المستشفيات تلوّح بالتوقّف عن استقبال مرضى “الضمان الاجتماعي”… حياة وصحة المواطن اللبناني بخطر والكارثة على الأبواب!


كتبت ريتا بريدي لـ “هنا لبنان”:

لا يلبث المواطن اللّبناني يستيقظ كلّ يومٍ، مع كلّ الاشمئزاز السياسيّ المسيطر على البلاد، ليسمع خبراً تلوَ الآخَر، يزيد من بؤسه ومن تساؤلاته حول مصيره ومستقبله في وطنٍ مهدّد بأن يفقد الحياة بكلّ معانيها في أية لحظة. وطبعاً، لا أهدف بكلماتي زيادة النقمة والشعور باليأس، إنّما وللأسف، هذا واقع الحال، وإنّها مجرّد قراءة لِما يحدث في بلدٍ مسؤولوه غائبون أو قد يكون تركيزهم حالياً يصبّ فقط على الإنتخابات المقبلة وربح الكراسي؛ ولكن بغيابهم وعدم تحمّل مسؤوليّاتهم، تغيب كرامة الإنسان بغياب أدنى متطلّبات الحياة، وحقوقه قد تكون مفقودة أو تتلاشى شيئاً فشيئاً.
فبعد انهيار العديد من قطاعات المجتمع اللّبناني في السّنتَين الأخيرتَين، لا يغيب عنّا القطاع الصحيّ الذي يعاني تدهوراً كبيراً منذ أشهر طويلة، من حيث انقطاع الأدوية اللازمة، وهجرة الأطبّاء المتزايدة، والأرقام المهولة في فواتير الاستشفاء. وها هي الأزمة الصحيّة على أبواب تفاقمٍ أكبر بحيث أنّ المستشفيات تلوّح بالتوقّف عن استقبال المرضى المتعاقدين مع “الضمان الاجتماعي”!
الضمان الاجتماعي، وهو الباب الذي من المُفترَض أن تقوم دولتنا الكريمة من خلاله بمسؤوليّتها تجاه “ضمان” صحّة مواطنيها، وهو حقٌّ بديهيّ لهم؛ اليوم، وأكثر من قبل، يتقاعس في تأمين هذه الضمانة عندما يدقّ الألم والمرض أبواب اللّبنانيين.
والمستشفيات، وهي الباب الذي من المُفترض أن يخدم أصحابها من خلاله إخوتهم في المجتمع، بحسب الرسالة الطبيّة التي ينادون بها ويتفاخرون بشعارات برّاقة لهدف تأسيسها؛ اليوم، إلّا أنّه مع كلّ الألم الاجتماعي الذي يمرّ به اللّبنانيّ، المستشفيات تريد إقفال “أبواب الرحمة” أمام من هُم بأمسّ الحاجة إليها.
ومع هذه المعمعة، الخاسر الوحيد في اللّعبة السياسيّة – الصحيّة، هو الإنسان اللّبناني، هو المواطن الذي يتألّم، هو المريض الذي قد تتوقّف حياته بسبب قساوة قلوبٍ فقدَت معنى الإنسانيّة والمسؤوليّة.

وبهذا الإطار، وفي حديثٍ لموقع “هنا لبنان” مع نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون أكد أنّه “نعم المستشفيات تقول أنّها ما عادت قادرة على استقبال المرضى على عاتق الضمان الاجتماعي، لأنّه توقف عن الدفع لها.
إذ كان الضمان الاجتماعي على مدى السنوات العشر الماضية يدفع سلفات شهريّة للمستشفيات في لبنان، وإلى حدّ الآن لم يتخذ مجلس إدارة الضمان الاجتماعي القرار بتجديد السلفات لسنة 2022 بعد، على الرغم من أنّ المدير العام الدكتور محمد كركي طلب هذا التجديد، ولكن المجلس العام لم يوافق عليه، وبذلك الضمان الاجتماعي لا إمكانية لديه للتسديد للمستشفيات”.
وأضاف، “أنّه في الوقت نفسه تدفع المستشفيات كل الأدوية والمستلزمات الطبيّة وبالتالي قطع السيولة عنها سيُؤدي لتعطيلها تماماً، ليس فقط من الضمان الاجتماعي بل من مصادر أخرى من الضمان منها وزارة الصحة، فلغاية الآن لم يُدفع للمستشفيات أيّ فلس عن سنة 2021، كذلك الأمر بالنسبة لقوى الأمن الداخلي فلم يدفعوا لها منذ سنتين، في وقتٍ الأزمة التي تمرّ بها المستشفيات في لبنان كبيرة وتفاقمت مع أزمة الضمان الاجتماعي”.
ويشير هارون أنّ “الجميع يُعتبر متضررًا مما يحصل، فبالنسبة للضمان الاجتماعي هو متضرّر لأنّه لا يقدر على التغطية الصحيحة للمنتسبين له، أمّا المستشفيات فهي متضرّرة لأنّها تدفع من أموالها وتسعى لتوفير السيولة للاستمرار، وكل يوم بات أصعب من الآخر في تأمين ما يلزمها، وبالتالي ما عاد بإمكانها تأمين كل الأدوية والمستلزمات الضرورية. والمتضرّر الأكبر من كل ما يحصل هو بالطبع المريض الذي لن يتمكن من تلقي العلاج”، على حد قوله.
فمثلاً بالنسبة لمرضى غسل الكلى، فلا إمكانية لقطع العلاج عنهم، وبالوقت نفسه المستوردين يطلبون تسديد فواتير المستلزمات الطبية والأدوية اللازمة لهذه الحالة الصحية نقداً عند التسليم كل شهر. كذلك الأمر بالنسبة لمرضى السرطان، فالأدوية باهظة الثمن، والشروط نفسها بين المستشفى والمستوردين، لذا كيف يمكن تحقيق ذلك إذا كان لا يوجد مدخول للمستشفيات؟
ويوضح هارون أنّ الحل يكمن في أن يتخذ الضمان الاجتماعي على الفور قراراً بإعادة دفع السلفات الشهرية للمستشفيات، ودفع السلفات التي كانت متوجبة عليه لشهرَيْ كانون الثاني وشباط، ومن ثمّ استكمال هذه الوتيرة في الأشهر المقبلة.

