باصات “تريبولاين”: مبادرةٌ أهليّةٌ تعوّض غياب النّقل العام المشترك في مدينة طرابلس


أخبار بارزة, خاص, مباشر 10 كانون الثاني, 2022

كتبت رانيا حمزة لـ “هنا لبنان”:

لم تعرف مدينة طرابلس يوماً النقل المشترك، على الرّغم من أنّها عاصمة لبنان الثانية وعاصمة الشّمال الأولى ومركز التقاء كلّ ضواحيها ومناطقها المجاورة. قد يبدو الأمر غريباً بعض الشيء لا سيّما لأهالي بيروت وسواها من المناطق التي تسير في شوارعها باصاتٌ مرقّمةٌ تُقلّ المواطنين بتكلفةٍ معقولةٍ مقارنةً بتكاليف سيّارات الأجرة من سرفيس وتاكسي. وعلى الرّغم من أنّها لا تلبّي طموحات المواطن أو تفي تصوُّرَه عن النّقل العام المشترك إلاّ أنّها أحلى الأمرّين في الوضع السائد.

منذ نحو الأسبوع، أطلقت مجموعةٌ من رجال الأعمال والعاملين في عددٍ من القطاعات في طرابلس مشروعاً للنقل المشترك، تحت اسم “Tripoline” يهدف إلى ربط المدينة بضواحيها والمناطق المجاورة بتكلفةٍ “تُراعي الأوضاع الصّعبة الّتي يمرّ بها النّاس” بحسب القيّمين على المشروع.
خطوةٌ جديدةٌ، بدت كبارقةٍ أملٍ بأن يكون العام 2022 عام المبادرات الإنمائية والخدماتية من أبناء طرابلس عسى أن تُحرّك عجلة الحياة في أرجائها وتُزيح عنها غيمة الحرمان التي غطّت سماءها عقوداً من الزمن.

النّقل في طرابلس بين الماضي والحاضر
سابقاً، كان أهالي الشمال عموماً والطرابلسيين على وجه الخصوص يتنقّلون ضمن المدينة أو من المناطق المجاورة وإليها عبر سيارات الأجرة “سرفيس” أو “تاكسي” بحسب قدرة المواطن.
في ساحة التّلّ هناك مواقف سيارات الأجرة الرسمية، أي التي يملك أصحابها نمرًا حمراء، والتي تقلّ الناس إلى منطقة أبي سمراء، وإلى منطقة زغرتا وإهدن، وإلى منطقة باب التبانة وجبل محسن، وإلى منطقة القبة، وإلى مدينة الميناء وعكار. كما يوجد على بُعد عدة خطوات من التل من ناحية السراي العتيقة موقفٌ يقلّ الناس إلى منطقة البداوي والمنية. أما من صوب منطقة الزاهرية فهناك موقفٌ يُقلّ الناس إلى منطقة الضنية، وفي ساحة عبد الحميد كرامي (ساحة النور) هناك مواقف أخرى إلى الميناء أو الكورة و”ضهر العين” والقلمون.
وعندما يركب المواطن في سيارة الأجرة من الموقف عليه أن ينتظر حتى امتلاء خمسة مقاعد، ثلاثة من الخلف واثنان من الأمام حتى ينطلق السائق إلى الوجهة المعنية.
وطبعاً بالإضافة إلى مواقف السيارات الرسمية هناك سيارات الأجرة الجوالة التي لا يحتاج فيها الراكب إلى الانتظار فالسائق فيها متحرّك طوال الوقت، ولكن المشكلة في هذه السيارات أنها لا تعدّ آمنة لعدّة أسبابٍ منها أنّ صاحب السيارة لا يملك بالضرورة نمرة عمومية “حمراء”، ولكنه يضع إشارة “أجرة”، وأحيانًا كثيرة لا يضعها ولكن النّاس اعتادوا على الصعود بمثل هذه السيارات، لأنّ معظم الذين ضاقت بهم الأحوال وتقطّعت بهم السبل، لجأوا إلى استخدام سياراتهم في هذه المهنة، ولأنّ معظم الناس لا يطيقون الانتظار طويلاً في المواقف.
أما الاستثناء فيتمثّل بوجود عددٍ من الباصات المخصّصة لنقل الناس من طرابلس إلى بيروت، المعروفة بالأسماء كالأبيض والأحدب والكونيكس. فضلاً عن عدد من “الفانات” التي تأتي من أقاصي عكار مروراً بمنطقة المنية والبداوي والتلّ وساحة عبد الحميد كرامي إلى بيروت.
وكانت تسعيرة التنقل في سيارات الأجرة ضمن مدينة طرابلس حتى وقتٍ طويل زهيدةً نسبياً بالمقارنة مع باقي المناطق، فعندما كان ابن العاصمة بيروت يدفع ألفيّ ليرة لبنانية في سيارة الأجرة كانت التسعيرة في طرابلس تبلغ ألف ليرة لبنانية فقط. لكن مع تمدّد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان منذ خريف العام 2019 وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، تدريجياً بدأت تعرفة سيارات الأجرة بالارتفاع طبعاً من ألف ليرة حتى وصلت إلى عشرة آلاف ضمن طرابلس وبزيادة مضاعفة من المدينة إلى ضواحيها والمناطق المجاورة، الأمر الذي شدّ الخناق أكثر على أهالي المنطقة الذين يعانون أصلاً من الضائقة المالية في مدينة صُنّفت يوماً بأنّها الأكثر فقراً على حوض المتوسط.

