زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط: محطات مفصلية بين الجيوسياسية والمصالح الاقتصادية

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خططٍ لزيارة منطقة الشرق الأوسط في الفترة ما بين 13 و16 أيار 2025، حيث سيشمل جدول أعماله ثلاث دول خليجية هي السعودية، الإمارات، وقطر. تأتي هذه الزيارة في وقت حسّاسٍ يطغى فيه النزاع المستمر في قطاع غزّة على الأوضاع الإقليمية، مما ألقى بظلاله على توقّعات الزيارة، وأثار تساؤلاتٍ عديدةً حول الأولويات الأميركية في المنطقة.
أحد الأهداف الرئيسية لزيارة ترامب هو محاولة دفع قضايا أمنية واقتصادية ملحّة. فقد أعلن ترامب عن توجهه نحو إحداث “إعلانٍ كبيرٍ جدًا جدًا”، حيث قالت مصادر أميركية عدّة لقناتي “العربية” و”الحدث” إنّ هذا الخبر يتمحور حول دخول المساعدات الإنسانية لغزّة.
وكان ترامب قد قال مؤخّرًا إنّ “الفلسطينيين في غزّة يعانون من الجوع ويتعرّضون لمعاملة سيئة من قبل حركة حماس”.
وقالت المصادر إنّ “الولايات المتحدة قد تلجأ إلى إرسال المساعدات لغزّة بطريقةٍ لا تعتمد بالضرورة على منظّمات الأمم المتحدة”.
ويقول دبلوماسيون إنّ الولايات المتحدة تأمل إحراز تقدّمٍ في ملف غزّة قبل جولة ترامب الخارجية، في حين تمنع إسرائيل منذ شهريْن دخول شحنات المواد الغذائية وغيرها من الإمدادات إلى القطاع الفلسطيني حيث وسّعت نطاق حملتها العسكرية.
وبحسب تسريبات من مسؤولين إسرائيليين، فإنّ الإدارة الأميركية تمارس ضغوطًا على إسرائيل للتوصّل إلى اتفاق هدنةٍ مع حركة حماس قبل زيارة ترامب. ولكن في الوقت نفسه، يبدو أنّ ترامب ليس مهتمًّا مباشرة بالقضية الفلسطينية، بل يركّز بشكلٍ أكبر على الملفات الاقتصادية والتجارية. هذا التوجّه دفع العديد من المراقبين إلى التشكيك في مدى تأثير زيارة ترامب في الوضع في غزّة.
الأمر الثاني الذي قد يزيد من تعقيد الوضع هو العلاقة المتوتّرة بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خاصةً بعد أن عبّر ترامب عن استيائه من كيفية إدارة الحكومة الإسرائيلية للأزمة في غزّة. مع التصعيد العسكري المستمر، تتزايد الضغوط على نتنياهو لقبول مسار المفاوضات الذي يطرحه ترامب.
الغياب الإسرائيلي: ماذا وراء الاستبعاد؟
على الرَّغم من أنّ إسرائيل لطالما كانت حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة في المنطقة، إلّا أنّ زيارة ترامب هذه المرة لا تشمل إسرائيل، وهو ما عزته مصادر أميركية وإسرائيلية إلى التطوّرات في قطاع غزّة. الحرب المستمرّة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس تعدّ السبب الرئيسي لعدم إدراج إسرائيل ضمن جدول الزيارة. ووفقًا لمسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، فإنّ ترامب قد أشار إلى أنه أعطى الضوء الأخضر لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للقيام بما يراه مناسبًا في التعامل مع الأوضاع في غزّة.
من جهة أخرى، أكد مسؤولون أميركيون وعرب لموقع “أكسيوس” أنّ إدارة ترامب لا تركّز على الوضع في غزّة في الوقت الحالي، حيث يعتقد ترامب أنّ ملف الحرب في أوكرانيا والمفاوضات النووية مع إيران يتصدّران أولوياته. وفي الوقت الذي سيتوجه فيه ترامب إلى الخليج، يبدو أن الوضع في غزّة، على الرَّغم من خطورته، لا يشكّل أولويةً أساسيةً بالنسبة للولايات المتحدة.
التسمية المثيرة للجدل: “الخليج العربي” أو “الخليج الفارسي”؟
واحدة من أكثر المواضيع إثارةً للجدل التي تزامنت مع زيارة ترامب هي مسألة تغيير اسم “الخليج الفارسي” إلى “الخليج العربي”.
هذا التغيير، الذي يلقى دعمًا من بعض الدول العربية، يتصادم مع الموقف الإيراني الذي يرفض تغيير الاسم التاريخي للمسطح المائي.
