مناقشة الموازنة تحت نظر “صندوق النقد”: أرقامٌ تلبّي الشروط والتطبيق مستحيل!


كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:

أكثر من عامين على الأزمة الاقتصادية والمالية، ولبنان لم يجد مساره للوصول إلى التعافي والاستقرار. عوامل عديدة تشابكت في ظل “لا ثقة” رفعها حتى المجتمع الدولي في وجه المسؤولين اللبنانيين، آخرها تقرير البنك الدولي عن كساد الاقتصاد اللبناني بعنوان “الإنكار الكبير” يشير فيه إلى أن الكساد المتعمد في لبنان هو من تدبير قيادات النخبة التي تسيطر منذ وقت طويل على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها الاقتصادية.
أجواء الـ “لا ثقة” هذه تأتي في وقت تناقش الحكومة موازنة 2022 مُحاوِلةً أن تقارب أرقامًا تستحوذ على ثقة صندوق النقد الدولي الذي عادة عندما يقرر تمويل بلد ما ينصح بشبكة أمان اجتماعي وتخفيض نسبة العجز للناتج المحلي وغيرها من الأرقام التي يجب أن تكون واضحة في الموازنة والتي يعدّ إقرارها مطلبًا رئيسيًّا للصندوق بالتوازي مع إقرار خطة التعافي الاقتصادي، وقد شكلت أرقام الموازنة بحسب معلومات “هنا لبنان” محور استفسار من قبل فريق الصندوق في المفاوضات الرسمية التي انطلقت منذ أسبوع افتراضياً عبر تقنية الاتصال المرئي، لا سيّما ما يتعلق منها بالإيرادات والنفقات وكيفية خفض الدين العام، العجز، سعر صرف الدولار الذي سيعتمد في الموازنة -خصوصًا أنّ توحيد سعر الصرف شرط من شروط الصندوق قبل الاتفاق النهائي معه- إضافة إلى مسألة التقديمات الاجتماعية التي أقرها مجلس الوزراء.
الجولة الأولى لهذه المفاوضات تستكمل هذا الأسبوع، وبطبيعة الحال تتّجه الأنظار إلى ما ستقرّه الحكومة من تعديلات على أرقام الموازنة ما سيكون بحسب المتابعين محور اهتمام فريق صندوق النقد خصوصًا أنّ أيّ خطة إنقاذ اقتصادي ستأخذ بعين الاعتبار أرقام الموازنة.
ولكن هل تلبي أرقام الموازنة طلبات صندوق النقد؟
يسجل بحسب المتابعين غياب النظرة الإصلاحية في بنود الموازنة لإعادة تقويم مالية الدولة، ما يتعارض مع المطلب الأساس إن كان لصندوق النقد أو المجتمع الدولي وغياب البعد الاجتماعي لحماية شرائح المجتمع المهمشة والفقيرة.

