيا، ضمن دول أخرى، قبول مهاجرين مُرحَّلين من الولايات المتحدة، في إطار مساعيها لمعالجة أزمة الهجرة على حدودها الجنوبية. وأفادت التقارير بأن المقترح الأميركي لم يلقَ ردًّا رسميًا أوكرانيًا، كما لم تُظهر كييف استعدادًا لاستقبال مهاجرين ليسوا من مواطنيها، في ظلّ الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة.
وإنْ لم تُربط هذه الخطوة مباشرةً باتفاق المعادن، إلّا أنّ بعض المراقبين يرون فيها مؤشّرًا إلى وجود تفاهمات أوسع بين واشنطن وكييف، قد تشمل ملفات غير معلنة، كالهجرة، أو إعادة التموضع الدبلوماسي في بعض الملفات الإقليمية.
ويرى البعض أنّ أي دعم اقتصادي فعلي لأوكرانيا من الولايات المتحدة قد يُنقذ البنية التحتية المنهارة ويفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us