انطلاق باصات تريبولاين
نهار الاثنين 2022/1/3 انطلق أوّل خطّ نقل ضمن المبادرة والذي يربط بين طرابلس والكورة عبر عددٍ من المحطّات بين المنطقتين، حيث يسير باصٌ من ساحة عبد الحميد كرامي (النور) في تمام الساعة الثامنة إلا ربعًا صباحاً متجهاً نحو منطقة الكورة، بينما ينطلق باص آخر من عابا (الكورة) في تمام الساعة السابعة صباحاً. أما آخر رحلة للانطلاقة اليومية فهي عند الساعة السادسة والنصف مساءً من طرابلس، وعند الساعة الخامسة والنصف مساءً من عابا. ويمرّ الباص خلال رحلته بعددٍ من المحطات الثابتة التي يتوقّف فيها حصراً لمدة دقيقة واحدة أو بحسب ما يحتاجه الركاب من وقت للصعود والنزول من الباص، أما مواقيت الوصول إلى المحطات المحددة فتتوقف على زحمة السير على الطريق، وتمّ ذكر هذه المحطات على صفحة “المشروع” على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”.
وفي حديثٍ لموقع “هنا لبنان” مع المتحدث باسم المبادرة المهندس وائل زمرلي قال أنّ “هذه المبادرة قامت بها مجموعة من رجال الأعمال والشخصيات، هدفها تأمين نقل مشترك يليق بأهل طرابلس وبأسعار مناسبة في ظلّ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة التي تعاني منها المدينة ولبنان، والتي تنعكس ارتفاعاً في أسعار المحروقات وتسعيرة سيارات الأجرة”.
ولفت إلى أنّ “خط طرابلس الكورة هو ليس إلا البداية، وتمّ اختيار البدء به لعدة أسباب أبرزها مرور الرحلة بالجامعة اللبنانية وبالتالي فإنّ هذا المشروع يدعم طلّاب الجامعات في هذه الأوضاع الصعبة. وأيضاً إنّ أكثر من عشرين ألف طرابلسي يعيشون اليوم في مناطق الكورة بينما يعمل معظم أهالي المنطقة في مدينة طرابلس”.

التكلفة غير ربحية
وعن تكلفة بطاقة الحافلة، قال زمرلي أنّ “تكلفة البطاقة هي 7000 ليرة لبنانية فقط، تُدفع لمرة واحدة مهما كانت المسافة التي يقطعها الراكب بين المحطات”. لافتاً إلى أنّ “هذه الخطوة الصغيرة هي من ضمن مشروع يقوم على خمسة خطوط تربط طرابلس بمحيطها الميناء والبداوي والقبة وأبي سمراء فضلاً عن الكورة. وذلك وصولًا إلى الغاية الأساسية وهي تغطية كامل المدينة مع محيطها”.
تعدّ تكلفة سبعة آلاف ليرة مقبولة نسبياً لا سيّما للمتّجهين نحو مناطق بعيدة نسبياً إذ أنّ أجرة السرفيس على سبيل المثال نحو منطقة كفرقاهل تبلغ عشرين ألف ليرة بينما تتراوح بين خمسة وعشرين وثلاثين ألف ليرة نحو “عابا”، وبسؤال زمرلي عن ضمان استمرار المشروع مع الارتفاع بأسعار المحروقات أجاب: “نحن نعلم أنّ هذه الخطوة تحمل بعض الخسارة لنا ولكن نأمل الحصول على تسهيلات معينة وربما قد نتلقى تبرعات على هيئة باصات مثلاً أو نبدأ بعرض الإعلانات، فنحن قصدنا أن تكون الكلفة غير ربحية لمساعدة أبناء طرابلس”.
وبسؤاله إن كانت هذه المبادرة ستؤثر سلباً على أصحاب سيارات الأجرة من خلال خلق منافسٍ جديدٍ لهم، علماً أنّه في الأساس هناك منافسةٌ بين أصحاب اللوحات العمومية الحمراء وأصحاب اللوحات البيضاء، نفى زمرلي الأمر معتبراً أنّ “المبادرة فتحت أمام المواطن خيارًا آخر للمواصلات ذا مميّزات مختلفة تمامًا عن سيارات الأجرة، ولكل وسيلة خصوصيتها ممّا يمكّن المواطن اليوم من اختيار ما يناسبه منها وفق حاجته”.

لا للتوظيف السياسي
تأتي هذه المبادرة قبيل أشهر من الانتخابات النيابية في لبنان، وعليه يُخشى أن تكون بوابة دعاية انتخابية، كما يُخشى أن يسرع سياسيو المدينة إلى استغلالها كما سبق أن نجحوا بذلك من خلال مواقف سيارات الأجرة التي تتبع سياسياً لهذا الزعيم أو ذاك. وعلى هذا التخوف علّق زمرلي قائلاً: “نحن أشخاص مستقلون وليس لدى أحد منّا طموحٌ سياسيّ وبالطبع نرفض استغلالنا في هذا المجال وهذا أمرٌ محتوم”.
وختم مؤكّداً أنّ “هدف هذه المبادرة الإنمائية منذ الأساس هو إثبات أنه عندما يتكاتف الناس مع بعضهم البعض بإمكانهم الإتيان بمشاريع إنمائية مفيدة لمدينتهم”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us