اقتصاد مصر يعاني وتعويل على العملة الصعبة

اقتصاد, عرب وعالم 12 كانون الأول, 2022

تسبب تضارب التقارير الرسمية المصرية حول “الوضع الاقتصادي” بضجة، بعدما نفى تقرير حكومي وجود “أزمة اقتصادية” بالبلاد، بينما أكد آخر “ارتفاع معدلات التضخم بنسبة غير مسبوقة”، فما هي المشكلة تحديدا وكيف يمكن حلها؟

تصريحات رسمية متضاربة؟

أصدرت الحكومة المصرية تقريرا من  52 صفحة، تطرقت من خلاله للقضايا المرتبطة بالوضع الاقتصادي العام في الفترة من يونيو إلى نوفمبر 2022،  وفقا لـ”مجلس الوزراء المصري”.

وفي سياق التقرير الرسمي “تم الرد على 17 ادعاء وزعما رئيسا، من حيث حجم الدين الخارجي والموازنة العامة للدولة وسعر الصرف والتصنيف الائتماني للدولة، فضلا عن جدوى المشروعات القومية وشروط قرض صندوق النقد وارتفاع الأسعار وتأزم الأوضاع في البنوك”، وغيرها من القضايا التي شغلت الشارع المصري خلال الفترة الماضية.

وأظهر التقرير الرسمي أن “مصر لا تمر بأزمة اقتصادية وتعيش حالة من الإزدهار والنماء”، بما يتعارض مع تقرير حكومي آخر صدر في الفترة نفسها.

وكشف تقرير لـ”الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء”، عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد من 6.2 بالمئة في نوفمبر 2021 إلى 19.2 بالمئة في الشهر نفسه من العام الحالي.

وحسب تقرير  الجهاز المركزي المصري، فقد ارتفعت أسعار بعض السلع بشكل غير مسبوق وبنسب تزيد عن  52 في المئة.

وارتفع المعدل السنوي للتضخم الأساس ليبلغ مستوى 21.5 في المئة خلال شهر نوفمبر مقارنة بنحو 19 في المئة خلال شهر أكتوبر  السابق له، وفقا لـ”البنك المركزي المصري”.

وفي مصر تبلغ نسبة الفقر بحسب البيانات الرسمية، 30 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ زهاء 104 ملايين نسمة.

ويمر المصريون بوضع اقتصادي صعب في ظل غلاء معيشة، وفقد الجنيه المصري أكثر من نصف قيمته منذ بداية العام الحالي أمام الدولار الأميركي، بعدما قرر البنك المركزي المصري مؤخرا اعتماد سعر صرف مرن، وفقا لـ”فرانس برس”.

وتعد مصر، واحدة من خمس دول في العالم مهددة بعدم القدرة على سداد أقساط ديونها الخارجية البالغة أكثر من 150 مليار دولار، وفقا لما نقلته “فرانس برس” عن وكالة موديز.

وفي أغسطس الماضي، قال مصرف “غولدمان ساكس” إن مصر بحاجة إلى نحو 15 مليار دولار لتتمكن من سداد ديونها.

أزمة اقتصادية؟

يشير الخبير الاقتصادي المصري، عبدالنبي عبدالمطلب، إلى أن “الحكومة المصرية لا تمر بأزمة اقتصادية فالاقتصاد المصري قادر على الوفاء بالتزامات البلاد داخليا وخارجيا”.

وفي حديثه لموقع “الحرة”، يؤكد عبدالمطلب أن “مصر قادرة على سداد التزاماتها من الديون الخارجية أو استيراد السلع الاستراتيجية والأساسية”.

وتمتلك الدولة المصرية مخزونا من القمح يكفي لأكثر من ستة أشهر، ولدى مصر احتياطي نقدي يغطي الفترة نفسها ونجحت البلاد في تحقيق نمو بمعدل تنمية الصادرات، ومازالت كافة السلع متوفرة وموجودة في الأسواق، وفقا لحديث عبدالمطلب.

وفي الوقت ذاته، يؤكد عبدالمطلب أن “المواطن المصري يعاني من ارتفاع الأسعار بنسب تزيد عن 40 بالمئة في سلع و60 بالمئة في سلع أخرى، وانخفضت مدخرات المواطنين النقدية بنسب تترواح بين 20 إلى 80 بالمئة”.

