بين مواجهةٍ طويلةٍ وحلولٍ مستحيلة.. أي مستقبل تنتظر المنطقة؟

عرب وعالم 21 حزيران, 2025

بينما تشتعل الجبهات المفتوحة من غزة إلى طهران، وتتصاعد نيران الحرب الكلامية والعسكرية بين إسرائيل وإيران، تطرح الأيام الأخيرة سؤالاً مصيريًا يتجاوز الحسابات العسكرية الضيقة: ما هي الخيارات الفعلية لكلا الطرفين في حال فشل أحدهما أو كليهما في تحقيق أهدافه؟ وهل نحن أمام مواجهة تقليدية أم أمام ولادة حقيقية لنظام إقليمي جديد؟

المشهد الراهن يشي بأكثر من معركة، لكنه لا يبشر بأيّ نصر قريب. حرب طويلة النفس لكنها قصيرة الأفق، تتدحرج نحو احتمالات يصعب تصور نتائجها أو التحكم بمساراتها. وبين حلم إسقاط نظام “الولي الفقيه” في طهران، وتوجس إيران من التفكك الداخلي، تقف المنطقة على حافة سيناريوهات قاتمة تتراوح بين انفجار نووي تكتيكي وفوضى إقليمية شاملة.

إسرائيل و”الأمل الكبير” في سقوط النظام

وفق تحليل الكاتبة سمدار بيري في صحيفة يديعوت أحرونوت، فإنّ ما كان يبدو في الأمس القريب ضربًا من الخيال السياسي بات اليوم أحد السيناريوهات المطروحة على الطاولة: سقوط النظام الإيراني أو تغييره، سواء من الداخل أو بدعم خارجي.

فمع استمرار الغارات الإسرائيلية على العمق الإيراني، وتصريحات وزراء الحكومة العبرية التي تستهدف “رموز السلطة”، يتنامى داخل إسرائيل وخارجها حديث عن “فرصة تاريخية” لإحداث تغيير جذري في بنية الحكم في إيران. لكن، ماذا لو فشلت هذه المحاولة؟

إيران واحتمال الفشل في الردع

من جهة طهران، فإنّ أي فشل في الدفاع أو الردع لا يعني مجرد هزيمة عسكرية، بل هو تهديد وجودي للنظام نفسه. ومع ذلك، فإن إيران تمتلك ما تسميه بـ”الخيارات غير المتماثلة”، التي تشمل:
• توسيع رقعة المواجهة عبر الأذرع الإقليمية: من العراق إلى لبنان واليمن.
• تصعيد استراتيجي غير تقليدي (جرثومي، كيميائي، سيبراني).
• اللعب على ورقة الأقليات والانقسامات داخل إسرائيل، بما فيها تآكل الثقة بالحكومة.
• رهان طويل الأمد على استنزاف إسرائيل داخليًا واقتصاديًا.

وفي حال استمرت الحرب، فإنّ إيران على خلاف إسرائيل تمتلك العمق الجغرافي والبشري الذي يمكنها من امتصاص الصدمات ولو على حساب الكلفة البشرية.

ما بعد النظام… من سيحكم إيران؟

إذا تحقق سيناريو إسقاط النظام الإيراني، فإنّ الخيارات البديلة ليست أوضح حالًا من الواقع القائم، بل ربما أكثر تعقيدًا. وتشير يديعوت أحرونوت إلى أربعة بدائل مطروحة:

1. الملكيون وعودة الشاه

أبرزهم رضا بهلوي، الذي رغم شعبيته في أوساط الجاليات الإيرانية في الغرب، إلا أنه يفتقر لدعم حقيقي داخل إيران. ويُنظر إليه على أنه شخصية من الماضي، يعيش في منفى مترف أكثر من كونه قائدًا لمرحلة جديدة.

