لا مال ولا طموح.. هل أصبح التعليم في لبنان من الكماليّات؟


أخبار بارزة, خاص 11 كانون الأول, 2021

كتبت بشرى الوجه لـ”هنا لبنان”:

“لماذا أكمل دراستي الجامعيّة؟ حتّى أتخرّج ولا أجد عملًا؟ وإن سعيت للعمل في الخارج، فهل ستتوفّر لي الفرصة؟ ببساطة النتيحة ستكون إمّا أن يذهب تعب والديّ على دراستي سدى وإمّا أن أبتعد عنهما لسنواتٍ طويلة”. هذا ما يُناقشه سامي وزملاؤه في السنة الأولى في الجامعة اللبنانية، الذي يؤكّد أنّ لديهم جميعاً نفس المخاوف المستقبليّة في “بلدٍ لا مستقبل لهم ولعلمهم فيه”.

هؤلاء الذين يُفترض أن يدخلوا كليّاتهم وهم مفعمون بالطموح والشغف ومتفائلون بمستقبل زاهر، يغلبهم اليأس والخيبة. إذ يقول سامي لـ”هنا لبنان”: “أنظر إلى أبناء الجيران الذين تخرّجوا وجلسوا في بيوتهم، ومن عمل منهم فهو يعمل في وظيفةٍ لا تحتاج لدراسة مقابل معاشات زهيدة وذلك فقط حتّى يتكفّلوا بمصاريفهم ويعيلوا أهاليهم ولو قليلاً في ظل هذه الأزمات التي باتت تتطلّب عمل كل فرد داخل المنزل”.

ويضيف: “اثنان من زملائي تركوا الكليّة منذ الأسبوع الأوّل، أحدهم اختار التخصص في التمريض لأنّ فرصه في العمل أوفر، وآخر فضّل أن يتعلّم من أبيه مهنة ميكانيك السيارات، فالمهن في معظمها “ماشية” وأصحابها يرفعون أسعارهم مع ارتفاع الدولار بينما الموظّف معاشه ما زال ثابتًا “ع الـ1500”.

هذه التبدّلات في تفكير وتوجّهات الشباب اللبناني هي نتيجة الأزمة المالية والإقتصادية التي أدّت إلى تغيّرات إجتماعية كثيرة انعكست سلبًا على الواقع اللبناني في السنتين الأخيرتين، تبدأ بالبطالة التي تؤدي إلى الفقر، الذي يؤدي بدوره إلى الهجرة والجهل والأميّة.

وبلغة الأرقام، أفادت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعيَّة لغربي آسيا “الإسكوا” في 3 أيلول من العام الحالي، أنّ معدّل الذين يرتعون في عالم الفقر في لبنان بلغ 82 بالمئة من السكان في عامنا الحالي 2021، بعدما كانت نسبة الفقر في العام المنصرم قد لامست الـ 55 بالمئة، والمؤسف والمؤلم في الأمر أنّ “الإسكوا” أشارت إلى أنّ نسبة الحرمان والتي تعتبر أسوأ من الفقر، أصبحت تعانق الـ 34 في المئة، وفي بعض المناطق فاقت النسبة أكثر من نصف السكان.

أما بتاريخ 6 أيلول، فقد كشفت اللجنة أنّ دراسات أظهرت أنّ أكثر من 70 بالمئة من الشباب اللبناني يسعى إلى الهجرة جرّاء المأساة المعيشية.

وبالنسبة لمعدّلات البطالة، أفادت إدارة الإحصاء المركزي من خلال تقرير لها في 23 أيلول أنّ نسبة 55 في المئة من اللبنانيين يعملون بشكل غير نظامي، بينما هنالك نسبة 45 بالمئة تعمل بشكل نظامي، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ بطالة الشباب نسبتها تُعتبر الأعلى ويبلغ معدّل تلك البطالة 25.7 بالمئة وترتفع عند فئة الشباب الذين يحملون شهادات.

تراجع الأعداد في التعليم العام

تبعاً للأرقام التي أصدرتها “الدوليّة للمعلومات”، بلغ عدد التلاميذ في التعليم العام ما قبل الجامعي في العام الدراسي الأخير 1053956 تلميذاً، بانخفاض عن العام الدراسي السابق بـ15780 تلميذاً، حيث بلغ حينها 1069826 طالباً، حيث أنّ الأكثريّة التي تبلغ 48.8% هي في التعليم الخاص غير المجاني.