وفيما أنّ الموازنة خير من لا موازنة، يؤكد الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي في حديث لـ “هنا لبنان” أنّ أحد أبرز شروط صندوق النقد موازنة علمية واضحة تحدد الأرقام بشكل صحيح وتعطي نموًّا أو إمكانيةً لنموٍّ ولو بسيط حتى يستطيع صندوق النقد أن يؤمن المبلغ المطلوب للبنان. إلّا أنّ أرقام موازنة 2022 تضخمية خصوصًا في ما يتصل بتوقعات الإيرادات، لأنها مبنية على أسس غير علمية وغير واضحة لناحية كيفية تحصيل هذه الإيرادات، علمًا أنّ لبنان لم يستطع سابقًا تحصيل كامل إيراداته في أي موازنة ولم تكن تتخطى نسبة الخمسين في المئة كمعدّلٍ وسطيٍّ من تحصيل الإيرادات.
فما بالنا اليوم عندما نرفع الرسوم على المواطنين وعلى سعر صرف جديد، حينها سينخفض الطلب على هذه الرسوم، وسينخفض الاستيراد مع رفع سعر صرف الدولار الجمركي وبالتالي لن تكون الأرقام المتوقعة دقيقة إذا تم احتساب نسبة الاستيراد السابقة يضاف إليها سعر دولار جمركي محدد، وبحسب وزير المالية من الممكن تحصيل 14 ألف مليار، إلا أنّ رفع السعر سيؤدّي حتمًا إلى انكماشٍ في الطلب ما يخفّض نسبة الإيرادات المتوقّعة.
وإذ رأى جباعي أنّ الموازنة تلبّي رقميًّا شروط صندوق النقد ولكن فعليًّا وعند التطبيق هناك صعوبةٌ في تحصيل هذه الإيرادات لا سيّما أنّ نسبة العجز من الناتج المحلي التي قدّرها وزير المالية بـ 2,3 بالمئة أمرٌ صعبٌ تحقيقه، لأنّ نسبة العجز في أهمّ دول العالم تتراوح بين الـ 5 والـ 7 بالمئة، وبالتالي هذا الرقم مبالغٌ فيه. معربًا عن اعتقاده أنّ نسبة العجز ستكون أعلى خصوصًا أنّ حجم تحقيق الإيرادات سيكون صعبًا والفرق بين الإيرادات والنفقات سيسجّل أكثر من 15 ألف مليار، الذي هو العجز، لأنّ سلفة الكهرباء التي تبلغ 5250 مليارًا ستضاف إلى العجز الذي قُدِّر بـ 10262 مليارًا يضاف إلى ذلك عدم القدرة على تحصيل 39 ألف مليار كما حددت الموازنة وبالتالي من الممكن أن يصل إلى 25 أو 28 ألف مليار ما يعني أنّ 2,3 بالمئة من الناتج المحلي من الصعب تحقيقه.
أما السؤال الأساسي وفق جباعي: على أيّ سعر للصرف احتسب وزير المالية الناتج المحلي؟ وإذا عاد وارتفع الدولار في السوق كيف سيتمّ احتساب الناتج المحلي من جديد؟ خصوصًا أنّ الموازنة توضع لعام واحد ومن المتوقّع أن يعاود الدولار الارتفاع إذا لم يتمّ الاستمرار بضخّ الدولار من قبل الجهات المعنية.
ومن الناحية الاقتصادية، الموازنة لا تلبّي لا شروط صندوق النقد ولا غيره، لأنّها تعطي فقط نحو 2200 مليار للنفقات الاستثمارية علمًا أنّه يجب أن تبلغ 12 ألف مليار كحدٍّ أدنى، وهذا ما لا يتوافق مع مبدأ الإصلاح الاقتصادي والاقتصاد المنتج المطلوب.

إذًا الموازنة تلبّي رقميًّا وظاهريًّا شروط صندوق النقد ولكن العبرة في التنفيذ والتطبيق، وهو أمرٌ صعبٌ في ظلّ موازنةٍ صوريةٍ غير منطقيةٍ بأرقامها، إلّا أنّ لبنان يلبّي في إقرار الموازنة -ضمن الممكن- مطلبًا لصندوق النقد بانتظار أن يبتّ بخطة التعافي الاقتصادي، ما يعني أنّ التعديل واردٌ فيها مع كلّ توافق مع صندوق النقد على إصلاحاتٍ معينةٍ.
وعلى رغم تأكيد مصادر لـ “هنا لبنان” أنّ المفاوضات مع الصندوق تسير في الاتجاه الصحيح إلّا أنّ الأجواء انطلاقًا من وتيرة التفاوض لا تشي بقرب عقد اتفاقٍ قبل الانتخابات النيابية إذ أنّ المجتمع الدولي يعوّل على نتائجها وصندوق النقد أحد أدوات المجتمع الدولي الاقتصادية، وما تقرير البنك الدولي الأخير إلّا إشارة واضحة من المجتمع الدولي لأهمية التغيير في الطبقة السياسية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us