النظام العالمي بعد غزو أوكرانيا ليس كما قبلها


أخبار بارزة, خاص 28 شباط, 2022

كتب د. طوني وهبه لـ “هنا لبنان”:

شكلت نهاية الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفيتي مع منظومته الاشتراكية مفصلاً حاسماً في تاريخ العلاقات الدولية، حيث تفردت الولايات المتحدة الأميركية بزعامة العالم، مستفيدة من نفوذها السياسي والعسكري ومن قدرتها الإقتصادية لفرض سيطرتها في نظام عالمي جديد، أحادي القطبية.

وبرزت أحادية القطبية الأميركية من خلال فرضها للنظام الرأسمالي الليبيرالي، وتربعها على قمة الاقتصاد الدولي، حيث تساهم بأكثر من ثلث الناتج الاقتصادي العالمي وتتحكم بأكثر من نصف المبادلات التجارية العالمية التي تتم عن طريق الدولار الأميركي.

كما قامت الولايات المتحدة بحل العديد من النزاعات الدولية وإسقاط العديد من الأنظمة بما يتوافق ويخدم مصالحها الاستراتيجية. مستخدمة للمؤسسات ذات الطابع الدولي كمؤسسات الأمم المتحدة ومنها مجلس الأمن ومنظمة التجارة العالمية والمنظمات غير الحكومية والشركات المتعددة الجنسيات من أجل تنفيذ مخططاتها ومشاريعها.

وبسيطرتها على وسائل الإعلام ساهمت الولايات المتحدة بنشر ثقافتها والتسويق للنموذج الأميركي، بما يخدم سياستها، ونشر أفكارها التي سوّقت لها واستطاعت فرضها على العالم.

وقد أودت الأحادية القطبية الأميركية أيضاً إلى تخلي العديد من الدول عن النظام الاشتراكي الموجّه واتباعها للنظام الرأسمالي وتخلي بعضها عن خصوصياتها وذوبانها بالنموذج الأميركي، وإلى انقسام العديد من الدول وتقسيمها، وإلى زيادة الفروقات الاقتصادية والمعيشية بين الدول الغنية والدول الفقيرة إلى مئات الأضعاف.

أما اليوم ومع الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت تظهر ملامح تشكل نظامًا عالميًّا جديدًا، يقوم على التعددية القطبية، فروسيا من خلال غزوها تريد ضم أوكرانيا أو أجزاء منها، لإخلاء وإقامة منطقة عازلة بوجه الناتو، لتكون في موقع قوة يمكّنها من إعادة رسم المعادلات الجيوسياسية في شرق أوروبا، وإعادة نفوذها الدولي، مع إقتناع بوتين بأن سلاح العقوبات الذي يمارسه الغرب، لم ولن يوجع ويحقق أهدافه، خصوصاً أن هناك حدوداً لهذه العقوبات لأن الدول الأوروبية ستتأثر سلباً بسبب أزمة الطاقة التي تستورد 41 بالمئة من حاجاتها للغاز و27 بالمئة من النفط من روسيا، إضافة إلى السلع الغذائية، وهي مواطن ضعف في الموقف الأميركي والأوروبي اللذين تقتصر مواقفهما على الوعيد والتهديد ما يعزز خيار بوتين بما قام به.

وما يزيد الصورة وضوحاً، الموقف الصيني المتسم بالصمت حيال الغزو الروسي لأوكرانيا، وقد أرسلت بكين مقاتلاتها الحربية مخترقة المجال الجوي لتايوان، حليفة الولايات المتحدة والتي تنظر إليها الصين كجزء من أراضيها التاريخية، ورفضها توصيف العملية الروسية بأنها غزو، وقالت على لسان الناطقة باسم جمهورية الصين أن من حق روسيا الدفاع عن نفسها، متهمة الولايات المتحدة بارتكاب المئات من جرائم الحرب والغزو غير المبررة في مناطق عديدة من العالم.

والإعلان الصيني واضح بدعم روسيا وتشديدها على أن تايوان جزء من أراضيها، إضافة إلى أنباء عن تحرك الأسطول البحري الصيني على حدود دولة تايوان إستعداداً لعملية عسكرية من أجل ضمها للصين الشعبية، ورفضها للعقوبات الأميركية عليها والتي وصفتها بأنها إنفرادية وغير عادلة، والتي لن تصل إلى أهدافها وهي تؤذي الشعوب في معيشتها فقط.

الأحداث تتسارع، والموقف الصيني واضح بأن تايوان ليست دولة ولا اعتراف بها كدولة مستقلة، بل جزء من الصين، وهي متحمسة لاستعادتها، حيث تصف حكام تايوان بالمتسولين للمساعدات الدولية للدفاع عن أنفسهم، والولايات المتحدة لا تمتلك المؤهلات لإجبار الصين بما يجب أن تفعله.

إذاً، هذه هي صورة العالم اليوم، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا والتي ينتج عنها، فرض معادلات سياسية جديدة، مع الإنكفاء الأميركي واقتصار ردود الناتو على العقوبات، تجد الصين الفرصة سانحة للانقضاض على تايوان لاستعادتها، ومناطق أخرى من العالم تريد حذو حذوها، ما يؤسس لظهور محاور دولية جديدة تضعف أحادية الولايات المتحدة وتعزز تعددية الأقطاب على الساحة العالمية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar