سوريا بعد رفع العقوبات: بين فرحة التحرّر وتحدّيات البناء

عرب وعالم 17 أيار, 2025

في لحظةٍ وُصفت بالتاريخية، انطلقت الاحتفالات في المدن السورية من دمشق إلى حلب، ومن درعا إلى القامشلي، عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، بعد خمسة أشهر فقط من سقوط نظام عائلة الأسد وتولّي حكومة الرئيس أحمد الشرع السلطة. هذا القرار المفاجئ، الذي جاء على هامش منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي في الرياض، لم يكن مجرّد إجراء سياسي، بل تحوّل إلى نقطة تحول عميقة في تاريخ سوريا الحديث.

ماذا تعني نهاية العقوبات؟

العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على سوريا منذ عام 1979، وبلغت ذروتها مع قانون “قيصر” في 2019، شكّلت طوقًا خانقًا حال دون تطوّر البلاد لعقود، إذ شملت هذه العقوبات قطاعات النفط، البنوك، الطيران، الصحة، الاتصالات، وحتّى التعليم. وأدى ذلك إلى عزلةٍ شبه تامةٍ عن النظام المالي العالمي، مما جعل مجرّد شراء المعدات الطبية أو تأمين البنزين مهمّةً شبه مستحيلة.

ومع الإعلان المفاجئ عن رفعها، فُتحت أمام سوريا أبواب كانت موصدة: أسواق جديدة، قنوات تمويل، خطوط طيران، استثمارات، وربما الأهم، فرصة لإعادة تعريف موقعها في المنطقة والعالم.

تبدّل الموقف الأميركي: من المواجهة إلى التسوية

المفارقة أن القرار لم يأتِ بعد مفاوضات مطوّلة أو تغيّرات قانونية، بل ضمن صفقةٍ إقليميةٍ شديدة التعقيد. فقد لعب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان دورًا حاسمًا في الضّغط على واشنطن، لتليين موقفها من دمشق، خصوصًا بعد ظهور حكومة “الشرع” بمظهرٍ مختلفٍ تمامًا عن سابقاتها، منفتحة على الغرب، وتعدّدية سياسيًا.

ويبدو أن الحسابات الجيوسياسية الأميركية تغيّرت أيضًا: فقد أصبح بقاء سوريا في فلك النّفوذ الإيراني مستحيلًا، مع وجود مؤشرات إلى سعي دمشق الجديدة إلى سياسةٍ أكثر استقلالًا، ما فتح الباب أمام واشنطن لإعادة ضبط علاقتها مع البلد المنكوب.

الاقتصاد السوري يلتقط أنفاسه

عانت سوريا من تدهورٍ اقتصاديّ كارثيّ خلال 13 عامًا من الحرب والعقوبات، حيث تقلّص الناتج المحلي بنسبة 84% وفق البنك الدولي، ووصلت الليرة السورية إلى مستوياتٍ غير مسبوقةٍ، تجاوزت 15.000 للدولار الواحد في بعض الفترات.

اليوم، ومع رفع العقوبات، تتطلّع الحكومة الجديدة إلى إطلاق خطة إنعاش اقتصادي ترتكز إلى ثلاثة مسارات:

1 – إعادة تأهيل البنى التحتية: الكهرباء، المياه، والطرقات، وهي أولويات ملحّة بعد سنوات من الإهمال والدمار.

2 – إحياء قطاع الطاقة: مع خطط لعودة شركات مثل “توتال” و”شل”، لإصلاح شبكات إنتاج النفط والغاز.

3 – جذب الاستثمارات: خصوصًا من الدول العربية والخليجية، حيث أبدت الإمارات وقطر اهتمامًا بفتح خطوط تمويل وإعادة إعمار.

الشارع السوري: من الرّماد إلى الأمل

الناشط السوري نضال العماري وصف المشهد في درعا: “لم نشهد فرحًا كهذا منذ سنوات… ليس لأنّ الحياة عادت، بل لأنّ الحصار انتهى”. ويضيف: “الناس خرجوا للاحتفال، ليس حبًّا بالحكومة، بل انتصارًا لكرامتهم التي داستها العقوبات”.

هذا الشعور يتكرّر في معظم المحافظات، حيث يرى المواطنون في رفع العقوبات فرصةً لاستعادة الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وليس بالضرورة استعادة النظام القديم، أو الانخراط في رهاناتٍ سياسية.

تحدّيات ما بعد الحصار

لكن الطريق ليس مفروشًا بالورود. فرفع العقوبات لا يعني تلقائيًا أنّ الأموال ستتدفّق أو أنّ البنية التحتية ستُبنى بين ليلة وضحاها. التحدّيات الواقعية تتراوح بين:

• استمرار بعض العقوبات الجزئية، خصوصًا تلك المتعلقة بـ”مكافحة الإرهاب”، التي تطال كيانات وشخصيات لا تزال مدرجةً على القوائم السوداء.

• عدم استقرار النظام المصرفي، حيث لا تزال المصارف السورية بعيدةً عن نظام سويفت، وتحتاج إلى شهور لاستعادة ثقة المستثمرين.

• غياب الشفافية الإدارية، وهو تحدٍ جوهري، حيث إن الفساد المزمن في الجهاز الحكومي يمكن أن يُفرمل أي جهود حقيقية للتعافي.

هل يكفي رفع العقوبات؟

المحلّل في المجلس الأطلسي عمر أوزكيزيلجيك يشير لـ”الجزيرة” إلى أنّ “رفع العقوبات خطوة ضرورية، لكنها ليست كافيةً ما لم تترافق مع إصلاحات داخلية جوهرية، على صعيد الحكم والإدارة والقضاء”.

بدورِه، يرى الخبير الاقتصادي أسامة القاضي أنّ الأهم الآن هو “توجيه الموارد نحو الإنتاج وليس فقط الاستهلاك، وتأسيس نظام مصرفي جديد يمنح المستثمرين الأمان”.

الرؤية المستقبلية: من أزمة إلى فرصة؟

تبدو سوريا في 2025 أمام مفترق طرق. فبينما يرى البعض في رفع العقوبات فرصةً ذهبيةً للنهوض، يُحذر آخرون من تكرار تجارب عربية فاشلة شهدت تحوّلات كبرى أعقبها فساد وفوضى.

ومع ذلك، فإنّ وجود حكومة جديدة تحظى بقبول نسبي، وانفتاحٍ عربي ودولي، يشكّلان بيئةً قد تكون، ولو للمرة الأولى منذ عقود، مناسبةً للبدء بإعادة بناء وطن جُرّبت فيه كل أشكال الموت، وآن له أن يتذوّق طعم الحياة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us