وحسب حديثه فإن ما تمر به البلاد “ليس أزمة لكن مشاكل مؤقتة” ساهم في ظهورها متغيرات خارجية مثل الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع نسب التضخم على مستوى العالم، وعوامل داخلية تتعلق بـ”عدم القدرة على توفير بعض السلع بالأسعار السابقة بعد تخفيض قيمة الجنيه المصري”.

من جانبه يرى الخبير في الشؤون الاقتصادية، أبوبكر الديب، أن “مصر لا تمر بأزمة لكنها تأثرت كباقي الاقتصاديات العالمية بتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا مع ضعف الموارد الدولارية القادمة من السياحة والارتفاع القياسي بأسعار الحبوب خاصة القمح التي ضغطت على الاحتياطي النقدي”.

وفي حديثه لموقع “الحرة”، يشير إلى أن “حزمة الاستثمارات والودائع الخليجية الأخيرة قد جاءت لتعيد الاقتصاد المصري للمسار الصحيح”.

وأودعت دول الخليج 13 مليار دولار على الأقل لدى البنك المركزي المصري منذ مطلع العام الجاري لدعم الاقتصاد المصري مما يرفع إجمالي الودائع الخليجية إلى 28 مليار دولار، وفقا لـ”رويترز”.

وحسب حديثه فإن “تجديد الودائع السعودية والكويتية والاماراتية بالبنك المركزي المصري فضلا عن وديعة جديدة لقطر سيعمل على دعم الاحتياطي النقدي الأجنبي في البنك وكذلك ينعش الجنيه مقابل الدولار وسلة العملات الأجنبية”.

في مصر لا يزال نقص العملة الصعبة مستمرا على الرغم من خفض قيمة الجنيه مرتين هذا العام، ويبيع التجار في السوق السوداء الدولار مقابل 32 و33 جنيها مقارنة بسعر الصرف الرسمي البالغ نحو 24.6 للدولار، حسب “رويترز”.

وزاد اتساع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي للجنيه المصري مقابل الدولار وسعره في السوق الموازية، الأمر الذي يفرض ضغوطا على مصر قبيل اجتماع مهم لمجلس صندوق النقد الدولي الأسبوع المقبل.

ومن المنتظر أن ينظر صندوق النقد في 16 ديسمبر في طلب مصر الحصول على تسهيل الصندوق الممدد بقيمة ثلاثة مليارات دولار لمساعدتها في دعم أوضاع ماليتها العامة.

هل تخرج مصر من مشكلاتها؟

يرى عبدالمطلب أن “المشكلة الاقتصادية لم تصل إلى مستوى  الأزمة بعد”، مؤكدا أن “الحكومة تنظر لارتفاع الأسعار بعدم انزعاج لأن التضخم مشكلة مؤقتة يمكن حلها عندما تتخذ السلطات المختصة مجموعة إجراءات عاجلة”.

وتتعلق تلك الإجراءات بـ”فتح الباب لاستيراد بعض السلع التي يحتاج إليها السوق المحلي أو تخفيض الرسوم والجمارك والضرائب المفروضة على المنتجات التي يتم انتاجها محليا”، وفقا لحديثه.

وسوف تنتهي تلك المشكلة بوصول التدفقات المالية سواء من صندوق النقد الدولي أو “الدول الصديقة” لكن المواطن مازال يعاني وغير قادر على “الوفاء بالتزاماته الأساسية بعد ارتفاع الأسعار”.

من جانبه يشير الديب إلى “قرب وصول حزمات مالية مختلفة تصل قيمتها لنحو 9 مليارات دولار إلى مصر”، معتبرا أن ذلك  سيؤثر إيجابا على الوضع الاقتصادي العام في البلاد على المدى المتوسط وسيساهم برفع الاحتياطي الأجنبي.

ويتوقع الديب دخول استثمارات خليجية جديدة للبلاد ما سيرفع الموارد المالية لمصر، مؤكدا أن “الودائع والاستثمارات الخليجية تعيد الجنيه المصري للاستقرار وتزيد التفاؤل بالبورصة”.

ويشير إلى أن “السوق المصري جاذب للاستثمار ولديه أصول استثمارية قوية وأسعارها رخيصة ويتمتع بقوة استهلاكية محلية كبيرة إلى جانب التصدير لأفريقيا وأوروبا”.

المصدر: الحرة

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us