نقيب الأطباء في لبنان: الأزمة مزمنة منذ فترةٍ طويلة وكانت تُعالج بالمسكنات!

من ناحيته، وصَف نقيب الأطباء في لبنان الدكتور شرف أبو شرف، مشكلة القطاع الصحي والاستشفائي مع الضمان الاجتماعي مشكلة “مزمنة” منذ وقتٍ طويل، وكانت تُعالج فقط بالمُسكنات.
فقد طرحت نقابة الأطباء في لبنان وأيضاً نقابة المستشفيات، معالجات جذرية بالنسبة لدفع المستحقات، والمراقبة والمحاسبة مع الضمان الاجتماعي؛ ولكن من دون نتيجة.
وأضاف أنّ المستشفيات كانت تأخذ السلفات، والأطباء كانت حقوقهم مهدورة وأتعابهم تُدفع متأخرة، هزيلة ولا يوجد فصل أتعاب. وأشار أبو شرف إلى أنّه قَبل الأزمة كان الوضع مقبولاً، ولكن بعد الأزمة الاقتصاديّة الحالية أصبحت النتائج كارثية: الضمان الاجتماعي مفلس، الدولة اللبنانية مفلسة، الشعب مضمون بالشَكِل؛ ولكن أيضاً مفلس!
ويُتابع الدكتور شرف أبو شرف أنّ وزارة الصحة العامة رفعت التعريفات خمسة أضعاف بمساعدة قرض من البنك الدولي، وفي المقابل الضمان الاجتماعي الذي تم التواصل معه لا زال يبحث عن التمويل. لذا هناك من عليه أن يدفع الكلفة حتى نتمكن بالاستمرار، من هنا قررت نقابة المستشفيات عدم قبول مرضى “الضمان الاجتماعي”، وهنا قال النقيب: “أنا بعتبرها كارثية!”… وأضاف أنّهم في نقابة الأطباء، كانوا يتمنون ألّا تصل الأمور إلى هذا الحد.
وفي حديثه لموقع “هنا لبنان” تحدّث أبو شرف عن هجرة الأطباء الاختصاصيين، وأزمة في ما يتعلّق بأطباء غسيل الكلى، لأنّ تعرفاتهم هزيلة جداً، ويسأل: “من سيعوّض هذه الخسارة؟”
لذا عن الحل، فاعتبر أبو شرف أنّه دائماً يقع على كاهل المواطنين بمن فيهم الأطباء، على الرغم من أنّه تم رفع التعرفة لتحفيز أطباء لبنان على البقاء في بلدهم، وزاد أنّه من الضروري دعم القطاع الاستشفائي والطبي مالياً، حتى يتمكن الأطباء من القيام بواجبهم بالشكل الصحيح.
في حال لم تتمكن المستشفيات من تأمين التمويل فقد تقفل أبوابها ولن يتبقى لديها قدرة على الإستمرار، وكذلك بالنسبة للأطباء، من هنا دعا نقيب الأطباء في لبنان للتعاون بين القطاع الخاص والقطاع العام لتأمين الحد الأدنى المقبول والمعقول للقطاع الإستشفائي الطبي والتمريضي، وإلّا فنحن مقبلون على مشاكل صحية كبيرة على جميع المستويات والأصعدة.

إذاً هناك كارثة جديدة في لبنان، فهل من يسمع؟ هل من يُدرك الصعوبات التي تتكدّس على رؤوسنا في بلدنا؟
في عصرنا الحالي، الشعب اللبناني قد لا يجد من يُطبّبه، بينما سكّان أكثريّة البلدان التي تحترم حقوق الانسان ومتطلّباته، قد لا يدركون فعلاً ما نعيشه، وربما لا يفهمون الألم العميق الذي يشعر به المواطن في لبنان يوميًّا، إذ أنّ – وعفواً على التعبير- كلابهم وحيواناتهم تجد اهتماماً وضماناً لحياتها.
وأخيراً، كم أصبح رخيصاً الإنسان في لبناننا، لا قيمة لنعمةِ حياته، ولكن لتذكير المسؤولين: جميعنا ندرك أنّ “الله يرى كلّ ما يحصل لنا”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us