2. منظمة مجاهدي خلق (MEK)

لها تاريخ طويل من العداء للنظام الإسلامي، لكنها تعاني من عزلة شعبية داخلية وتُتهم بالعمالة والتعاون مع الموساد. قيادتها اليوم، الممثلة بمريم رجوي، تنشط من أوروبا وتُقدَّم في الإعلام الإسرائيلي كبديل محتمل رغم رفض شعبي واضح لها.

3. حركات الأقليات العرقية والمذهبية

من الأكراد إلى البلوش، تتمتع هذه الجماعات بتاريخ طويل من الصراع مع الدولة المركزية. لكنها تعاني من انقسامات داخلية وافتقار للقيادة الموحدة، فضلاً عن نظرة “الطائفية” التي تحول دون تأييد شعبي شامل لها.

4. الحركة الإصلاحية الداخلية

ورقة الأمل “الأخضر” التي طالما علّق عليها الغرب آماله. شبان وشابات تملؤهم طموحات التغيير، لكنهم مكبوتون بفعل القمع، والخوف، وخيبة الأمل بعد فشل احتجاجات 2009 و2022.

ما هي خيارات إسرائيل في حال الفشل؟

رغم تفوقها التكنولوجي وتفوّقها النووي المحتمل، تدرك إسرائيل أن استمرار الحرب لفترة طويلة لا يصب في مصلحتها. الضغوط الاقتصادية، الإرهاق العسكري، وتراجع معنويات الجبهة الداخلية تُعقّد من قدرتها على الحسم. وعليه، فهي أمام خيارات أحلاها مر:

– الضربة النووية التكتيكية:

خيار محفوف بالمخاطر، وقد يؤدي إلى ردود فعل كيميائية أو جرثومية من إيران. استخدام هذا السلاح في منطقة ضيقة المساحة كإسرائيل قد يرتد بنتائج كارثية على المدنيين وعلى المحيط العربي والإسلامي.

– توسيع ساحة المواجهة:

فتح جبهات في العراق أو سوريا لاستنزاف إيران، مع محاولة تحقيق “نصر جزئي” يُقدَّم للإسرائيليين كتعويض عن الفشل في طهران.

– الاعتماد على الحليف الأميركي:

الدخول الأميركي المباشر يبقى الخيار الأقرب لحسم المعركة، لكنه مشروط بحسابات البيت الأبيض الاستراتيجية.

ماذا لو بقي النظام… بخيارات أكثر رعبًا؟

تشير مصادر عدة إلى أن السيناريو الأكثر احتمالًا هو بقاء النظام الإيراني، وإن كان أضعف مما سبق. خامنئي، رغم مرضه، لا يزال يحكم، وابنه مجتبى خامنئي يُحضّر كخليفة محتمل رغم افتقاره للمؤهلات الدينية.

وفي هذا السيناريو، فإنّ النظام سيخرج من الحرب مجروحًا، وأكثر عداءً للغرب.

أي مستقبل تنتظر المنطقة؟

سواء انتصرت إسرائيل أو إيران، فإنّ المنطقة تتجه إلى إعادة تشكيل إستراتيجية عميقة:
• دول الخليج مضطرة لإعادة النظر في تحالفاتها الدفاعية.
• تركيا تترقب لتعزيز نفوذها في حال الفراغ.
• الهند وباكستان (النوويتان) تتابعان عن كثب ما قد ينذر بإشعال منطقة جنوب آسيا.
• سوريا، لبنان، العراق واليمن ستكون أول من يدفع الفاتورة، سياسيًا واقتصاديًا.

في نهاية المطاف، تبدو الحرب الحالية وكأنها اختبار إرادات أكثر منها معركة تقليدية. لا إسرائيل تملك ترف الحسم، ولا إيران تملك ترف السقوط. وكلما طال أمد الحرب، ازدادت احتمالات التحول إلى فوضى إقليمية كبرى قد تغيّر وجه الشرق الأوسط لعقود مقبلة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us