مصير اللبنانيين في أوكرانيا معلّق بين كرات من جليد وكرات من النار


كتبت رانيا حمزة لـ “هنا لبنان” :

تعيش الجالية اللبنانية في أوكرانيا اليوم مأساة حقيقية مع انطلاق العمليات العسكرية بين “موسكو” وكييف، والظروف التي تواجهها لم تشهد مثلها حتى في الوطن الأم، فصحيح أن لبنان عرف حروباً وخضّات أمنية، ولكن لم يكن يوماً طريق الخلاص معبّداً بأرتال من الثلوج التي هي أشبه بصحراء جليدية النجاة منها نصيب “الأبطال” فقط. وبين نيران الحرب وجليد دروب الخلاص، يبدو أن قدر اللبنانيين هو العيش في سباق مع الموت والهرب من الحروب أينما حلّوا، وطبعاً في كل مرة يظهر عدم اكتراث الدولة اللبنانية بمصير أبنائها.
منذ أيام دقت روسيا أجراس الحرب على أوكرانيا من خلال خطاب أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معتبراً أن السبب الرئيس هو الدفاع عن أمن بلاده. في البداية ظن اللبنانيون أن حرباً مندلعة في أوروبا قلما تؤثر بهم بشكل مباشر، إلى أن استفاقوا على مناشدة الجالية اللبنانية في أوكرانيا للدولة مساعدتهم بالهروب من أتون المعارك التي لا ناقة لهم بها ولا جمل، والعودة إلى لبنان ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟!
اكتفت وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية بإطلاق بيان منذ نحو ثلاثة أيام دعت خلاله “جميع الرعايا اللبنانيين المقيمين في أوكرانيا الى توخي أقصى درجات الحيطة والحذر والبقاء “حالياً” في أماكن آمنة”، وحثت الراغبين بالمغادرة على تسجيل أسمائهم على رابط إلكتروني”.
ثم تطورت الأوضاع واحتدمت المعارك وغابت السفارة اللبنانية في أوكرانيا عن السمع، وما عادت ترد على اتصالات رعاياها الخائفين. وفي لبنان، بدأ الناس بمتابعة مجريات الحرب بين البلدين في ترقبٍ وخوفٍ ليس شغفاً بالسياسة الدولية، وإنما لأن هناك أمهات وآباء وعائلات أرسلوا أبناءهم إلى أوكرانيا إما طلباً للعلم في جامعاتها أو بحثاً عن مستقبلٍ لهم، بعد ما أنهكهم لبنان وأوضاعه الاقتصادية المريرة مع خضّاته الأمنية المتتالية، والتي ليس آخرها ثالث أكبر انفجار في التاريخ، انفجار مرفأ بيروت.
وفيما يعيش الأهالي في لبنان على أعصابهم، والخوف بات قوتهم اليومي، يحاولون عبثاً الاتصال بالسفارة اللبنانية في أوكرانيا وبكل جهة مخولة أن تساعدهم في معرفة مصير أبنائهم وكيف السبيل إلى إعادتهم إلى لبنان سالمين، ولكن دون نتيجة.
وبعد أن كثرت استنكارات الأهالي لعدم مبالاتها، عادت السفارة اللبنانية في أوكرانيا إلى السمع، أقله على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لتبرير غيابها بحجة “انهماك موظفيها بالإجابة على الاتصالات الكثيفة أو لتلقيها الاتصالات بوقت متأخر جداً أو لأمور أخرى تتعلق بضرورات العمل”. وهنا يتجلى السؤال هل من توقيت في زمن الحرب؟ وأي ضرورات أولى من طمأنة أناس مهددين بحياتهم وأهالٍ خائفين على مصير أبنائهم؟
كما طلبت من الراغبين بمغادرة أوكرانيا ملء استمارة موجودة على موقع السفارة ووزارة الخارجية والمغتربين كما التواصل مع الأرقام التالية في بولندا 0048664094748 في بولونيا 0096170125388 ورومانيا 0040751691795 لتسهيل عبورهم عبر الحدود مع هذه الدول.

