المغتربون اللبنانيون: بيضة القبّان


أخبار بارزة, خاص, مباشر 12 كانون الثاني, 2022

كتبت ريمان ضو لـ “هنا لبنان”:

يروي أحد زوّار القصر الجمهوري، أنّه في أحد اللقاءات مع رئيس الجمهورية، توجه إلى الرئيس عون بالقول: “فخامتك، لأول مرة في كتير ناس عم يهاجروا ويفلوا من البلد”، فبادر فخامته بالردّ والقول: “بكرا بيرجعوا”.

قد يكون تفاؤل رئيس الجمهورية وثقته بعودة المغتربين منسوبَيْن إلى إيمانه بتحقيق الإنجازات في آخر سنة من عهده، كما صرّح في أكثر من مناسبة. لكنّ فخامته لا يدرك ربّما، أنّ الكثير ممّن غادروا البلد، إنّما هاجروا بسبب الانهيار الحاصل في عهده والذي، وإن لم يكن الوحيد، يتحمّل مسؤوليته.

بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن الأمن العام اللبناني، فإنّ نحو 77 ألفًا و777 لبناني غادروا بلدهم خلال عام 2021، مقارنة بـ 17 ألفًا و721 شخصا في عام 2020 على خلفية الأزمة الاقتصادية، التي تعصف به منذ أكثر من عامين. ولفتت دراسة صادرة عن الدولية للمعلومات إلى أن مجموع اللبنانيين الذين هاجروا من لبنان خلال الأعوام الأربعة الأخيرة (2018–2021) وصل إلى 195 ألفًا و433 شخص.

وبغض النظر عن الأرقام، فلا شكّ أنّ موجة الهجرة التي شهدها لبنان هي الأخطر في تاريخه، فهؤلاء لم يهربوا خوفًا من الموت برصاصةٍ أو قذيفةٍ كما حصل إبان الحرب الأهلية، إنّما غادروا هربًا من طبقةٍ سياسيّةٍ وحزبيّةٍ فاسدةٍ جعلتهم يرون في الغربة وطناً.

وما لا تدركه هذه الطبقة السياسية الحاكمة، أنّ معظم هؤلاء المغتربين حاقدون عليها، وينتظرون الفرصة للانقضاض عليها والانتقام منها. ولا سبيل إلى ذلك إلّا صندوق الاقتراع.
بحسب الخارجية اللبنانية فقد سجل نحو 245 ألف مغتربٍ لبنانيٍّ أسماءهم للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات النيابية المقرّرة في أيّار المقبل، وقد فاقت هذه الأعداد كلّ التوقّعات وإن كان عدد المسجلين يبقى ضئيلًا نسبيًّا لوجود ملايين اللبنانيين في المهجر.

