لبنان الكيان مهدّد: الانتخابات محطة مفصليّة


أخبار بارزة, خاص 15 شباط, 2022

كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:

تكرّس في السنوات الأخيرة واقع سياسي جديد عنوانه الأساسي التفاوت بين مسارات الحياة الدستوريّة والمؤسساتيّة (مثل الرئاسات الثلاث والقضاء والوزارات والمجلس النيابي وسائر مكونات الدولة) وبين الواقع الذي فرض نفسه بشكل تدريجي لناحية مصادرة القرار السيادي والوطني من قبل قوى وأطراف معيّنة.

ثمّة حياة سياسيّة ناشطة (ولو أن الشعار الشعبي القائل: “حركة بلا بركة” ينطبق على الكثير من مندرجاتها)، يقابلها بكل وضوح استئثار بعض القوى بمسار الأحداث وفقاً لمصالحها وأهوائها ولو أن هذه المصالح تتناقض مع المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة وتتطابق مع رؤية الرعاة الإقليميين ومشاريعهم وأهدافهم.

هذا الواقع السياسي بات قائماً وأصبح بمثابة الأمر الواقع الذي لا يمكن لأي مراقب سياسي أن يغفله أو يتغاضى عنه. ولكن أن تتم المجاهرة بذلك من قبل تلك الأطراف بكثير من المكابرة بما يرمي في مكان معيّن إلى “تنفيس” الاستحقاق الانتخابي المرتقب وإفراغه من مضمونه، فإن ذلك لا يعدو كونه خطوة جديدة على طريق إسقاط مشروع الدولة بمؤسساتها ومرافقها وهيئاتها… والأهم هو الإسقاط التدريجي لهيبتها.

أن يُقال بأن الانتخابات النيابيّة لن تقدّم أو تؤخر في موازين القوى الفعليّة مهما كانت نتائجها، فإن ذلك يثبت، بما لا يقبل الشك، أن المشروع الموازي لمشروع الدولة يسير قدماً نحو استكمال عناصر نجاحه دون أي اعتبار يُذكر لسائر شرائح المجتمع اللبناني ومكوّناته السياسيّة أو لمختلف تلاوينه الاجتماعيّة.

صحيحٌ أن إدارة التنوّع اللبناني كانت تاريخيّاً قضيّة شائكة ومعقدة نتيجة الانقسامات المحليّة التي غذتها بصورة متواصلة المحاور الإقليميّة والدوليّة مما أدّى في بعض الأحيان إلى وقوع نزاعات مسلحة باهظة الأثمان؛ ولكن الصحيح أيضاً أن هذه التعدديّة اللبنانيّة كانت دائماً مصدر غنى وجعلت من لبنان وطن “الرسالة” وليس مجرّد دولة هامشيّة لا طعم لها ولا لون.

لذلك، فإن إسقاط التجارب المتتالية في إدارة التنوّع، على خطورتها، لا تخوّل أيّاً من الأطراف التي تمتلك فائضاً من القوّة في هذه اللحظة السياسيّة نتيجة العديد من الاعتبارات المحليّة والإقليميّة، فرض أمر واقع جديد يكون عنوانه الأساسي ضرب أسس العيش المشترك ومرتكزاته ومصادرة القرار الوطني اللبناني المستقل تحت أي مسمّى من المسميات.

بمعزل عن الاصطفاف السياسي الذي سوف تشهده الانتخابات النيابيّة المرتقبة وبمعزل عن النتائج التي سوف تتمخض عنها؛ لا يمكن التقليل من أهميّة هذا الاستحقاق الديمقراطي المنتظر أو العمل على “تطييره” أو إسقاط مفاعيله قبل حصوله. مع إقفال معظم قنوات التغيير، فإن هذا الاستحقاق ليس استحقاقاً هامشيّاً وعابراً في الحياة السياسيّة اللبنانيّة، بل هو محطة منتظرة من الكثير من اللبنانيين في الداخل والخارج.

لا مناص من أن تحافظ بعض الكتل النيابيّة التي ناضلت في سبيل الحريّات والاستقلال على حضورها، ولا مفر من أن يتم تطعيم المجلس بنواب جدد يمثلون روح التغيير، فلماذا السعي المسبق لمصادرة آراء هؤلاء ومواقفهم واحتلال مواقعهم في ساحة النجمة؟

ليست الديمقراطيّة اللبنانيّة مثاليّة بأي شكل من الأشكال، وتعترضها عثرات هائلة في النصوص وفي الممارسة، ولكنها تبقى أفضل من الأنظمة التي تصادر حريّات الشعوب وتأسرها في أقفاص ومعتقلات كبيرة عنوانها الانغلاق والتّزمت والسياسات الهوجاء الملتوية. لذلك، دخول الأحرار إلى المجلس النيابي ليس تفصيلاً. إنها معركة بقاء.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us