نحن عم نموت عملولنا شي!
“أنا أحمد الحلبي، نحن الآن على الحدود مع بولندا أنا و 15 شاب لبناني، وقد سمحوا لكل الجنسيات بالعبور إلا نحن. وقد حاول الشباب منذ قليل الدخول ولكن لم يسمح لهم ونحن الآن ننتظر ماذا سيحل بنا”، فيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي للطالب أحمد الحلبي الذي ينتظر عند الحدود مع شقيقته أميرة بعد رحلة شاقة امتدت لأيام روتها والدتهما شادية الحسن في اتصال مع موقع “هنا لبنان” حيث قالت: “وصل ولداي إلى الحدود عند الساعة الثانية ونصف من بعد الظهر ولكن المشكلة لا تكمن هنا، فقبل ذلك أمضوا ثلاثة أيام دون نوم ودون طعام ودون قضاء حاجتهما (الدخول إلى الحمام). وأحمد وصل إلى الحدود وهو يعاني من التهاب حاد في القصبة الهوائية وحرارة مرتفعة أصابته بالهذيان”.
أضافت: “قطعوا نحو خمسة وعشرين كيلومترًا قبل أن يصلوا إلى الحدود، وشدة التعب دفعت ابني إلى التخلي عن حقيبته التي فيها ملابسه وأغراضه. قرابة الساعة الثانية فجراً وصلوا إلى الحاجز الذي يسمح بالعبور الأخير ولكن أحد الموجودين افتعل مشكلاً الأمر الذي دفع بالمعنيين هناك إلى إغلاق البوابة ثم العودة من الصفر الأمر الذي يفرض مزيداً من الانتظار الشاق و المضني في ظل الجوع والعطش والبرد القارس”.
تابعت وصوتها يختنق بالبكاء: “أريد أن يعود لي أولادي، أحمد 20 عاماً يدرس الهندسة وأميرة 19 عاماً تدرس الطب في آخر مرة تواصلوا معي قالت لي ابنتي أنهما يحضنان بعضهما البعض من أجل التدفئة. هما يعانيان من الانهيار النفسي والجسدي ابنتي في أحد تسجيلاتها الصوتية قالت لي “نحن عم نموت عملولنا شي”. تواصلوا مع السفارة اللبنانية في أوكرانيا فجاء الرد “شو منعملكم خليكن بالبيوت”. أناشد المعنيين باسم الإنسانية أن أعيدوا إليّ أولادي وأنا أخاف أن يموتا من التعب والانهيار الذي يمرّان به”.

السفارة اللبنانية مثل قلّتها
تحاول أذينة المصري كبح جماح الغضب الذي تشعر به إزاء تطنيش السفارة اللبنانية في أوكرانيا لرعاياها وتقول: “السفارة “مِتل قلّتها” الكل يحاول أن يتصل بها ولكن دون نتيجة فإما أن أحداً لا يرد أو تكون الخطوط خارج الخدمة”.
يدرس ابنها جاد الخير الطب في العاصمة كييف وعن وضعه الآن تقول: “ابني في وضع لا يحسد عليه، أحاول أن أتكلم معه باستمرار ولكن لا يجيبني قبل أربع ساعات. بت أعجز عن النوم وأنا أعيش قلقاً دائماً من أن يصيبه مكروه وأدعو الله أن يعيده إليّ سالماً معافى”.
يريد جاد العودة إلى لبنان مثل أغلب اللبنانيين هناك ولكن في بداية الأحداث انتقل إلى قرية خارج كييف فيما بقي باسبوره ومجمل أوراقه في منزله في العاصمة وهو بات عالقاً بين خطر العودة إلى أماكن القصف والعجز عن عبور الحدود دون باسبوره”.