لكن كيف سيصوّت هؤلاء؟ هل يستطيعون أن يكونوا قوّةً تغييريّةً وهم متحرّرون من الضغوط في الداخل، أم أنّ الماكينات الحزبية هي الأنشط والقادرة على تجيير المغتربين للتّسجيل أوّلاً والتصويت ثانياً لمصلحة اللوائح الحزبية؟
من المفيد أوّلاً القول إنّ الطائفة المارونية هي الأولى بنسبة 32.91% من الطوائف المسجّلة، تليها الطائفة السنية بنسبة 20.35% ثم الطائفة الشيعية بنسبة 19.98% والطائفة الأرثوذكسية بنسبة 10.13% والطائفة الكاثوليكية بنسبة 6.65% ثم الطائفة الدرزية بنسبة 6.46%.
الخبير الانتخابي كمال فغالي يوضح لموقع “هنا لبنان” أنّ أكثرية اللبنانيين المسجلين في الخارج سيقترعون لقوى التغيير، وهي الأقوى حاليًّا. إلّا أنّ الأمور تبقى رهن إعلان هذه القوى لوائح موحّدة لخوض هذه الانتخابات.
ويشير إلى أنّ تأثير أصوات المغتربين سيكون في دوائر: بيروت الأولى وبيروت الثانية، الشمال الثالثة (زغرتا بشري الكورة البترون) وجبل لبنان الرابعة (الشوف عاليه).
وتؤكّد أرقام فغالي هذه المقاربة، (الجدول المرفق) إذ سجّلت هذه الدوائر الإقبال الأكبر من الناخبين المغتربين على التسجيل. فقد حلّت دائرة الشمال الثالثة أوّلاً وارتفعت العتبة (الحاصل الانتخابي) 2.3 % أي نحو حاصلين ونصف إضافي عن العام 2018. وبمعنى آخر أنّ تصويت 70% من المسجلين يوازي مقعدين ويرفع العتبة إلى ألف صوت مقارنة مع العتبة في الانتخابات الماضية.
وفي دائرة بيروت الثانية ارتفع عدد المسجلين مرتين أكثر من العام 2018 أي نحو ما يزيد ألف صوت إضافي على العتبة أو مقعدين. أما دائرة جبل لبنان الرابعة، ارتفعت العتبة 193% أي مرتين أكثر من المرة الماضية ما يعني نحو ألف صوت.
وفي بيروت الأولى، ارتفعت العتبة 180% أي حوالي مقعدين إضافيين.
وارتفاع الحاصل الانتخابي من شأنه أن يصعّب المهمّة على الأحزاب المشاركة في الانتخابات في تحصيل عدد نواب وتحصيل العتبة الانتخابية المطلوبة.
أمّا فيما يتعلّق بقوى الأحزاب، يبقى حزب القوات اللبنانية الأقوى بين الأحزاب المسيحية، ومن المرجح عدم تراجع عدد المقاعد التي حصدها في الانتخابات الماضية، وإن كان كلّ ذلك يبقى رهن التحالفات الانتخابية التي من المفترض أن تتبلور في الأسابيع المقبلة.
أما الخاسر الأكبر فهو التيار الوطني الحر، إن لناحية عدم إقبال مناصريه في الخارج على التسجيل، أو بسب تبدل تحالفاته عن الانتخابات السابقة (مع الجماعة الإسلامية، تيار المستقبل، رجال الأعمال، مستقلون…) أو لناحية تراجع شعبيته، يشرح فغالي.
أما في الشارع السني، فإن تراجع تيار المستقبل أصبح واضحاً، وما يزيد المشهد ضبابية هو عدم حسم بعض الشخصيات السنية البارزة موقفها من الترشح أو عدمه، كحال الرئيس سعد الحريري أو الرئيس تمام سلام، أو حتى الرئيس نجيب ميقاتي. ويقدر فغالي التراجع بنسبة 50% من شعبية تيار المستقبل.
اللافت، أن فغالي يتوقع خرقًا في صفوف الثنائي الشيعي، ويقول إنه في حال وجود لوائح مدنية بديلة في الدوائر التي يسيطر عليها حزب الله وحركة أمل، فإن إحداث خرق في لوائح الثنائي وارد. ويشير فغالي إلى أنّ أكثرية المغتربين المسجلين من الطائفة الشيعية قد يصوّتون للوائح التغيير خصوصًا أنّ حزب الله لم يوعز للمحازبين والمناصرين بالإقبال على التسجيل.
مع الإشارة، بحسب فغالي، إلى أنّ الهموم المعيشية والحياتية هي العامل الرئيسي لدى الناخب الشيعي المغترب، بعيدًا من الشعارات الاستراتيجية التي بدأ حزب الله برفعها، مثل دعم المقاومة في وجه من يستهدفها ويحاول إضعافها، أو المحافظة على السلاح.
حال تراجع الأحزاب السياسية ينسحب أيضًا على الشارع الدرزي، ويعوّل على صوت المغتربين في إحداث تغيير خصوصًا في الشوف وعاليه.

كل هذه المقاربات قد تتغير وتتبدل بحسب خارطة التحالفات الانتخابية التي ستظهر قريبًا، إضافةً إلى مدى قدرة قوى التغيير على توحيد صفوفها وتقديم نموذجٍ جديدٍ من الأداء السياسي والانتخابي لإقناع اللبنانيين الغاضبين، كي لا يضطرّ هؤلاء إلى التزام منازلهم ومقاطعة الانتخابات.

عقباتٌ كثيرةٌ قد تعيق إجراء هذه الانتخابات، خصوصًا لناحية تأمين التمويل اللازم، وقد قال وزير الخارجية عبد الله ابو حبيب في مقابلته التلفزيونية الأخيرة إن الدولة اللبنانية بحاجة إلى تأمين حوالي مليون دولار لتمويل هذه الانتخابات. ويدرك الجميع أنّ رصد هذا المبلغ بحاجة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء، وهو متعذّرٌ حاليًّا، هذا إذا وُجد مصدرٌ لتأمين هذا المبلغ.

وفي كلّ الأحوال، انتخابات العام 2022، قد تكون الأهم منذ ما بعد انتهاء الحرب الأهلية التي خلع أمراؤها بدلاتهم العسكرية، وارتدوا ربطات العنق وجلسوا على طاولة مجلس الوزراء ومقاعد المجلس النيابي، لتقاسم غنائم تلك الحرب.
يتّفقون ويختلفون حسب القطعة ووفق المصلحة الخاصة، حتى أوصلوا البلاد والعباد إلى الانهيار الشامل وضرب كل مقومات الدولة، وأوغلوا بفسادهم في مؤسّساتها وحوّلوها إلى محميّاتٍ مذهبيّةٍ وطائفيّة.
قد تكون هذه الانتخابات فرصة التغيير الحقيقية، وقد يكون أبطالها هذه المرّة المغتربون الذين غادروا هذه الأرض تاركين فيها حزناً على ماضيهم، وأملاً بمستقبلهم. وربّما سيكون القرار لهم في الكثير من الدوائر لتحديد مصير من بقي في هذه الأرض، لتصحّ عليهم التسمية هذه المرّة كما يقول المثل اللبناني: بيضة القبان.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us