عن “حرب تموّز” السياسيّة!


كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:

ليست الاستنسابيّة في إطلاق اتّهامات التخوين والعمالة سوى شكلٍ من أشكال التعبير عن الإفلاس السياسي لما تعكسه من فقدانٍ للحجّة والمنطق، ولما تبيّنه من ثقافة إلغاء الآخر المختلف وعدم القبول برأيه عندما يكون مغايرًا.
لقد كرّس المحور المسمّى محور الممانعة هذا المسار وعزّز هذه “الثقافة” بين جمهوره وعند حلفائه، فتراه يوزّع مضبطة الاتهام الجاهزة لديه على أخصامه السياسيين ويتغاضى عن ذلك فيما يخصّ حلفاءه مهما كانوا يعتمدون أسلوب النكد السياسي والانتهازيّة الرخيصة.
لقد تجاوز هذا المحور، على سبيل المثال والتذكير، أن يكون أحد كبار المسؤولين في تيارٍ حليفٍ له متّهماً بالعمالة لإسرائيل (تذكرون فايز كرم)، بينما تراه يطلق اتّهامات العمالة على أخصامه من القوى التي يُشهد لها بمواقفها الوطنيّة والعروبيّة. كما تجاوز لاحقاً قول حليفه أنّه يريد لإسرائيل أن تعيش بأمنٍ وسلامٍ مسقطاً العداوة الإيديولوجيّة معها (بينما ينادي المحور بتحرير القدس) دون أن يرى في ذلك أي شكلٍ من أشكال الخيانة السياسيّة.
ووفق المنطق ذاته، يتغاضى المحور اليوم عمّا يُنسب إلى رئيس الجمهوريّة في ما يتعلّق بقضيّة الترسيم البحري على الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي، ولا يعلق على ما يمكن وصفه بالخيانة العظمى جرّاء التراجع عن الخطوط البحريّة التي سبق وقيل أنّها حقٌّ ثابتٌ من حقوق لبنان البحريّة والسياديّة.
ما المغزى من القول اليوم، مثلاً، أنّ استحقاق الانتخابات النيابيّة المقبلة هو بمثابة “حرب تموّز سياسيّة”؟ هل الأخصام الانتخابيون لمحور الممانعة هم مثل العدو الإسرائيلي؟ ألا يستطيع هذا المحور أن يستنبط مصطلحاتٍ وعباراتٍ يمكن له أن يستنهض جمهوره من خلالها إلا هذه المقاربات التخوينيّة؟ ألم يحِن الأوان للإقلاع عن معزوفة التخوين التي تتكرّر عند كلّ منعطف؟
لقد أصبحت اللعبة مكشوفةً ومكشوفةً جداً. يحقّ للحليف أن يتجاوز “الخطوط الحمراء” وأن يدوس عليها وأن يسخر من “الثوابت” حتى ولو كانت على طرفي نقيضٍ من العناوين السياسيّة التي يرفعها محور الممانعة، دون أن يحظى ذلك بأيّ انتقادٍ لأنّ المصلحة الفئويّة تقتضي الحفاظ على التفاهمات التي تمّت صياغتها في لحظةٍ معيّنةٍ وتتواصل جهود إنعاشها رغم موتها السريري في بعض المنعطفات لأن المصلحة المتبادلة تقتضي ذلك.
ثمّة لهجة استعلائيّة تُستخدم في الخطاب السياسي لدى أطراف محور الممانعة، وهي تعكس مناخات فائض القوّة التي تعتبر تلك القوى أنها تتمتّع بها. اللهجة إيّاها تتمظهر في معادلاتٍ ملتويةٍ كالمعادلات التي ترتكز إلى تبرير أخطاء الحليف مهما كانت كبيرةً وتكبيل الخصم بعبارات التخوين والعمالة حتى لو لم تكن صحيحة.
لذلك، من المفترض أن تكون الخيارات الانتخابيّة لدى الناخبين اللبنانيين وعلى هؤلاء الاقتراع بوعي وحكمة للخيارات السياسيّة التي تعبّر عن تطلعاتهم وتساهم في إعادة التوازن إلى الاختلال الوطني العميق الذي يعيشه لبنان في هذه المرحلة الحرجة من تاريخه. إن تصوير الصراع في غير موقعه الصحيح إنما سوف يؤدّي إلى المزيد من الإطباق على القرار الوطني ومصادرته من قبل القوى المعروفة.
يكفي لبنان ما سدّده من أثمان على مدى عقود لحساب اللاعبين الخارجيين. لقد آن الأوان للالتفات للمصلحة الوطنيّة العليا بعيداً عن الاعتبارات المصلحيّة الضيّقة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us