صفقة تحوّلت صفعة والعهد الخاسر الوحيد


أخبار بارزة, خاص 21 كانون الأول, 2021

كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان” :

سقط القناع عن صفقة أرادها تيار العهد في الشهر الأخير من العام الخامس لولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، وهو آخر كانون أول للأخير في قصر بعبدا. لم تستطع كل البيانات والتوضيحات والتغريدات التي ازدحم بها يوم الاثنين في 20 الجاري إخفاء معالم صفقة أرادها تيار العهد مع الثنائي الشيعي، تشمل لائحة واسعة من المكاسب في التعيينات التي تحقق أمنية التيار في مجالات المال والقضاء والأمن، مقابل أن يحقق للثنائي مكاسب مماثلة في القضاء الذي يقضّ مضاجع “حزب الله” تحديداً لاسيما في ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت.

كيف سقط القناع؟

إنها قصة تستحق أن تروى حتى في أدق تفاصيلها.

في معلومات لـ “هنا لبنان”، أن نهاية الأسبوع الماضي، كان خط الاتصالات بين “حزب الله” وبين “التيار الوطني الحر” ناشطاً إلى أقصى مداه. وكان التركيز في هذه الاتصالات على تحضير الأجواء لصفقة تقضي بعودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد هذا الأسبوع على أن يتم إعداد جدول أعمال يقارب نحو 178 بنداً، والقسم الأكبر من هذه البنود يشمل تعيينات في مراكز قيادية أهمها: حاكمية مصرف لبنان، رئاسة مجلس القضاء الأعلى وقيادة الجيش. وقد عوّل رئيس التيار النائب جبران باسيل على نفوذ الحزب كي “يقنع” رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ليسيرا في هذه الصفقة، التي كانت دوائر التيار تعتبرها “صفقة العهد” الكبرى قبل أن يمضي عامه السادس والأخير في قصر بعبدا.

ولإثبات “حسن النية”، وفي صورة علنية، وزعت الوكالة الوطنية للاعلام السبت الماضي، بيانًا صادرًا عن الهيئة السياسية في “التيار الوطني الحر” بعد اجتماعها برئاسة النائب جبران باسيل، قال، وربما للمرة الأولى ما يقوله الثنائي الشيعي حول التحقيق القضائي في انفجار مرفأ بيروت: “الاستنسابية التي تشوب التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت والتأخير في إنهاء التحقيقات والمراوحة الحاصلة، تزيد المخاوف من عدم كشف الحقيقة. ويؤكد التيار أن الوقت حان لكي يصدر المحقق العدلي القرار الظني ويرفع الظلم عن الموقوفين المتهمين بمعظمهم بالإهمال الإداري، فيما عائلاتهم تتألم على أبواب الأعياد وتعيش المأساة نفسها منذ عام وأربعة أشهر. ويؤكد التيار وقوفه بجانب الأهالي في المطالبة بالإفراج عن الموقوفين ظلماً”..

حمل “حزب الله” هذه الفقرة إلى عين التينة. وبعد المشاورات التمهيدية بين الخليلين (المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام للحزب الحاج حسين الخليل)، وصلت الصورة الكاملة للصفقة إلى الرئيس بري. وهنا توقف كل شيء تقريباً، وفق ما أفادت به أوساط إعلامية قريبة من الحزب. وقالت هذه الأوساط لـ “هنا لبنان” أن رئيس مجلس النواب غير موافق على التعيينات التي يقترحها التيار. وفي موازاة ذلك، راجت تكهنات حول ما رفضه بري من هذه التعيينات لاسيما ما يتعلق بتعيين بديل للمدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم. لكن أوساط عين التينة نفت أن يكون رفض الرئاسة الثانية محصوراً بموضوع القاضي إبراهيم واكتفت بالقول أن كل التعيينات كما وصلت إليه “مش ماشية”!

وهنا تحرّك موفد من رئيس مجلس النواب نحو رئيس مجلس الوزراء ليضعه في صورة الصفقة كما وصلت من “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”. وجرى الاتفاق على أن يزور الرئيس ميقاتي مقر الرئاسة الثانية، وهذا ما حصل يوم أمس الاثنين. وقد عبّرت قسمات وجه رئيس الحكومة بعد اللقاء عن الأفق المسدود أمام الصفقة من خلال العبارة التي نطق بها ميقاتي ردًّا على سؤال عما إذا نجحت “الصفقة” الجاري العمل عليها، فأجاب “نحن غير معنيين بهذا الموضوع!”

قد يكون من باب تبسيط الأمور، الاكتفاء بهذه المعلومات لتفسير ما جرى. لذلك لا بد من الذهاب إلى الصورة الكبيرة التي توضح حقيقة الأمور. علماً أن الثنائي الشيعي سارع من خلال الخليلين إلى زيارة الرئيس ميقاتي بعد مغادرته “الغاضبة” لمقر الرئاسة الثانية كي يجري تهدئة الأمور معه. فيما كانت قناة الاتصال بين قيادتي “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” تعيد قراءة ما جرى لأخذ العبر.

والآن ما هي الصورة الكبيرة لكل ما جرى في صفقة كبرى لم تتم؟ إنها، ووفق خبراء في العلاقات بين الرئاستين الأولى والثانية، الودّ المفقود بين الرئيسين عون وبري. ولعل هذا الود صار في حكم المنتهي، بعد آخر المحاولات التي جرت على هامش الاحتفال الرمزي بعيد الاستقلال الشهر الماضي، وتبين بحسب أوساط بري، أن قصر بعبدا غير مستعد لملاقاة رئيس مجلس النواب في منتصف الطريق لإيجاد مخرج يقتصر فقط على معالجة اعتراض الثنائي الشيعي على مسار التحقيق القضائي في قضية المرفأ، في حين أن دوائر قصر بعبدا ذهبت بعيداً إلى الحد الذي أرادت معه أن تكون “تنازلات” العهد في هذا التحقيق، فرصة لإنجاز “صفقة العهد” في التعيينات. وفي الوقت نفسه، كان “حزب الله” يمارس تدوير الزوايا، ما أوهم زعيم التيار باسيل أنه ضمن الحزب إلى جانبه في الصفقة، لكن الأخير تصرف في الواقع بطريقة دلّت على أنه غير معني بالصفقة إلا بصورة محدودة جداً، تاركاً الحرية لحليفه بري لينطق بالكلمة النهائية.

وفعلاً، كانت الكلمة النهائية التي أكد فيها بري أن الوقت لم يعد كافياً لإصلاح ما فسد في العلاقات بينه وبين عون. ولا ينسى كثيرون كم حاول رئيس المجلس أن يعبّر عن الود المفقود بينه وبين الجنرال قبل خمسة أعوام وتحديداً في جلسة انتخاب الأخير رئيساً للجمهورية.

إذاً، الصفقة تحوّلت إلى صفعة، وعذراً للقول، إنها صفعة تلقاها العهد الذي يؤكد وهو على مشارف نهاية أعوامه الست، أنه يقدم مصالحه على المبادئ، في وقت كان هناك من لا يقلّ عنه تمسكاً بمصالحه وعلى حساب العهد، الذي على ما يبدو، أن أهم حلفائه، “حزب الله”، لم يعد يحسب له حساباً؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us