الهدنة بين الهند وباكستان: خطوة حذرة نحو السلام في ظل توتر مزمن

أعلنت الهند وباكستان، يوم السبت، موافقتهما على وقف فوري وكامل لإطلاق النار، بعد أيام دامية من التوتر والتصعيد العسكري. الإعلان جاء عقب وساطة أميركية قادها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي نشر الخبر عبر منصته “تروث سوشيال”، مؤكدًا أنّ الاتفاق تم بعد ليلة طويلة من المحادثات بين الجانبين، واصفًا ما جرى بأنه انتصار لـ”المنطق والفطنة”.
جذور التصعيد الأخير
تعود جذور الأزمة الأخيرة إلى هجوم وقع في 22 نيسان في الشطر الهندي من إقليم كشمير، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا. الهجوم أعاد إلى الواجهة النزاع الطويل بين الجارتين النوويتين، اللتين تتنازعان السيادة على الإقليم منذ استقلالهما عن بريطانيا عام 1947. وعلى الرغم من نفي باكستان لأي علاقة لها بالهجوم، سارعت الهند إلى تحميل إسلام آباد المسؤولية، وردّت بسلسلة من الهجمات الجوية على مواقع داخل الأراضي الباكستانية، ما أشعل موجة من الردود المتبادلة بين الجيشين.
تصعيد عسكري مقلق
شمل التصعيد قصفًا متبادلًا استهدف منشآت عسكرية وقواعد جوية على طرفي الحدود، من أبرزها قواعد في أودامبور وباثانكوت وأدامبور الهندية، ومواقع لتخزين الصواريخ في شمال باكستان. كما أعلنت الشرطة الهندية مقتل خمسة مدنيين في منطقة جامو في كشمير نتيجة القصف. وبدأت العائلات في المناطق الحدودية بالنزوح الجماعي، فيما ارتفعت وتيرة التحذيرات الأمنية، وصولًا إلى تفعيل صفارات الإنذار في العاصمة الهندية نيودلهي، رغم بعدها الكبير عن الحدود.
وساطة دولية نشطة
لعبت الولايات المتحدة دورًا محوريًا في نزع فتيل الأزمة، حيث أجرى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ونائبه جي دي فانس سلسلة من الاتصالات المكثفة مع الطرفين خلال 48 ساعة. كما أشارت مصادر دبلوماسية إلى مشاركة نحو 30 دولة في جهود التهدئة، بما في ذلك تفعيل “الخطوط الساخنة” بين الهند وباكستان، وهي آلية استخدمها الطرفان في أزمات سابقة لتفادي سوء التقدير.
فيما أكد وزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار أن بلاده “سعت دائمًا إلى تحقيق السلام دون المساس بسيادتها وسلامة أراضيها”، مشددًا على التزام إسلام آباد بوقف إطلاق النار “فورًا”. من جهته، أعلن نظيره الهندي سوبراهمانيام جايشانكار أن وقف النار سيدخل حيّز التنفيذ عند الساعة الخامسة مساءً بالتوقيت المحلي، مؤكدًا أن “نهج الهند كان دائمًا مدروسًا ومسؤولًا وسيبقى كذلك”.
تهديد نووي خفي
رغم الإعلان عن التهدئة، ظل شبح التصعيد النووي حاضرًا بقوة. فقد ذكرت وسائل إعلام باكستانية أن هيئة عليا تشرف على الأسلحة النووية كانت على وشك الاجتماع، ما فُهم كإشارة تحذيرية، قبل أن ينفي وزير الدفاع الباكستاني لاحقًا وجود مثل هذا الاجتماع. في المقابل، أكدت القوات المسلحة الهندية أنها “تحتفظ بحق الرد”، لكنها ستمتنع عن التصعيد ما لم تُستفز.
تاريخيًا، لطالما كانت منطقة جنوب آسيا واحدة من أخطر مناطق النزاع النووي في العالم، ويُنظر إلى باكستان بوصفها الدولة الوحيدة من بين القوتين النوويتين في المنطقة التي لا تتبنى مبدأ “عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية”، ما يزيد من حساسية الموقف عند كل تصعيد.
رسائل مزدوجة من الجانبين
رغم إعلان الهدنة، واصلت التصريحات من الجانبين حمل رسائل مزدوجة. ففي حين أكدت باكستان التزامها بالسلام، رصدت الهند تحركات غير اعتيادية للقوات الباكستانية نحو خطوط التماس، واعتبرتها “إشارات هجومية”. وقالت فيوميكا سينغ، قائدة الجناح في سلاح الجو الهندي، إن بلادها تراقب عن كثب، وإن الردود كانت دفاعية “لكن أي تصعيد إضافي سيواجه برد قوي”.
ما بعد وقف إطلاق النار
أشارت الخارجية الهندية إلى أن قادة العمليات العسكرية من الطرفين تواصلوا هاتفيًا واتفقوا على وقف إطلاق النار، مع الإشارة إلى إجراء جولة جديدة من المحادثات يوم الإثنين. كما أكدت باكستان أن خطوط التواصل العسكري باتت مفعّلة بالكامل، في خطوة تهدف إلى منع اندلاع اشتباكات مستقبلية نتيجة لأي “سوء تقدير”.
لكن رغم هذه المؤشرات الإيجابية، يبقى ملف كشمير معلقًا، وهو جوهر النزاع الطويل بين البلدين. فلا الهند مستعدة للتنازل عن الإقليم، ولا باكستان مستعدة للتخلي عن مطالبها بشأن “حق تقرير المصير” للكشميريين.
هل تصمد الهدنة؟
الهدنة الحالية تمثل بلا شك تطورًا مرحبًا به، لكنها ليست الأولى من نوعها. فقد سبق للطرفين أن توصلا إلى اتفاقيات مماثلة، سرعان ما انهارت تحت وطأة التوترات السياسية والهجمات المتبادلة. ما يميز هذه الهدنة هو المشاركة الفاعلة لأطراف دولية عديدة، والضغوط الأميركية المتصاعدة، خاصة مع تنامي المخاوف من اندلاع حرب شاملة في منطقة مكتظة بالسكان، تملك فيها كل من الهند وباكستان ترسانة نووية متقدمة.
مواضيع ذات صلة :
![]() التوترات بين باكستان والهند: تصعيد عسكري متواصل في كشمير | ![]() الهند: باكستان شنت هجمات على طول الحدود الغربية | ![]() تصعيد خطير بين الهند وباكستان… اشتباكات هي الأعنف منذ 20 عامًا! |