وأكد ترامب أنه سيأخذ هذا الملف بعين الاعتبار خلال زيارته للمنطقة، قائلًا إنه سيحاول اتخاذ قرار يحترم مشاعر الجميع. كما انتقد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي محاولات تغيير الاسم، مؤكدًا أنّ “الخليج الفارسي” له تاريخ طويل ومعترف به دوليًا.
التركيز على الاستثمارات
من خلال نظرةٍ استراتيجيةٍ، يرى العديد من المحللين أن زيارة ترامب تندرج ضمن سياق التحركات الاقتصادية. فالإدارة الأميركية تحت قيادة ترامب تركّز بشكلٍ كبيرٍ على مصالح أميركا التجارية، ويسعى الرئيس الأميركي إلى تعميق العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج، خاصةً في مجالات مثل الذّكاء الاصطناعي والطاقة. وتعدّ هذه الزيارة فرصةً لتوسيع الاستثمارات الأميركية في هذه المجالات، وهو ما يعكس رغبة ترامب في تعزيز الهيمنة التكنولوجية لمواجهة التوسّع الصيني والروسي في المنطقة.
كما يرى المحلّلون أنّ ترامب يأتي إلى الخليج من منظورٍ تجاريّ محضٍ، مشيرين إلى أنّ الزيارة قد تثمر عن صفقات كبيرة على الرَّغم من غياب التقدّم في ملف التطبيع بين السعودية وإسرائيل. بدلًا من ذلك، من المتوقع أن يكون التركيز على التعاون الاستثماري، ولا سيما في القطاعات التكنولوجية والاقتصادية التي تشهد نموًّا كبيرًا في دول الخليج.
هل ستتراجع إسرائيل أمام الضغط الأميركي؟
في تطورٍ لافتٍ، أفادت تقارير صحيفة “هآرتس” بأن الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا على إسرائيل للتوصل إلى اتفاق هدنة مع حركة حماس في قطاع غزّة قبل زيارة ترامب للمنطقة. وتعتبر الإدارة الأميركية أنّ هذا الأمر في غاية الأهمية، حيث تنظر إليه باعتباره خطوةً ضروريةً لضمان استقرار الوضع في غزّة وتحقيق تقدمٍ في مفاوضات وقف إطلاق النار.
وقد عبّر مسؤولون أميركيون عن إحباطهم من تعاطي إسرائيل مع هذه المفاوضات، مشيرين إلى أنّ عدم التوصّل إلى حلٍ قد يؤدّي إلى تبعاتٍ خطيرةٍ، ليس فقط على صعيد العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، بل أيضًا على مصير الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس.
توقعات وتحديات في الرياض وأبوظبي والدوحة
من المتوقّع أن تشهد العواصم الخليجية الكبرى لقاءاتٍ رسميةً بين ترامب وقادتها. في الرياض، يُتوقّع أن تتم مناقشة ملفات كبيرة مثل الأمن الإقليمي، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي في مجالات التكنولوجيا والطاقة. ويرجّح المراقبون أن تكون هناك أيضًا اتفاقاتٍ جديدةً حول الذّكاء الاصطناعي، وهو مجال تنافسي يتزايد بين الولايات المتحدة والصين.
أمّا في أبوظبي والدوحة، فمن المحتمل أن تشمل المحادثات ملفات الطاقة والنفط، وكذلك التطورات الجيوسياسية في المنطقة. ووِفقًا للمصادر، فإنّ القادة الخليجيين سيعرضون فرصًا اقتصادية كبيرة أمام ترامب، لا سيما في ظلّ التوجّه نحو التنوّع الاقتصادي والابتكار.
التصريحات الإعلامية والضغط على نتنياهو
بينما كانت الزيارة تقترب، أظهرت تصريحات الإعلاميين الإسرائيليين والأميركيين أن ترامب أصبح مُحبطًا من موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عددٍ من الملفات الحساسة. وبحسب تقارير صحافية، فإنّ رفض نتنياهو اتّباع توجيهات واشنطن في وقف إطلاق النار أو الدفع باتجاه هدنة مع حماس قد يثير غضب الإدارة الأميركية ويؤدّي إلى توتّرات جديدة في العلاقات بين البلديْن.
في المقابل، أشار العديد من الخبراء إلى أن زيارة ترامب قد تضع إسرائيل في موقفٍ حرجٍ في ظلّ العلاقات المتوترة بين واشنطن وتل أبيب، ما قد يؤثر في استقرار تحالفات المنطقة.
مواضيع ذات صلة :
![]() فيديو يوثّق الهجمات الإسرائيلية على موقع تابع لـ”الحزب” | ![]() بعد إنذار إسرائيلي… غارات عنيفة تستهدف مطار صنعاء الدولي! | ![]() “مدينة الموانئ” تُقصف بعد استهداف بن غوريون |