محادثات إسطنبول بين روسيا وأوكرانيا: محاولة غير مثمرة في مسارٍ شائك

استضافت مدينة إسطنبول التركية، الخميس، أوّل جولة من المفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا منذ آذار 2022. وعلى الرَّغم من الترحيب المبدئي بخطوة العودة إلى طاولة الحوار، فإنّ نتائج الاجتماع جاءت محدودةً، وعكست تعقيد المشهد السياسي والعسكري بين الجانبيْن، في ظل استمرار الحرب التي أتمّت عامها الثالث بلا أفق واضح لتسوية دائمة.
وقال مسؤول أوكراني كبير مطّلع على محادثات روسيا وأوكرانيا التي انعقدت في إسطنبول أمس الجمعة لـ”رويترز” إنّ المفاوضين الروس طالبوا كييف بسحب قواتها من جميع المناطق الأوكرانية التي تطالب موسكو بالسيادة عليها قبل موافقتهم على وقف إطلاق النار.
وتجاوز هذا المطلب، إلى جانب مطالب أخرى قال المسؤول الأوكراني إنّها طرحت في محادثات الأمس، شروط مسودة اتفاق سلام اقترحته الولايات المتحدة الشهر الماضي بعد مشاورات مع موسكو.
ومحادثات إسطنبول هي أوّل محادثات مباشرة بين الجانبين منذ أكثر من ثلاث سنوات، وانتهت بالاتفاق على تبادل أسرى لكنها لم تفضِ إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار.
عودة إلى الطاولة بعد انقطاع طويل
أعلن فلاديمير ميدينسكي، مستشار الرئيس الروسي ورئيس الوفد المفاوض الخميس، أنّ موسكو “مستعدة لتسوياتٍ محتملةٍ” وتقبل بـ”استئناف مفاوضات إسطنبول”، في حين أكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أنّ الوفد الروسي جاهز للعمل الجاد.
جاء هذا الموقف بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اقتراحه إجراء مفاوضات مباشرة مع كييف، غير أنه قرّر عدم المشاركة شخصيًا، مكتفيًا بإرسال وفدٍ من مستوى أدنى، ضم إلى جانب ميدينسكي، شخصيات عسكرية ودبلوماسية بارزة، من بينهم نائب وزير الخارجية ميخائيل غالوزين، ورئيس المخابرات العسكرية إيغور كوستيوكوف.
اختلال في مستوى التمثيل ومطالب قصوى
قوبل قرار بوتين بعدم الحضور بخيبة أمل من الجانب الأوكراني، خصوصًا أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي استجاب لدعوة التفاوض وتوجّه إلى أنقرة. ومثّل أوكرانيا في المحادثات وزير الدفاع رستم أوميروف، فيما أرسلت الولايات المتحدة، الداعمة لكييف، وفدًا برئاسة وزير الخارجية ماركو روبيو، لكنّ خفض موسكو لمستوى تمثيلها دفع واشنطن إلى تقليص حضورها الفعلي، فمثّلها مدير تخطيط السياسات مايكل أنطون.
الاجتماع الذي انعقد في قصر “دولما بهجة” المطلّ على مضيق البوسفور، أمس، استمر لنحو ساعة وأربعين دقيقة، وانتهى من دون تحقيق أي اختراق ملموس. ووِفق مسؤول أوكراني، فإنّ الوفد الروسي طرح مطالب “غير مقبولة”، من بينها انسحاب القوات الأوكرانية من مناطق تطالب روسيا بالسيادة عليها، والاعتراف الدولي بضمّ روسيا لخمس مناطق أوكرانية، إلى جانب التزام كييف بالحياد ووقف المطالبة بالتعويضات.
الدور التركي وموقف أردوغان
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي التقى زيلينسكي في أنقرة قبيل انطلاق المحادثات، أكد التزام بلاده بالوساطة بين الطرفيْن، معربًا عن أمله في تحقيق نتيجة حاسمة. تركيا، بحكم موقعها الجغرافي والسياسي، لطالما سعت إلى لعب دور الوسيط الفاعل في هذا الصراع، خصوصًا بعد نجاحها السابق في رعاية اتفاق تصدير الحبوب من موانئ أوكرانيا في عام 2022.
الميدان يشتعل رغم المفاوضات
على الرَّغم من انعقاد المحادثات، لم تتوقف العمليات العسكرية على الأرض. ففي الوقت الذي كان فيه المفاوضون يجتمعون في إسطنبول، كانت وزارة الدفاع الروسية تعلن عن السيطرة على قرية أوليكساندروبيل في منطقة دونيتسك، بينما أكدت مصادر أوكرانية تنفيذ قواتهم هجمات بالطائرات المُسيّرة على مستودع ذخيرة في شبه جزيرة القرم، ما أسفر عن انفجاراتٍ كبيرة. كما قُتل تسعة أشخاص في هجوم روسي بطائرة مسيّرة استهدفت حافلة مدنية في منطقة سومي، بحسب مسؤولين أوكرانيين.
الانخراط الأميركي وتلميحات ترامب
الموقف الأميركي لم يكن بعيدًا عن مجريات المحادثات. فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن ضرورة مشاركته شخصيًا للوصول إلى تسوية. وصرّح من على متن طائرته الرئاسية: “لن يتحقق السلام ما لم أجتمع مع بوتين وجهًا لوجه”، مُلمّحًا إلى أن وجوده كوسيط مباشر يمكن أن يُحدث اختراقًا في الجمود الحالي”. وأضاف أن متوسط عدد الضحايا الشباب يتجاوز خمسة آلاف أسبوعيًا، وهو “رقم صادم يجب أن يحفّز الجميع على التوصّل إلى اتفاق”.
مطالب روسية تعتبرها كييف “تعجيزية”
برأي أوكرانيا، ما طرحه الروس في إسطنبول لا يختلف عن منطق “فرض الاستسلام”، إذ لم يتضمّن أي تنازل متبادل، بل إصرار على مكاسب ميدانية وسياسية سبق أن رفضها المجتمع الدولي. فالاعتراف بضمّ أراضٍ أوكرانية، والتخلّي عن المطالبة بالتعويضات، هو في نظر كييف “خروج عن إطار المفاوضات” و”عودة إلى نقطة الصفر”. ما يعزّز ذلك، هو غياب بوتين عن المحادثات، ما اعتبره بعض المراقبين دليلًا على أن موسكو لا تنوي منح العملية السياسية أي وزن حقيقي في الوقت الراهن.