سوريا: عقوبات أوروبية جزئية على خلفية أحداث الساحل… ورفع شامل للقيود الاقتصادية

عرب وعالم 29 أيار, 2025

أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي، أمس الأربعاء، عن حزمة قراراتٍ لافتةٍ طالت الملف السوري من جوانبه السياسية والحقوقية والاقتصادية. فعلى وقع الجرائم التي هزّت الساحل السوري في آذار الماضي، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على شخصيْن وثلاثة كِيانات عسكرية، بالتزامن مع رفعٍ شاملٍ للعقوبات الاقتصادية عن سوريا، باستثناء تلك المرتبطة بالاعتبارات الأمنية.
تأتي هذه التطورات في وقتٍ تشهد فيه سوريا مرحلة انتقالية شديدة التعقيد. فبعد إعلان سقوط نظام الأسد، بدأت السلطات الجديدة اتخاذ خطوات لمحاسبة المتورطين في جرائم طائفية في مناطق الساحل، وشكّلت لجنة تحقيق رسمية لهذا الغرض.
وبحسب تقارير إعلامية، شهدت بلدات اللاذقية وطرطوس مواجهات عنيفة في آذار الماضي بين قوات الأمن الجديدة ومسلحين يُشتبه بولائهم للنظام السابق، مما أدّى إلى مقتل العشرات، معظمهم من المدنيين.
وأشارت السلطات إلى أن جزءًا كبيرًا من الجرائم كان على خلفيةٍ طائفيةٍ، مستهدِفًا أبناء الطائفة العلوية، وأكّدت عزمها على ملاحقة أي شخص ارتكب انتهاكًاً، أيًّا كان انتماؤه أو دوافعه.
القرارات الأوروبية جاءت على خلفية الانتهاكات الجسيمة التي وقعت في الساحل السوري مطلع شهر آذار، والتي أودت بحياة أكثر من 1700 مدني، غالبيتهم من الطائفة العلوية، بحسب تقارير حقوقية أبرزها من المرصد السوري لحقوق الإنسان. وأفادت هذه التقارير بوقوع مجازر وعمليات إعدام ميدانية وتعذيب وتهجير قسري، نُسبت إلى مجموعات مسلحة تابعة لما يُعرف بـ”الجيش الوطني السوري”، المدعوم من تركيا.
وشملت قائمة العقوبات الجديدة: محمد حسين الجاسم، المعروف بـ”أبو عمشة”، قائد فرقة السلطان سليمان شاه، وسيف بولاد أبو بكر، قائد فرقة الحمزة، وذلك بسبب دورهما المباشر في قيادة الهجمات وتنفيذ انتهاكات واسعة ضد المدنيين.
أمّا الكيانات المشمولة بالعقوبات فهي: فرقة السلطان سليمان شاه (العمشات)، فرقة الحمزة، فرقة السلطان مراد.
هذه الفصائل اتُّهمت من قبل الاتحاد الأوروبي بـ”ارتكاب انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان” ليس فقط في سوريا، بل في ليبيا أيضًا، وناغورني قره باغ، والنيجر، ما يضعها تحت خانة “التهديد الإقليمي المتنقل”.

مضمون العقوبات
تشمل العقوبات الأوروبية تجميد الأصول المالية للأفراد والكيانات المعنية، ومنع تقديم الأموال أو الموارد الاقتصادية لها، بالإضافة إلى حظر السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وفي بيانه الرسمي، شدّد مجلس الاتحاد على أن “احترام حقوق الإنسان ركيزة أساسية في السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد”، مضيفًا أن هذه العقوبات تأتي في سياق “الالتزام بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة حول العالم”.
الخطوة الأوروبية لم تكن مفاجئةً، إذ كانت مصادر دبلوماسية قد تحدثت في وقت سابق عن توجه لإنشاء “آلية عقوبات جديدة” ترتبط بانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة خلال أحداث الساحل السوري، مع التأكيد على إمكانية تفعيلها مستقبلًا بحقّ مسؤولين سوريين في حال عدم محاسبة المرتكبين.

تمديد العقوبات على نظام الأسد
بالتوازي، أعلن الاتحاد الأوروبي عن تمديد العقوبات المفروضة على شخصيات وكيانات مرتبطة بنظام الأسد حتّى 1 حزيران 2026. ويشمل هذا التمديد أفرادًا من عائلتيْ الأسد ومخلوف، وأعضاء حكومات متعاقبة منذ عام 2011، اعتُبروا مسؤولين عن القمع والانتهاكات الواسعة خلال النزاع السوري.
وأكّد الاتحاد أنّ التمديد ينسجم مع دعمه لمبدأ المحاسبة والانتقال السلمي في سوريا، مع التحذير من أنه “لن يتردّد في اتخاذ تدابير إضافية في حال استمرت الانتهاكات أو تصاعدت محاولات زعزعة الاستقرار”.

رفع العقوبات الاقتصادية: دعم للانتقال السياسي
وفي تحوّلٍ لافتٍ، دخل قرار رفع جميع العقوبات الاقتصادية الأوروبية عن سوريا (باستثناء القيود الأمنية) حيّز التنفيذ أمس الأربعاء، أيضًا، بعد أن كان قد أُعلن عنه سياسيًا في 20 أيار الجاري.
القرار شمل شطب 24 كيانًا من قائمة العقوبات، من بينها مصرف سوريا المركزي وعدد من البنوك والشركات الكبرى العاملة في قطاعات حيوية كالصناعة والطاقة والاتصالات. ووِفق البيان الرسمي، فإن هذا القرار يهدف إلى:
* دعم عملية الانتقال السياسي في سوريا بعد سقوط النظام السابق.
* تحفيز تعافي الاقتصاد السوري وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.
وقالت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية، كايا كالاس، إنّ القرار يمثل “الخطوة الصحيحة في هذه اللحظة التاريخية”، مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي “لن يدخر جهدًا لدعم الشعب السوري في بناء مستقبل أكثر شمولًا وسلامًا”.
التحرك الأوروبي يجسّد استراتيجية مزدوجة:
* من جهة، فرض عقوبات صارمة على من ثبت تورطه في انتهاكات حقوقية خطيرة، بمن فيهم فصائل كانت تصنّف سابقًا في إطار “المعارضة”.
* ومن جهة أخرى، رفع القيود الاقتصادية بهدف إنعاش الاقتصاد السوري ودعم الاستقرار خلال المرحلة الانتقالية.
هذا التوجه يعكس تغيّرًا في مقاربة الاتحاد الأوروبي تجاه الملف السوري، إذ بات يركّز أكثر على الفصل بين معاقبة الأفراد المتورّطين بالانتهاكات، ودعم الدولة السورية والشعب في مرحلة ما بعد الحرب.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us