وكان لافتاً الإرتفاع في عدد التلاميذ في التعليم الرسمي وارتفاع نسبتهم من إجمالي التلاميذ، إذ ارتفع عددهم بـ56701 طالباً، وأصبحوا يشكّلون نسبة 36.5% من إجمالي التلاميذ، وهذا الإرتفاع يأتي نتيجة انتقال التلاميذ من التعليم الخاص المجاني والتعليم الخاص غير المجاني إلى التعليم الرسمي، الأمر الذي يُعتبَر سابقة في تاريخ القطاع التعليمي اللبناني.

وفي الأرقام التي نشرتها “الدوليّة”، انخفضت نسبة التلاميذ الذين انتقلوا من التعليم الخاص المجاني إلى الرسمي من 12.5% إلى 11%، ومن التعليم الخاص غير المجاني من 52.7% إلى 48.8%.

ووصل عدد المدارس في العام الدراسي 2020 – 2021 إلى 2796 مدرسة مقارنةً بـ2861 مدرسة في العام السابق، علماً أنّه تمّ إقفال 66 مدرسة منها 45 في التعليم الخاص غير المجاني و21 مدرسة في التعليم الخاص المجاني.

ولمعرفة ما إن كان هذا الإنخفاض في أعداد تلاميذ المدراس الخاصة ينسحب على طلاب الجامعات الخاصّة، تواصلنا مع الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدّين الذي قال أنّ “لا أرقام حاليّة تخصّ الجامعات في السنتين الأخيرتين”.

وعن نسبة الأميّة في لبنان، فيقول شمس الدّين إنّ “النسبة هي 11% لكنّها تختلف من منطقة إلى أخرى”، لافتًا إلى أنّ “هذه النسبة ليست حديثة لأنّ مثل هكذا إحصاءات تُجرى كل سنتين على الأقل”.

لكن وفقًا لمصدر تربوي في إحدى الجامعات الخاصة – يرفض الإفصاح عن اسمه “منعًا لإحراجه مع إدارة الجامعة” – فإنّ “أعداد الطّلاب في الجامعات الخاصّة قد انخفض عن الأعوام السابقة، وذلك سببه بالطبع الأوضاع الماليّة والإقتصادية الصعبة، ممّا أدّى إلى إغلاق بعض التخصّصات والإعتماد على الإختصاصات الأكثر طلبًا كإدارة الأعمال مثلًا”.

ويضيف: “في ظل الغلاء الفاحش للبنزين، يبحث الطالب عن الجامعة الأقرب إلى بيته، لذلك قد تجد أنّ الجامعات التي تقع في مناطق سكنيّة ينتسب إليها أعداد مقبولة من الطّلاب”.

ويلف المصدر إلى أنّ “بعض الجامعات الخاصّة باتت تعتمد بشكل خاص على المنح الطّلابية أو المساعدات الماديّة التي تُقدّمها بعض الأحزاب لطلّاب “محسوبين” عليهم”.

الشباب اللبناني.. إحباط واكتئاب

“أصبح التعليم في لبنان من الكماليّات”، يُعلّق الأخصائي في علم النفس والتربية الدكتور أحمد العويني، ويقول لـ”هنا لبنان”: “هناك دافعان أساسيان لمسألة التحصيل العلمي، الأوّل يتمثّل بالإمكانيّة الماديّة لدفع الأقساط الجامعيّة، فحتّى الجامعات التي تُعد “رخيصة” لم تعُد في متناول الجميع، وهذا ما يدفع بالطلاب إلى تأجيل دراستهم لوقتٍ تتحسّن فيه إمكانياتهم. أمّا الدافع الثاني فهو الطموح بالحصول على شهادة وعمل، وعندما يرى الشباب أنّ لا فرص عمل متوفّرة، أو من يعمل فمعاشه لا يُلبّي إحتياجاته، يُصيبهم الإحباط واليأس”.

ويضيف: “إذا “تخلخل” دافعٌ منهما سيُؤثر على الإنتساب للجامعة، فكيف سيكون الوضع إذا غاب الدافعان! “

ويرى العويني أنّ “وضع الطّلاب في لبنان جدًّا صعب ولا أحد يقوم بمبادرات تُعالج الأمور، فالسياسيون عندنا لا يعملون لإيجاد الحلول بل على العكس، كل ما يقومون به هو سياسة التأزيم لتهديم المجتمع ومؤسساته وفق خطة منهجية لأهدافٍ لا نعلمها”.

ويختم: “نتيجة الوضع المأساوي الذي يعيشه الشباب في ظل انسداد الأفق أمام الحلول، سيستسلمون للحزن، للاكتئاب، والتفكير التشاؤمي، وكل هذا سيجرّهم إلى حقل الآفات الإجتماعية من مخدّرات وسرقات وانتحار وغيرها”، لافتًا إلى أنّ “تداعيات هذه الأمور لن تظهر قبل سنة”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us