مصير العام الدراسي برسم الحرب
ربما جلّ ما ينتظر الأهالي الآن هو عودة أبنائهم إلى أحضانهم، فسلامتهم هي الأولوية ولكن في الوقت نفسه يبقى مصير عامهم الدراسي مجهولاً. بقيت أربعة أشهر على تخرج عبد الرحمن الخضر من الجامعة في أوكرانيا بشهادة طبيب، إلا أن الحرب التي تشهدها كييف عطلت هذا الحلم الذي سعى إليه طويلاً و نغصت فرحة انتظرتها عائلته طويلاً ومع ذلك فإن جلّ ما تريده والدته اليوم هو أن يعود إلى حضنها سالماً معافى وفي حديث معها قالت: “كان في الملجأ مع عشر شباب لبنانيين ولكن حسبما قال فإنّ الملاجئ غير مجهزة وقديمة. لا يمكننا التواصل معه بشكل دائم ولكن في آخر اتصال علمت أن لديه زميلة مصابة وأنه على بعد ثلاث ساعات من الوصول إلى الحدود”.
وبسؤالها عمّا سيحل بدراسته إن عاد قبل تخرجه أجابت: “في بداية الحرب كانت الجامعة ترفض إعطاء التلاميذ تصاريح بمدة الدراسة ولم يكن يسمح للتلاميذ بمغادرة البلاد. ثم بعدما تفاقمت الأوضاع لم يعد أحد يسأل عن شيء، والآن أنا جل ما يهمني عودة ابني”.

الدولة غير معنية بجلاء أبناء الأم اللبنانية
على الرغم من هول ما يعيشه اللبنانيون في “كييف” اليوم، إلا أن مشكلة جديّة بدأ بعض الأهالي يتداولونها ألا وهي عدم اكتراث الدولة بإجلاء أولاد الأم اللبنانية في أوكرانيا، هذا ما نقله محمد دهيبي في اتصال مع “هنا لبنان” حيث روى مجريات ما يحصل مع شقيقته فاطمة، وهي ليست تلميذة في أوكرانيا وإنما متزوجة ومقيمة مع عائلتها هناك وقال: “نهار الجمعة كانت تعد المناقيش من أجل أخذها في رحلتها نحو الحدود، وفي نفس المدينة يعيش ابن عمي الذي يدرس الطب. عندما توجهوا إلى القطار كثرة التزاحم أدت إلى انفصاله عنهم، وابن عمي احتفظ بالحقائب ولم يلتقوا به بعد الانفصال. زوجها تعرض للسرقة قبل أيام الأمر الذي أدى إلى تعطيل كل بطاقاته البنكية، وبالتالي ليس بحوزتهم النقود أيضاً وقد قيل لهم أنه عليهم السير نحو ثلاثين كيلومتر قبل الوصول إلى الحدود وهي معها ولدان أحمد (سنتين) وسلمى (ثلاث سنوات). مشكلة أخرى تواجهها اختي الآن، وهي أن زوجها أوكراني وسوري الأصل، وقد تواصلنا مع رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء “محمد الخير” الذي أعلمنا أن الإجلاء سيكون فقط للبنانيين وبالتالي هناك احتمال ألا يتم إجلاء أولاد أختي وزوجها”.

السفارة اللبنانية في بولندا: كل أمور اللبنانيين ميسرة بعد عبور الحدود
وفي محاولة للاستفسار عن الإجراءات التي يجب أن يتبعها اللبنانيون في أوكرانيا لتسهيل عبورهم الحدود، من خلال الأرقام المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم يأتِ الجواب إلا من الجانب البولندي وفي اتصال لموقع “هنا لبنان” مع سفيرة لبنان في بولندا رينا شربل، أكدت أن “أي عرقلة تحصل على الحدود ليست من الجانب البولندي وقالت: “نحن نرسل لائحة بمجموعة الأسماء التي تصلنا في كل ساعة. أما بالنسبة للإجراءات فهي تطلب امتلاك اللبناني جواز سفر وصورة عن الإقامة في أوكرانيا وفي حال تعذر الأمر يجب إعلام السفارة عبر الرقم الساخن (الوارد أعلاه) حتى نبلغ الحدود”.
ونصحت السفيرة كل الراغبين في التوجه عبر الحدود بتأمين “وسائل التدفئة والأكل والشرب لأنه ونتيجة الازدحام عند نقطة الحدود هناك ساعات انتظار تتراوح بين عشرين وستين ساعة مشيرة أن الأولوية هي مثل كل أوضاع الحروب للنساء والأطفال. وأشارت إلى أنه “بعد عبور الحدود هناك جمعيات تتولى مساعدة الناس وتهتم بتقديم كل ما يلزم لهم، كما تم تأمين مركز مؤقت في “وارسو” لاستقبال اللبنانيين وذلك بالتعاون مع رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد الخير”، لافتةً إلى أن “هناك طائرة ستأتي كل أسبوع لنقل الراغبين في العودة إلى لبنان”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us