بين “النكد والسياسي” و”شد الحبال”… شللٌ حكوميٌّ وخسائر بمئات ملايين الدولارات!


أخبار بارزة, خاص 28 كانون الأول, 2021

كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان” :

هو “النكد السياسي” الذي يتحكم بالجمهورية اللبنانية الشاهدة اليوم على إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم وفق تصنيفٍ دوليّ.

تعطيل، مكابرة، فرض الشروط والشروط المضادة…

واللائحة تطول لطبقةٍ سياسيةٍ امتهنت تضييع الفرص وسط مستويات انهيارٍ تتطلّب تضافر كلّ الجهود للمعالجة.

“معاً للإنقاذ”، شعارٌ اتّخذته الحكومة الحالية، ولكن منذ الشهر الأول طارت الـ “معاً” بعد أن انقسمت الحكومة فيما بينها لتبحث اليوم عمّن ينقذها.

في العلن يشدّد المسؤولون على أنّ تفعيل جلسات مجلس الوزراء “لا بديل عنه للخروج من الأزمات ووضع سكة الحل لها”.

ولكن في الواقع لا وجود لأي بوادرٍ تؤشّر إلى انفراج يسمح بعقد اجتماعات لمجلس الوزراء، والشروع في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة دولياً وداخلياً لإعادة ترميم ما تبقى من مؤسّسات الدولة التي بدأت تنهار الواحدة تلو الأخرى.

عبثاً يحاول الرئيس نجيب ميقاتي الاستعاضة عن التعطيل القائم بتفعيل عمل اللجان الوزارية وعقد الاجتماعات الثنائية، للبحث عن بعض المخارج للأزمات المحدقة. فالثقة المطلوبة دولياً معدومة في ظلّ حكومةٍ لا تجتمع. وإلى أي مساعداتٍ يطمح لبنان وهي مشروطةٌ بإصلاحاتٍ لا يمكن تنفيذها إلا بوجود حكومةٍ فعّالةٍ أُعطيت لها حصرية القرار الاقتصادي بحسب الدستور.

تداعياتٌ لا تحصى لعدم انعقاد مجلس الوزراء على الواقع الاقتصادي والمعيشي وعدم اتخاذ قرارات، في ظل تآكل الليرة اللبنانية أمام السوق السوداء، وازدياد نسبة الفقر بحسب تقرير الإسكوا الأخير الذي أشار إلى أن نسبة المُقيمين في لبنان ممن يعيشون في فقرٍ متعدّد الأبعاد قد تضاعفت إلى 82% في مقابل 42% في 2019.

وممّا لا شكّ فيه أنّ موقف لبنان الذي يعوّل على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ضعيف في ظلّ حكومة لا تجتمع، وفي هذا الإطار رأى الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي في حديث لـ “هنا لبنان” أن “لا أفق للحلول في ظلّ مشهدٍ سياسيٍّ متأزّم يضعف من إمكان إيجاد حلول سريعة، فخطة لبنان الأساسية تركّز فقط على صندوق النقد الدولي فيما الحكومة والقوى السياسية تتناسى حلولاً أخرى هامة جداً من الممكن أن تفيد الاقتصاد المحلي أكثر من صندوق النقد كالاستثمارات الخارجية والعروض من روسيا وألمانيا ودول أخرى متعلقة بالكهرباء والصناعة والزراعة والنقل العام”.

وفيما يتخوّف خبراء من انسحاب ما تبقى من استثمارات أجنبية مباشرة في ظل الشلل الحكومي، لفت جباعي إلى “التأثير السلبي لتعطيل جلسات الحكومة على الاقتصاد اللبناني وإلى خسائر اقتصادية في ظل عدم اتخاذ قرارات لها علاقة مثلاً بالرواتب والأجور والبطاقة التمويلية ما يؤدي إلى خسائر بمئات ملايين الدولارات نتيجة توقف العمل في البلاد وتعطيل الموظفين والإضرابات المستمرة والشلل في الاقتصاد والإنتاج”.

في المقابل أكد جباعي أن “لا وضوح في عمل الحكومة، اجتمعت أم لا، إذ لم يقدّم الرئيس ميقاتي وفريقه الاقتصادي أي خطة عملية واضحة من أجل التعافي الاقتصادي، وبالتالي فإن الحلول بعيدة المنال”، لافتًا إلى ثلاثة ملفات اتفق على وضعها على طاولة الحكومة الحالية: “أولاً إجراء الانتخابات النيابية التي إن حصلت فستكون وفقاً للضغط الخارجي والوفاق الداخلي سواء اجتمعت الحكومة أم لا.

الملف الثاني هو الكهرباء وهنا الفشل الذريع، إذ لا خطة واضحة بشأنها والحلول ترقيعية إما باستجرار الغاز عبر الأردن ومصر وسوريا، وتوفير أربع ساعات من التغذية الكهربائية في اليوم كحدٍّ أقصى، أو استغلال النفط الخام العراقي الذي لم يثبت أصلاً نجاعةً في إيجاد حل للكهرباء.

أما الملف الثالث فهو المعيشي، وقد أثبتت الحكومة أيضاً فشلها، إذ أن وزير الاقتصاد، اجتمعت الحكومة أو لم تجتمع، لا يقوم بدوره الفعلي، فلا رقابة على المحلات ومؤشر الأسعار يرتفع بين 167 بالمئة و170 بالمئة بالشهر، ومعدل التضخم يتخطى 300 بالمئة بعد أن كان 288 بالمئة في السنة الماضية”. وأشار جباعي إلى “انكماش يقدر بأكثر من 25 في المئة من الناتج المحلي إضافة إلى خسائر بمئات ملايين الدولارات شهريًّا في ظلّ ترهلٍ في القطاعات العامة وضعف الإنتاجية”.

جباعي لا يرى قبل أشهر من الانتخابات النيابية “أي أمل أو فرصة من أجل إحياء عمل ما أو إنجاز اقتصادي أو إصلاحات جذرية بنيوية تشجع المجتمع الدولي لدعم لبنان ماليًّا ونقديًّا بشكلٍ كبير، مع العلم أنّ اجتماع الحكومة إن حصل سيعطي متنفساً في الموضوع النقدي فيخفّض قليلاً من سعر الصرف ويعطي القليل من الثقة المفقودة حالياً من خلال عرض إصلاحات محددة واتخاذ بعض القرارات التكتيكية الصغيرة للحدّ بشكلٍ بسيطٍ من الأزمة”.

بالخلاصة رأى جباعي “أنّه لا بدّ من اجتماع الحكومة وأن تتخذ القوى السياسية من الآن حتى الانتخابات قراراتها: أي بلد نريد؟ ما هو النمط الاقتصادي الذي سيعتمد؟ كيف ستكون الاستثمارات؟ كلّ ذلك يحتاج إلى حلول جذرية وإلى ترسيخ نظام سياسي اقتصادي جديد من أجل بناء عقد اجتماعي متين يمكن أن يساهم في معالجة الأزمة في المرحلة القادمة”.

وحتى موعد الانتخابات النيابية وانتظار تسويةٍ خارجيةٍ إقليميّة ووفاقٍ سياسيٍّ داخليٍّ للاستفادة كما يروّجون من أموال صندوق النقد الدولي، سيبقى لبنان رهينة “شد الحبال” وما على الحكومة إلا ملاقاة المجتمع الدولي إلى منتصف الطريق وتنفيذ بعض الإصلاحات.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us