إيران تستبق فيينا بالتّصعيد


أخبار بارزة, خاص 19 كانون الثاني, 2022

كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان” :

ليس صدفةً أن يحتفل ابن السيد حسن نصرالله باستهداف الحوثيين “لمدينة الزجاج” أبوظبي، فمدن الخراب والعنف تأبى أن يتمّ تقييمها بنماذج البناء، لأنّ هذا التقييم يتحوّل إلى ألمٍ تراكمي دفين، يُترجَم على شكل تشفٍّ وتلهّفٍ للّحظة التي يتكسّر فيها الزجاج. والواقع أنّ الاحتفال من قلب الخراب والبؤس الذي يعطي له أصحابه مسميّات الكرامة والعزّة، لا يأتي إلا وفق معادلة الانتحار، بالنيابة عمن يوظّف هذه الطاقة التدميرية، لتكريس دورٍ إقليميٍّ لا يُصرف هو الآخر في أيّ اتجاهٍ له صلةٌ ببناء دورٍ حقيقيٍّ وقوةٍ غير مصطنعة. الكلام هنا عن إيران التي صحيحٌ أنّها لا تقاتل على أرضها لتكريس هذا الدور، لكنّها في المقابل ومنذ ثلاثين سنةٍ تبدّد موارد الشعب الإيراني لبناء الجيوش الستة (كما وصفها قاسم سليماني)، حتى باتت نسخةً مصغّرةً عن تجربة الاتّحاد السوفياتي الذي لم يسقط بسبب ضعف ترسانته العسكرية والنووية، بل بسبب انعدام الخبز والأمل والحرية.

تقاتل إيران بحزب الله والحوثيين والحشد الشعبي والنظام السوري وحماس والجهاد الإسلامي، وتخصّص ميزانياتٍ لتسليحهم، كي يكونوا جيوشها في الدول الأربعة، وفي قطاع غزة، وعينها على الخروج من قفص العقوبات الأميركية، بعد التسليم بدورها في المنطقة، وبنفوذها الذي رسّخته في هذه البلدان الأربعة، وباستعمالها لهذه الأدوات لتهديد دول الجوار وابتزازهم بأمنهم واستقرارهم.

ليس من المفاجئ أن تحرّك إيران الحوثيين لاستهداف الإمارات العربية المتحدة، في الوقت نفسه الذي بدأت تتحدّث فيه عن تقاربٍ مع السعودية ودول الخليج وعن إعادة فتح السفارات. فإيران التي تفاوض في فيينا متيقّنةٌ بأنّ إدارة بايدن، دخلت هذه المفاوضات كي لا تخرج منها إلّا باتّفاق، تطرح أدواتها على الطاولة، قبل الاتّفاق الذي تراه وشيكاً، وتستعمل هذه الأدوات لنيل أكبر مكاسب ممكنة، وفي حساباتها أن الأسلوب القديم ما زال قادراً على حصد أكبر النتائج. في الحسابات القديمة إنّ تهديد استقرار الخليج بعملياتٍ إرهابية، هو الأسلوب الأفضل لكسر إرادة هذه الدول، ولإجبارها على التسليم بالشروط الإيرانية، ما سيعني القبول بلعب إيران دوراً يتجاوز دور شرطيّ الخليج كما كان يطمح الشاه، بل يذهب إلى حدّ اللعب بالأمن القومي للسعودية والكويت والإمارات والبحرين، من خلال المسّ بالنسيج الداخلي لهذه الدول، وهذا ما يعتبر بالنسبة لها تجاوزاً لكلّ الخطوط الحمر.

في موازاة استهداف الإمارات والاستمرار باستهداف السعودية، على وقع التحوّلات الميدانية في اليمن، تبدو إيران الواثقة من ميوعة الموقف التفاوضي لواشنطن، في مفاوضات فيينا، تبدو في وضعية شراء الوقت، وفي حساباتها أيضاً أنّ إدارة بايدن مستعجلةٌ على توقيع اتّفاقٍ حتى موعد أيار أو حزيران المقبل، أي قبل ستة أشهر تقريباً من موعد الانتخابات النصفية الأميركية، إذ لا تريد هذه الإدارة أن يكون الاتفاق قريبًا زمنياً من موعد هذه الانتخابات لعلمها أنّ طبيعة التفاوض والاتّفاق لن يكون ممكناً تسويقه على أنّه انتصارٌ دبلوماسي، إذ لن يقيّد نفوذ إيران في المنطقة ولن يقيّد برنامجها الصاروخي، بل سيكون نسخةً ربّما غير منقّحة عن اتفاق 2015 ، كما أنه لن يكون متيسّراً إقراره في الكونغرس (كما يطالب الإيرانيون) نظراً لعدم توفّر أغلبيةٍ مؤيّدة.

بقرارها استهداف الإمارات في هذا التوقيت، تكون إيران قد أرسلت الرسالة الأوضح سواء للمفاوضين في فيينا، أو للدول المستهدفة في فيينا: “النفوذ الإيراني في اليمن وسوريا والعراق ولبنان خارج دائرة التفاوض”، والدليل عدم التورّع عن استعمال أداة الحوثيين لهزّ الاستقرار في كلّ المنطقة، ولوضع دولها تحت تهديد الصواريخ والمسيّرات.

السؤال أنه في حال اندفعت إدارة بايدن إلى اتّفاقٍ مع طهران يكرّس هذا النفوذ، ماذا سيكون موقف دول الخليج العربي، وكيف سيتمّ الحفاظ على التوازن العسكري، في ظلّ الخلل الذي سينتج عن هذا الاتفاق. الأكيد أنّ خياراتٍ كثيرةً تُطرح على طاولة القرار الخليجي، منها ما بات معروفاً، ومنها ما قد يستجدّ، لكن في المحصّلة سيكون على المنطقة أن تتهيّأ لمرحلةٍ متجدّدةٍ من المواجهة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us